الانعطاف الأوروبي العظيم
نشرت صحيفة “إيزفيستيا” موضوعا كتبته المحللة السياسية يفغينيا بيمينوفا، وسألت فيه: هل يمكن انتظار “طلاق” ألمانيا والولايات المتحدة بعد تصريحات ميركل المدوية.
كتبت بيمينوفا:
بعد سلسلة من اللقاءات والمباحثات المطولة في قمتي الناتو و”السبع الكبرى”، أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بصورة مفاجئة أن الولايات المتحدة “شريك لا يمكن الاعتماد عليه”، وأن على أوروبا “الاعتماد على نفسها”. وقد عصفت هذه التصريحات بوسائل الإعلام العالمية، حتى أن بعضا عدَّ هذه التصريحات تهديدا لـ “الجسر عبر الأطلسي”، الذي كان أساسا للعلاقات الألمانية–الأمريكية منذ عام 1945.
وهنا تجدر الإشارة على الفور إلى أن سبب خيبة أمل المستشارة الألمانية هو عدم موافقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على شروط اتفاقية باريس للمناخ. ذلك على الرغم من أن الحديث لم يكن يدور عن مواجهة شاملة بشأن النقاط الأساسية في جدول عمل السياسة العسكرية أو مسائل تشكيل تحالفات دولية ما.
وقد لوحظ التوتر بين النخبة السياسية الألمانية والرئيس الأمريكي الجديد منذ الأيام الأولى لتنصيبه رئيسا للبلاد، حين استقبلت برلين بحذر الإعلان عن فوز المرشح الجمهوري في الانتخابات الرئاسية، حتى أن عددا من الساسة أسرعوا إلى إعلان خيبتهم من نتائجها، وأن كل شيء سيتغير. كما أن أول تصريح لترامب بعد تنصيبه رسميا أثار ضجة كبيرة، لانتقاده سياسة الهجرة التي تنتهجها ميركل، وهدد قطاع صناعة السيارات الألماني برفع رسوم الاستيراد.
والآن، بعد مضي عدة أشهر على رئاسة ترامب، لم تنخفض حدة التوتر بينهما ولا يمكن التنبؤ بتصرفات ترامب. فلا يزال قطاع صناعة السيارات في ألمانيا يعيش حالة من القلق، لأنه أحد قطاعات التصدير الأساسية وفرص عمل للملايين ومصدر رئيس للضرائب. لقد شاهدنا كيف يمكن للولايات المتحدة التأثير في هذا القطاع من فضيحة مؤسسة “فولكسفاغن” عام 2015، حين حكمت عليها محكمة أمريكية بدفع غرامة مالية قدرها مليار دولار، بسبب مخالفتها لمتطلبات حماية البيئة في الولايات المتحدة؛ ما تسبب في استقالة رئيس المؤسسة، وتكبدها خسائر كبيرة.
لقد وطدت السيدة المستشارة بتصريحاتها الأخيرة قلق النخبة السياسية الألمانية. ومع ذلك لنرَ ما هي حزمة العوامل التي كانت وراء هذه التصريحات.
تتمثل القضية في أن النخبة السياسية الألمانية تميل بصورة عامة نحو العولمة، وهذا أمر طبيعي بسبب السياسة التي انتهجتها الولايات المتحدة تجاه ألمانيا منذ انتهاء الحرب الثانية. وقد بدأت هذه السياسة بخطة مارشال بشأن إعادة بناء اقتصاد ألمانيا واستثمار أموال طائلة فيها، وانتهاء بوجود عشرات القواعد العسكرية الأمريكية فيها، والتي تخزن في بعضها أسلحة نووية. كما أن هذه القواعد توفر فرص عمل كثيرة لسكان المناطق المجاورة لها. واخيرا لقد بدأت المنافسة في الانتخابات البرلمانية، وقد أطلقت ميركل هذه التصريحات خلال اجتماعها بأعضاء حزبها وأنصارها في ميونيخ.
وهناك سبب آخر لهذه التصريحات، هو الانتقادات التي يوجهها إليها خصومها السياسيون، بأنها تعمل وفق ما تمليه واشنطن. ومن جانب آخر كانت قبل سنتين في قلب فضيحة تنصت الاستخبارات الأمريكية على الاتصالات الهاتفية لكبار ساسة ألمانيا بمن فيهم ميركل نفسها. والآن، حانت الفرصة لكي تثبت لأنصارها ونقادها أنها قوية وزعيمة مستقلة تناضل من أجل أوروبا.
هذا، ومع أن “طلاق” ألمانيا وأمريكا و”الانعطاف الأوروبي العظيم” ما زالا بعيدان، فإن ميركل تعمدت إطلاق هذه التصريحات للحصول على نقاط سياسية.