“الانسحاب التكتيكي” و”غياب الدعم”.. الكذبتان الأكثر رواجاً عند مسلحي سوريا
موقع إنباء الإخباري ـ
محمد كسرواني:
“انسحاب تكتيكي” في ظل “غياب الدعم العسكري”، كذبتان تلقيان رواجاً كبيراً في بيانات “المعارضة السورية” المسلحة مع كل فشل ميداني كبير. فتبريرات “الجيش الحر” والجماعات التكفيرية في سوريا من “الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش” و “جبهة النصرة” المرتبطة بـ “القاعدة”، لسقوط المدن والقرى في يد الجيش العربي السوري كلها متشابهة.
بدءاً من “سياسية التخوين” التي تمارسها المجموعات المسلحة بحق بعضها البعض والاتهامات المتبادلة بالفرار وعدم تأمين الدعم “والهروب من الزحف”، وصولاً الى كذبة “الانسحاب العسكري” الذي ما عاد يعرف ما المقصود منه، هل هو تراجع لقصف القرى ومن ثم الدخول إليها؟ أو هو تراجع لإعادة لملمة فلول المسلحين؟ أو أنه “تلفيقة” إعلامية تغطي بها “المعارضة المسلحة” إخفاقاتها وتكاد لا تعرف سواها؟
في شهر حزيران الماضي سقطت مدينة القصير في محافظة حمص بيد الجيش السوري، بعد أن كانت ممراً إستراتيجياً لـ “المسلحين المعارضين” بين سوريا ولبنان. وبعيد السقوط انتشرت على صفحات الإنترنت عشرات البيانات للمعارضة السورية أقرت فيها بالتطور الميداني، وتقاربت في تبرير الهزيمة.
وأعلن حينها نائب قائد “الجيش الحر” العقيد عارف الحمود عن انسحاب قواته من المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في مدينة حمص (القصير)، مشيراً الى أن ما نفذوه كان “انسحاباً تكتيكياً”، بحسب ما صرح لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.
بدورها، نشرت جماعة معارضة تدعى “تنسيقية القصير” بياناً على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” اتهمت فيه “المعارضة” السياسية في الخارج وبعض قادة المسلحين بالاهتمام بالمال أكثر من اهتمامهم بالقتال”.
وقال البيان إن “هناك قادة كتائب في الثورة أصبحت مهنتهم هي الثورة، لا يتحركون إلا إذا قبضوا ثمن سلاحهم وذخيرتهم مرات عدة، ومع هذا فقد يعدّون ويتسلحون ثم لا يناصرون. ومنهم من انسحب من المطار ثم انسحب من البويضة فغطى مكانه الشباب. لقد أصبحت الثورة وتسخين بعض نقاطها مهنة للتكسب والربح على حساب الدماء والآلام لا بارك الله في كل شارب للدم، خائن لأمانة نصرة الإخوة في سبيل درهم لن ينفعه”.
كثيرة هي البيانات التي صدرت حينها، وكثيرة أيضاً هي البيانات التي صدرت بعد سقوط قرى ومدن أخرى بيد الجيش السوري، وكلها تحمل “التلفيقات الإعلامية” نفسها.
“معبر القنيطرة” منطقة تقع على الحدود الفلسطينية ـ السورية، سيطر فيها “الجيش الحر” مرة على المعبر الأساسي على الحدود. وبعد عملية عسكرية استطاع خلالها الجيش السوري استعادة السيطرة على المكان، أعلن “الجيش الحر” في بيان انسحابه “التكتيكي في المنطقة”. وتحت عنوان : “انسحاب “تكتيكي” للجيش الحر من المعبر الحدودي في القنيطرة، كتب “المرصد السوري لحقوق الانسان” أن انسحاب “الجيش الحر” من المعبر كان تكتيكياً”. .
“الأكاذيب الإعلامية” هي نفسها، في حي بابا عمرو بحمص. ففي شهر آذار من العام 2013 أعلن “الجيش الحر” انه انسحب “انسحاباً تكتيكياً” من حي بابا عمرو في حمص بسبب النقص في الذخيرة والسلاح. وقبل إعلان الانسحاب، قال مهيمن الرميض، أحد قادة “الجيش السوري الحر” إن “اوامر صدرت الى قوات “المعارضة” في مناطق أخرى في سوريا لتصعيد القتال ضد “القوات الحكومية”، من أجل تخفيف الضغط على حمص، التي تتعرض للقصف.
وفي محاولة لاستعطاف الناس وتضليل الرأي العام، أضاف الرميض أن “القصف مستمر.. لمحاولة انهاك “قوى الجيش الحر” واستنزاف طاقاته، و”الجيش الحر” لديه اسلحة خفيفة، قذائف الهاون والرشاشات المتوسطة والخفيفة، هذا اقصى ما يعتمد عليه الجيش الحر”، في حين تؤكد التقارير الإعلامية والعسكرية وواقع المعارك أن ما يملكه “الجيش الحر” من اسلحة وعتاد يخوّله للقتال سنوات عديدة.
وعن الانسحاب “التكتيكي” من بابا عمرو، أعلن قائد “الجيش الحر” العقيد رياض الأسعد أن قواته “انسحبت من بابا عمرو انسحاباً تكتيكياً حفاظاً على ما تبقى من الأهالي والمدنيين”، من دون أن يتطرق الى موضوع السلاح، محاولاً أن “يلعب على الوتر الإنساني”، بغية التعتيم على إخفاقات ميليشياته في القتال.
