الانتخابات التركية.. هل يشتري إردوغان أصوات الناخبين؟
موقع قناة الميادين-
حسني محلي:
لم تمنع كل أرقام التضخم السلبية في الاقتصاد التركي الرئيس إردوغان من الاستمرار في محاولاته لرفع معنويات المواطنين، ومن بينها التصديق على قانون التقاعد المبكر.
بات واضحاً أن تركيا مقبلة على مرحلة مثيرة ومتوترة ستحمل الكثير من المفاجآت الصعبة والخطرة، مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المصيرية التي يُتوقع أن تكون في 14 أيار/مايو المقبل.
على الرغم من الارتياح النسبي الذي تشهده علاقات أنقرة بالعواصم التي كانت تعاديها، وأهمها أبو ظبي والرياض و”تل أبيب” والقاهرة، فإن الجميع يعرفون أن أهم عاصمة بالنسبة إلى الشارع السياسي والشعبي التركي هي دمشق، بسبب تكاليف التورط التركي العسكري والأمني والمالي في الأزمة السورية على الداخل التركي الذي يعاني بفعل قضية اللاجئين السوريين، التي يتوقع الكثيرون أن تؤثر في شعبية إردوغان، سلباً كان أم إيجاباً، بما لا يقل عن 3-4 نقاط في الانتخابات القادمة.
وترى المعارضة في مثل هذا الاحتمال مبرر إردوغان الرئيسي للمصالحة العاجلة مع الرئيس الأسد، وتقول: “مع ذلك، سيسعى لكسب المزيد من الوقت حتى الانتخابات، ما دام لن يلبي شروط الأسد بسهولة بسبب التورط التركي في الأزمة بشكل كبير ومعقد وخطر”.
ولم يمنع هذا الواقع الصعب والمعقد في المصالحة مع الرئيس الأسد الرئيس إردوغان من استنفار إمكانيات الدولة لكسب رضا المواطن التركي، من دون أن يبالي بالواقع المالي الخطر الذي ترى فيه أحزاب المعارضة حالة من الإفلاس التام، على الرغم من عشرات المليارات من الدولارات التي ضخَّتها موسكو وعواصم الخليج في الأسواق المالية التركية لمساعدته، وهو ما كان كافياً بالنسبة إليه حتى يتخذ قرارات لم يكن سهلاً عليه اتخاذها في ظل الوضع المالي الخطر وإفلاس الخزانة والمصرف المركزي.
وبعد فشل المباحثات بين رجال الأعمال والنقابات العمالية، تدخَّل إردوغان شخصياً، وقرر الأسبوع الماضي زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 54.4%، ليصبح 8500 ليرة تركية، أي 440 دولاراً، في محاولةٍ منه لإرضاء الناخبين الذين أصيبوا بخيبة أمل كبيرة جداً عندما أعلن زيادة مرتبات الموظفين في الدولة والمتقاعدين بنسبة 25%، ثم عاد ورفع الزيادة إلى 30% بعد 24 ساعة فقط.
كان ذلك كافياً بالنسبة إلى المعارضة لشنّ هجوم عنيف ضده واتهامه بالاستهزاء بمشاعر الشعب الذي يعاني أخطر أزماته المالية، مع انعكاساتها على الحالة المعيشية والنفسية، إذ وصلت نسبة البطالة إلى 20%، وشهدت الأسواق خلال العام الماضي ارتفاعاً خيالياً في أسعار جميع المواد الاستهلاكية الرئيسية والخدمات بسبب السياسات المالية الفاشلة لإردوغان ووزرائه.
وارتفعت أسعار السكّر بنسبة 340%، وغاز التدفئة بنسبة 300%، والبنزين بنسبة 238%، والمازوت بنسبة 252%، وزيت عباد الشمس بنسبة 210%، والحليب واللحوم بنسبة 195%، والخبز والطحين 180%، ومصاريف المواصلات 165%، والغاز المنزلي 230%، والضرائب الحكومية 126%.
وقد تجاهل مركز الإحصاء الحكومي كلّ هذه النّسب، ليقول إن نسبة التضخّم خلال العام الماضي كانت 64.27%، بناءً على تعليمات الرئيس إردوغان، في وقت قدّرت المعارضة هذه النسبة بأكثر من 180%، وقدّرت حجم الديون الخارجية والداخلية للبلاد بتريليون دولار، والعجز المالي في التجارة الخارجية لهذا العام بـ110 مليارات دولار (خلال 20 عاماً من حكم إردوغان، زاد العجز على تريليون مليار دولار).
