الانتخابات الإسرائيلية.. ما بين حكومة أكثر تطرفاً أو التمهيد لانتخابات سادسة
صحيفة الوطن السورية-
محمد نادر العمري:
بعد تبني الكنيست قراراً بحل ذاته في شهر حزيران الماضي، والدعوة لانتخابات مبكرة، على خلفية انسحاب اثنين من ائتلاف التغيير بزعامة نفتالي بينيت ويائير لابيد داخل هذا الكنيست بهدف إحداث تغيير في المشهد السياسي عبر إبعاد بنيامين نتنياهو عنه وعن إدارة السلطة والحكومة، أغلقت صناديق الاقتراع لانتخاب نواب الكنيست الإسرائيلي للمرة الخامسة في أقل من ثلاث سنوات ونصف، وبعد صدور النتائج الأولية للانتخابات التي شهدت أعلى نسبة مشاركة منذ عام 1999 وبلغت 71.3 بالمئة، فإن المشهد خلال هذه الانتخابات الخامسة من أصل 25 انتخاباً شهدها الكنيست منذ غرس هذا الكيان بالمنطقة عام 1948، يمكننا التوصل إلى المعطيات والحقائق التالية:
1- تغير طبيعة الصراع التقليدي داخل الكيان الإسرائيلي، إذ لم يعد هذا الصراع دائراً بين اليسار واليمين، بل بات بين اليمين ذاته المنقسم بين اليمين المتطرف الذي يتزعمه حزب نتنياهو «الليكود»، وهو أكبر حزب سياسي داخل إسرائيل، بعد تراجع شعبية حزب العمال، بائتلاف مع الأحزاب اليهودية الأرثوذوكسية والتي تعرف بالأحزاب الحريدية «شاس، يهدوت هتوراة» إضافة للتحالف الصهيوني الديني الجديد، وجميع هذه الأحزاب تتبنى مزاعم دينية متشددة لتبرير عنصريتها الصهيونية وممارساتها الإرهابية، أما التيار الآخر من اليمين هو اليمين الوسط الذي يضم في تحالفاته الأحزاب اليسارية أو ما تبقى منها والأحزاب التي تصنف بالوسطية، ويسعى هذا التيار بقيادة يائير لابيد ونفتالي بينيت إضافة لوزير الدفاع بني غانتس، إلى تكريس حالة التغير الذي أحدثته الانتخابات الرابعة، وضم هذا التحالف إلى جانب حزب «هناك مستقبل» ماسمي بـ«المعسكر الوطني» الذي تشكل عشية الإعلان عن الانتخابات الخامسة، متألفاً من تحالف الأحزاب التي ترأسها شخصيات مقربة من نتنياهو سابقاً وهم بني غانتس رئيس حزب «أزرق- أبيض» والمنشق عن الليكود ووزير القضاء جدعون ساعر زعيم حزب «أمل جديد»، وغادي أيزنكوت رئيس هيئة الأركان السابق، كما يضم هذا التحالف حزب «إسرائيل بيتنا» اليميني بزعامة أفيغدور ليبرمان، وأنقاض ما تبقى من حزب العمال وميرتس اليساريين.
هذا الصراع بين اليمين واليمين المتطرف هو الذي أدى لزيادة مشاركة المستوطنين المتدينين لما يزيد على 85 بالمئة.
2- يلاحظ خلال هذه الانتخابات، وهي من النقاط الاستكمالية للانتخابات السابقة، أن الأحزاب اليسارية التقليدية لم تشارك بهذه الانتخابات بشكل منفرد أو ضمن تكتل آحادي، خشية عدم تحقيقها نسبة الحسم والبالغة 3.23 بالمئة وهي الحد الأدنى الذي يخولها دخول الكنيست، وهو ما يعني انهيار نفوذ الأحزاب اليسارية التي كانت تعتبر النخبة الحاكمة لحين بداية الانقلاب السياسي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وهو ما يدل أيضاً على غلبة الطابع الديني على العلماني داخل الاحتلال نتيجة توجه المستوطنين أكثر باتجاه تأييد الأحزاب اليمينية والدينية.