وإلى صدد التي تقع على خط المطر في سوريا ما بين العاصمة دمشق جنوباً وحمص شمالاً، ذكرت وكالة أنباء “آسيا” مؤخراً نقلاً عن مصدر ميداني أن “عناصر “جبهة النصرة” الذين اقتحموا بلدة “صدد” بريف حمص، اضطروا تحت وطأة القصف الجوي والمدفعي واستقدام تعزيزات إضافية للجيش السوري، إلى تنفيذ “انسحاب تكتيكي” من أغلب أحياء البلدة”.
تجدر الإشارة الى أنه وخلال أحداث صدد وجّه من يسمّون أنفسهم “أحرار مهين الأبية” نداء استغاثة طالبوا فيه المجموعات المسلحة التي وصفوها بـ “الكتائب النائمة” في مناطق “حسياء” و”تلبيسة” و”النبك” و”قارة” و”يبرود” خصوصاً بضرورة الإلتحاق بالبلدة قبل فوات الأوان، بحسب البيان.
أما في ريف اللاذقية، بعيد انسحاب “المعارضة المسلحة” منها، ذكرت مصادر إعلامية معارضة أن “احدى الجماعات التي تقاتل في ريف اللاذقية أعلنت انسحابها التكتيكي بسبب نفاذ الذخيرة “. ونقلت المصادر بياناً لإحدى الجماعات التي تطلق على نفسها “كتيبة سيف الله المسلول” ذكرت فيه ان “التراجع عن خطوط التماس جاء نتيجة نفاذ الذخيرة بعد يومين من الاشتباكات وعدم استجابة الجهات الداعمة لنداءات الجماعة في تأمين الذخيرة”.
وعملاً بالتضليل الإعلامي نفسه حول عجز “المعارضة المسلحة” عن السيطرة على الأراضي التي تحتلها، أقر الناطق باسم اتحاد “تنسيقيات الثورة” في حلب محمد الحلبي عن “انسحاب عناصره من حي صلاح الدين في مدينة حلب شمالي سوريا، بسبب ما وصفه “التدمير الكامل” الذي تعرض له الحي، واصفاً انسحاب عناصره بـ “التكتيكي”.
في حين أكد الناطق باسم القيادة المشتركة “للجيش الحر” في الداخل العقيد قاسم سعد الدين أنه “صحيح حصل انسحاب للجيش “السوري الحر” من صلاح الدين”، مشيراً إلى أن “الانسحاب تكتيكي”.
“درعا” المحافظة التي بدأت فيها الأزمة السورية، صرح قيادي في “الجيش السوري الحر” بعد انسحاب “الحر” منها في شهر آب من العام الحالي إن “المعارضة المسلحة نفذت “انسحاباً تكتيكيا” من مناطق في محافظة درعا في جنوب البلاد”.
وقال القيادي أبو أحمد الحوراني وفقا لوكالة الانباء الالمانية “د ب ا”: “إن مدينة الحراك تعرضت لقصف حكومي على مدار الأربع وعشرين ساعة الماضية قبل أن تقتحمها اليوم”، مشيراً إلى “أن القوات المعارضة اضطرت إلى الانسحاب بسبب نفاد الذخيرة”.
وبما أن جبهة تحرير “القصير” فتحت أبواب التحرير على كل الجبهات، سقطت مؤخراً “حتيتة التركمان”. فبعد أن اشيع الخبر سارعت “تنسيقيات المعارضة السورية” إلى تبرير الانسحاب بأنه “تكتيكي للجيش “الحر” من المناطق التالية: حتيتة التركمان ودير العصافير والشبعا”.
هذا وكان قبل أيام أحكم الجيش السوري السيطرة الكاملة على مدينة السفيرة بريف حلب الجنوبي الشرقي بعد أن قضى على آخر تجمعات المسلحين في أحياء المدينة. وقالت بيانات “الجيش الحر” و”المقاتلين المعارضين” إنه قواتهم انسحبت “انسحاباً تكتيكياً” من السفيرة” التي تعد منطقة استراتيجية هامة. هذا ووصفت بعض قوى المعارضة أن سقوط السفيرة هو بمثابة سقوط “القصير” محمّلين القوات “المتخاذلة” مسؤولية سقوط السفيرة، المنطقة التي تفتح الطريق نحو مناطق حلب، وتسهّل الإمداد العسكري واللوجستي للبدء فعلياً بعملية تطهير المدينة.
من هنا، بات واضحاً أن الذريعة “الكاذبة” لكل خسارة عسكرية للمعارضين ونصر جديد للجيش السوري هي “انسحاب تكتيكي” و”تخاذل المسلحين”. والآن تتهيأ القوات السورية بعد تطهيرها وتحريرها لبلدة السفيرة الاستراتيجية في ريف حلب للتوجه نحو مطار “كويرس” العسكري والأحياء الشرقية لمدينة حلب بهدف تطهيرها وتأمينها من الميليشيات السورية، فهل سنسمع مجدداً ببيانات تبرر انسحاب المسلحين من هذه القرى في حلب؟ وهل ستحمل هذه البيانات نفس العبارات الكاذبة : “انسحاب تكتيكي” و”غياب الدعم العسكري”!