الاقتصاد يرسّخ جسور التواصل بين بغداد وطهران
موقع العهد الإخباري-
عادل الجبوري:
في الثاني من شهر أيلول-سبتمبر الجاري، جرت مراسيم وضع الحجر الأساس لمشروع الربط السككي بين العراق وايران، برعاية رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، والنائب الأول للرئيس الايراني محمد مخبر. وتخللت تلك المراسيم التي حظيت باهتمام اعلامي واسع، إشارات واضحة من السوداني ومخبر إلى الأبعاد الاستراتيجية المهمة والكبيرة لذلك المشروع، ليس بالنسبة للعراق وايران فحسب، وإنما لعموم المنطقة، لا سيما أنه يأتي في خضم حراك اقليمي ملفت، ينطوي على مضامين وسمات ومصالح اقتصادية متبادلة ومتشابكة ومتداخلة بين مختلف الأطراف.
ربما يكون مشروع الربط السككي بين العراق وايران قد جاء متأخرًا، لكن كما يُقال: “أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأت أبدًا”. ولا شك أنه رغم العلاقات الايجابية الطيبة التي سادت العلاقات العراقية الإيرانية بعد الإطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، وما شهدته من تطورات وتحولات في شتى الجوانب والمجالات، إلا أنه كانت هناك جملة من المعوقات والعراقيل الأمنية والسياسية والفنّية حالت دون تنفيذ بعض المشاريع الاستراتيجية المهمة، من قبيل مشروع الربط السككي.
فالإحتلال الأميركي، وظهور واستفحال الإرهاب التكفيري المتمثل بتنظيم “القاعدة” ثم تنظيم “داعش”، والتجاذبات والتقاطعات السياسية الداخلية المحكومة باختلاف وتقاطع الأجندات الخارجية، واستشراء الفساد الإداري والمالي، وضعف منظومات الدولة وخضوعها للمصالح الحزبية الضيقة، ناهيك عن اسقاطات وتأثيرات العقوبات المفروضة على ايران، كل ذلك ساهم بشكل أو بآخر في تأخر مدّ خطوط السكك الحديدية بين البلدين الجارين.
ومع تبدل الكثير من الظروف والأوضاع السياسية والأمنية في العراق والمنطقة، وبروز العامل الاقتصادي كأولوية في ترتيب الملفات، وإدارة الخلافات، واحتواء الأزمات، كان من الطبيعي جدًا أن يبصر ذلك المشروع النور، ليكون بمثابة خطوة أخرى مهمة للغاية في مسار تعزيز الروابط الاقتصادية والتجارية بين بغداد وطهران، حتى وإن اقتصرت خطوط السكك الحديدية في المراحل الأولى على نقل المسافرين وليس السلع والبضائع، وفق ما أكد رئيس الوزراء العراقي بقوله “إن الربط السككي عبر منفذ الشلامجة هو حلقة من حلقات متعددة لنقل المسافرين وزائري العتبات المقدسة، ومن المقرر أن يصل إلى محافظتي النجف الأشرف وكربلاء المقدسة”، لأن ملايين الأشخاص من البلدين الذين يتنقلون بينهما طوال الوقت، لأغراض السياحة الدينية والترفيهية والدراسة والعمل والعلاج يشكلون ركيزة مهمة في جانب من النشاط والحراك الاقتصادي والتجاري بمفهومه الواسع والشامل، الذي يمكن أن يفتح له الربط السككي آفاقًا رحبة، أشار اليها نائب الرئيس الايراني حينما قال “إن المشروع عبارة عن خطة إستراتيجية من شأنها أن تُحدث قفزة كبيرة للغاية في زيادة المبادلات التجارية إلى 30 مليار يورو، وأن الربط السككي سيوفر الأرضية لربط العتبات المقدسة بين البلدين”.
هذا في الوقت الذي يؤكد فيه المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي ناصر الأسدي أن العراق يتطلع لاستكمال أول خط للسكك الحديدية يربطه بجارته إيران خلال ثمانية عشر شهرًا، مما سيسهم بشكل كبير في تسهيل نقل ملايين الزوار لإحياء المناسبات الدينية في العراق كل عام”.
ويقول المتحدث الرسمي باسم الحكومة العراقية باسم العوادي إن “الحكومة مضت باتجاه مشروع الربط السككي، وإنها خطوة عملية للنهوض بواقع البنية التحتية بعد عقود من العزلة في إقامة المشاريع المشتركة مع دول الجوار، وان الموقع الجغرافي للعراق يقتضي أن يكون في قلب المنطقة في الترابط السككي والبري والجوي، حيث أن المرحلة الجديدة للربط السككي تهدف لنقل المسافرين والزائرين من إيران وما وراءها من أواسط آسيا”.
ويوضح العوادي بخصوص المزاعم بأن المشروع سيؤثر على المكانة الاقتصادية لميناء الفاو، قائلا “إن الحكومة العراقية لم تقدم على وضع حجر الأساس للمشروع إلا بعد دراسة الجدوى الاقتصادية وضمان أمن العراق الاقتصادي والسياسي، وألا تمس مثل هذه المشاريع سيادة البلد.. ولا يمكن لحكومة تبنت إكمال ميناء الفاو، وخصصت له المليارات من الموازنة، واقترحت مشروع طريق التنمية بقيمة 17 مليار دولار على مدى خمسة اعوام، أن تذهب باتجاه مشروع آخر بالضد من أهدافها”.
في الواقع، من شأن الربط السككي مع ايران أن يعزز ويسرع مجمل المشاريع الاقتصادية الأخرى التي يتشارك العراق فيها مع دول أخرى في المنطقة، كمشروع طريق التنمية، خصوصًا في ظل التحولات الايجابية والانفراجات الكبرى بمسارات العلاقات بين طهران وعواصم اقليمية مؤثرة مثل الرياض وابو ظبي. وبالتالي، فإن ذلك كله يقلص من حجم التدخلات والهيمنة الأميركية، ويتيح للعراق استعادة سيادته الوطنية الكاملة، سواء ما كان يتعلق منها بالشؤون السياسية أو الأمنية أو الإقتصادية. مع الأخذ بعين الإعتبار أن للعراق نقاط توافق والتقاء كثيرة وكبيرة مع ايران، لا تقارن بحجم نقاط الافتراق التي غالبًا ما تكون جزءًا من مخلفات وتراكمات الماضي، أو انعكاسًا لمعطيات وظروف الصراعات والتنازعات الاقليمية والدولية الراهنة.