3- الانقسام والتشتت لم يطل فقط الأحزاب والتيارات الصهيونية «اليسارية واليمينية» بل امتد هذا التشرذم ليزيد من التفرقة المتنامية بين الأحزاب العربية، وذلك بعد تفكك القائمة العربية المشكلة منذ انتخابات كانون الثاني 2015، والتي تمكنت في الانتخابات الأخيرة من حجز 15 مقعداً لها داخل الكنيست، وتعود أسباب انحلال القائمة المشتركة إلى الخلافات السياسية السائدة بين مكوناتها: الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، والقائمة العربية الموحدة، والحركة العربية للتغيير، فضلاً عن أسباب إيديولوجية والخلافات التي حصلت في الانتخابات السابقة بسبب المحاصصة في شغل المقاعد، يضاف إلى ذلك نقطة في غاية الأهمية تبرز بعد توتر الأوضاع في الضفة الغربية وحالة الانقسام الحزبي على ما يعرف بفلسطينيي 48، وهو ما أدى لتراجع نسبتهم في المشاركة بالانتخابات أو مقاطعتها رغم أنهم يشكلون 20 بالمئة من مجموع الناخبين، وهو ما قد يؤدي في حال صحة التقديرات الإعلامية العبرية إلى تمكن فوز الأحزاب الدينية اليهودية المتطرفة.
4- في حال مصداقية التقديرات الأولية لنتائج الانتخابات وفق ما تعلنه وسائل الإعلام الصهيونية من فوز اليمين المتطرف بأغلبية 65 مقعداً من أصل 120، فإن ذلك يمكن نتنياهو من تشكيل حكومة تتميز بعاملين: الأول حكومة سيكون سلوكها الحتمي من أكثر الحكومات عدوانية وعنصرية تجاه الفلسطينيين والعرب وحتى اليهود الذين وقفوا ضد نتنياهو، ولاسيما مع اضطرار نتنياهو لتقديم وزارات سيادية كالأمن والقضاء للتيارات الداعمة له مثل التجمع الصهيوني الذي نال 15 مقعداً ويتزعمه المتطرف ايتمار بن غفير، وموقف الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية من عودة نتنياهو وشكل علاقتها مع هذه الحكومة الفاشية، والعلاقة التي ستكون بين نتنياهو والرئيس جو بايدن الذي ساهم في دعم تشكل حكومة التغيير في الانتخابات السابقة ولا يؤيد عودة نتنياهو للسلطة مجدداً، أما العامل الثاني للحكومة سيكون على مثيل سابقاتها من حيث كونها ستتشكل من ائتلاف هش إن لم يحصل ائتلاف نتنياهو على الأغلبية المطلوبة، ما يرسخ حالة عدم استقرار حكومي مجدداً، نتيجة قيام هذه الائتلافات على المصالح والمحاصصة القابلة للتغير والتبدل في أي وقت.
5- أياً يكن شكل وطبيعة الحكومة الإسرائيلية المقبلة ورئيسها، فإنها ستواجه مجموعات من التحديات الجوهرية من حيث محددات العلاقات الخارجية في ظل التبدلات الحاصلة في موقف بعض الدول من العلاقة مع الكيان، والعلاقة مع روسيا نتيجة الأزمة الأوكرانية، وطريقة التعاطي مع الملف النووي الإيراني، وتعاظم تنامي المقاومة الشعبية الصاعدة في الضفة، فضلاً عن تردي الوضع الاقتصادي وزيادة التشرذم المجتمعي.
خلاصة السيناريوهات أنها تحمل وجهين، الأول يتمثل في حال عدم الحصول على الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومة، فإن هذه الانتخابات الخامسة حتماً ستكون بداية التمهيد لجولة سادسة مؤكدة في الربيع القادم، ما يعكس حالة عدم الاستقرار السياسي، وهذا احتمال ربما بات مستبعداً، في حين تتمثل صورة الوجه الآخر في نجاح اليمين المتطرف بتأمين هذه الأغلبية وتكليف نتنياهو في تشكيل الحكومة، وهكذا فإن المنطقة ستكون على صفيح ساخن وتوتر غير مسبوق نتيجة اعتلاء المتطرفين للسلطة وسعيهم للحفاظ على دعم الناخبين.