ولم تمنع كلّ هذه الأرقام السلبية الرئيس إردوغان من الاستمرار في محاولاته لرفع معنويات المواطنين، ما اضطره إلى التصديق على قانون التقاعد المبكر الذي استفاد منه نحو 2.3 مليون مواطن (عدد المتقاعدين في تركيا 14 مليوناً)، والإعلان عن مشروع كبير لبناء ما لا يقل عن مليون وحدة سكنية للمواطنين ذوي الدخل المحدود بقروض مصرفية متدنية، وسط المعلومات التي تتوقع أن يعلن قريباً عن عفو عام عن الّذين تأخروا في دفع ضرائبهم أو تهرّبوا منها، وعفو آخر على البناء العشوائي والمخالفات في عمليات البناء، على أن يكون العفو الأخير عن المعتقلين والمسجونين.
كلّ ذلك في محاولة منه لكسب تأييد هذه الكتل الشعبية التي تمثل نحو ثلث الشعب التركي الذي عوّده خلال 20 عاماً من حكمه على المخالفات في كل المجالات، وعلى المكاسب الخيالية، ما دام الجميع يعرفون أنه وكل من معه في السلطة متورطون في قضايا فساد تقدرها المعارضة بمئات المليارات من الدولارات، وخصوصاً أنَّه قام بخصخصة ما قيمته 75 مليار دولار من مؤسسات القطاع العام، واتهمته المعارضة بإقامة علاقات متشابكة مع الشركات الأجنبية التي أقامت علاقات غامضة مع شركات مقربة إليه، ونفذت معها ما قيمته مئات المليارات من الدولارات من المشاريع، كالجسور المعلقة والأنفاق والطرقات السريعة والمستشفيات، مع ضمانات قدمتها الدولة لهذه الشركات في حال تراجع مدخولها من هذه المشاريع.
على سبيل المثال، تعهّدت الدولة مرور 45 ألف سيارة في اليوم من الجسر المعلق على مضيق الدردنيل، وقالت إنها ستعوض الشركات إذا كان العدد أقل من ذلك، فيما أثبتت المعارضة أن هذا العدد لا يتجاوز ألف سيارة يومياً خلال أشهر الشتاء، ونحو 10 آلاف سيارة خلال موسم الصيف، وهذا هو حال كل الطرقات السريعة والأنفاق والجسور، وحتى مستشفيات الدولة التي تقوم الخزانة العامة بتعويض الشركات المنفذة ما لم يصل عدد المرضى فيها إلى العدد المتفق عليه.
كل ذلك في الوقت الذي تبين كل استطلاعات الرأي أن ما لا يقل عن 60% من المواطنين الأتراك غير راضين عن أداء الرئيس إردوغان. وقد بات واضحاً أن عليه اتخاذ المزيد من الخطوات المالية لشراء أصوات الناخبين، وهو يقول لهم “إنه الوحيد الذي يستطيع أن ينقذهم من مشاكلهم”، ناسياً أنه كان السبب فيها.
وسيستغلّ واقع المعارضة المنضوية تحت راية “تحالف الأمة”، ليقول للناخب التركي إن بديله هو 6 أحزاب غير متجانسة، من دون أن تخفي المعارضة قلقها من السيناريوهات التي تتحدث عن احتمالات التوتر الخطر مع اقتراب موعد الانتخابات، وخصوصاً إذا أحسّ بأنه لن يفوز.
ومن هذه السيناريوهات انفجار الوضع الأمني الداخلي عبر العمليات الإرهابية أو التوترات مع دول الجوار، ومنها العراق وسوريا واليونان، وليبيا أيضاً، ليكون ذلك مبرر إردوغان لتأجيل الانتخابات أو إلغائها أو التأثير في الناخب التركي، مستغلاً هذه الأحداث عبر مقولات حماسية دينية وقومية وتاريخية تبين الاستطلاعات أن غالبية الناخبين الأتراك سئموا منها.
وأثبتت هذه الاستطلاعات أن مرشحي المعارضة سينتصرون على إردوغان، شرط أن تتفق الأحزاب الستة على مرشح وتتبناه معاً، ومن هؤلاء زعيم حزب “الشعب الجمهوري” كمال كليغدار أوغلو، وزعيمة “الحزب الجيد” مارال أكشانار، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وهو الأوفر حظاً، وخصوصاً بعد المضايقات القضائية التي تهدف إلى التخلص منه مع حملة عنيفة يتعرض لها من قبل إردوغان ووزير داخليته وإعلامه الموالي الذي يعامل أتباع الرئيس الترطي وأنصاره كالأغبياء، ويقول لهم “إنه أعظم زعيم سياسي في العالم”، فترد المعارضة: “نعم، إنه عظيم، ولكنه توسل لمحمد بن زايد وبن سلمان حتى يصالحاه في مقابل حفنة من الدولارات. ولولاها، لكانت الهزيمة مصيره المحتوم في الانتخابات، وبنسبة 80% بدلاً من 60% المتوقعة الآن”.