الاقتتال في دير الزور يخدم التقسيم الذي يطمح إليه الأميركي
موقع الخنادق:
ثمة فجوة كبيرة بين قوات سوريا الديمقراطية والمكون العشائري العربي. ومن الواضح أن العشائر العربية تحاول إسماع صوتها من خلال التصعيد الأخير الذي كان غائبًا في السنوات السابقة. إلا أنّ شبح مشروع التقسيم الأمريكي، يبدو أنه لا يزال جاثمًا فوق المنطقة لحد الآن. فبعد فشل الأمريكيين في تقسيم العراق، وإخفاقهم في هدم النظام السوري، يبدو أن الإدارة الأمريكية اليوم تحاول أن تدخله من بوابة المناطق التي تسيطر عليها في شرق الفرات في سوريا، وبعدها يفعل الامتداد الجغرافي للعشائر العربية فعله في العراق، وهو ما أشارت إليه الخطة التي قدمتها الولايات المتحدة إلى أنقرة، وتحدّث عنها معهد هدسون للدراسات الأمنية والعسكرية بإسهاب”.
أيام قتالية داخل قسد بين المكون الكردي والعشائر
أيام من القتال بين قوات سوريا الديموقراطية المدعومة أمريكيًا، وبين مجموعات منضوية تحت لواء مجلس دير الزور العسكري، سلّطت الضوء على الاستياء المحلي من سيطرة الأكراد على السكان العرب في تلك المنطقة. وهي اشتباكات اندلعت على خلفية اعتقال رئيس المجلس العسكري في دير الزور أحمد الخبيل المعروف باسم أبو خولة، وهو مسؤول عربي بارز في قوات سوريا الديموقراطية، تحت حجج اعتبرتها العشائر العربية واهية وغير صحيحة، ما أدى إلى اضطرابات واسعة شهدت قيام هبة عشائرية لمقاتلي العشائر، ومنهم عشائر منضوية في الجيش الوطني السوري المدعوم تركيًا، وعشائر أخرى موالية للحكومة السورية في دمشق. فقاموا باحتجاز مقاتلين من قوات سوريا الديموقراطية (قسد) كرهائن، واستولوا على العديد من نقاط التفتيش، ونصبوا الكمائن للمركبات، كما قصفوا مواقع قسد في العديد من البلدات والقرى.
وفي 31 آب/أغسطس، ألقى زعيم عشيرة العقيدة، إبراهيم الحافل، خطابا غير مسبوق ندد فيه بـ “الممارسات البربرية” لقوات سوريا الديمقراطية، ودعا جميع القبائل في دير الزور إلى الانتفاض ضد التحالف. وبما أنّ معظم أعضاء قوات سوريا الديمقراطية في دير الزور هم من القبائل العربية المحلية. ومنذ بدء القتال، دعا أفراد هذه القبائل العربية أقاربهم في قوات سوريا الديمقراطية إلى الانشقاق.
من جهتها أرسلت قسد تعزيزات إلى هذه المناطق وتمكنت من قمع الاضطرابات، ما أدى إلى مقتل 71 شخصًا، واضطرّت قوات سوريا الديمقراطية إلى الانسحاب من أجزاء واسعة من شرق دير الزور، وأطلقت “عملية التعزيز الأمني”.
العشائر تطالب بإدارة مستقلة عن قسد
يقول مزاحم السلوم، الخبير في الشأن السوري من دير الزور، إنه عندما حاصرت قوات سوريا الديمقراطية أنصار أبو خولة لأول مرة، في اليومين الأولين من القتال في السوار، لم تردّ القبائل في المنطقة. “فقط عشيرة أبو خولة قاتلت في اليومين الأولين. لكن عندما نشرت قسد قواتها في القرى وبدأت في إذلال الناس وقتل المدنيين، تغير الوضع، فبدأ الناس يحملون السلاح ويدافعون عن منازلهم”.
وفي نفس السياق، تقول شبكة الشرقية بوست التابعة للعشائر في دير الزور، إن العشائر تطالب بأن تكون المحافظة “تحت حكم أبنائها وأن يتمّ فصل المنطقة بالكامل عن قوات سوريا الديموقراطية”، ويضيف مدير الشبكة إبراهيم الحسين، أن ثوار العشائر يتمرّدون على سياسات قوات سوريا الديموقراطية، وغلى التهميش المتعمد للمنطقة ونهب ممتلكاتها وحقوقها وحل المكونات العربية من قوات سوريا الديمقراطية وإلزامها بالسيطرة على كوادرها”.
وفي يوم الأحد 3 أيلول/سبتمبر، التقى وسيطان أمريكيان بقادة قوات سوريا الديمقراطية وزعماء العشائر المحلية. وقالت قوات سوريا الديمقراطية في الاجتماع إنه ليس لديها أي شيء لتختاره مع القبائل، التي ساعدتها في قتالها ضد داعش. لكن الصحفي في فرانس24 وسيم نصر هو خبير في الحركات الجهادية. قال إن هذه العشائر العربية تقاوم قوات سوريا الديمقراطية وتريد إنهاء هيمنتها وتصبح هي نقاط الاتصال الرئيسية للأمريكيين – مع كل الامتيازات التي ينطوي ذلك عليها.
تخلّي الولايات المتحدة عن الأكراد هو ثمن التحالف الأمريكي مع تركيا
بحسب الدراسة التي نشرها معهد هدسون، يبدو أن الولايات المتحدة ستتخلى مرة أخرى عن الأكراد بعدما تخلّت عنهم في العراق عقب استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق عام 2017. وتقتضي الخطة في خطوتها الأولى فصل مجلس دير الزور العسكري عن قوات سوريا الديمقراطية pkk وإجلاء جميع مقاتلي وحدات حماية الشعب من المنطقة. ومن ثمّ دمج مجلس دير الزور العسكري بسلاسة نسبية في الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا، والذي يضمّ مقاتلين من العشائر العربية أيضًا.
وعندما ينضم مجلس دير الزور العسكري الذي يضمّ حوالي 7000 مقاتل إلى الجيش الوطني السوري، الذي يضم بدوره سبعة فيالق، فإنه سيصبح نواة الفيلق الثامن الجديد. كما تقول الدراسة. وبعدها سيحتاج التحالف الأمريكي التركي إلى إيجاد شريك كردي في الحسكة تثق به كل من أنقرة والسكان الأكراد المحليين، مثل المجلس الكردي السوري ENKS وجناحه العسكري، بيشمركة روج آفا، فإنه يستوفي هذه المعايير وهو جزء من “الائتلاف السوري المعارض”. وفي المقابل سيسود النفوذ التركي بدلًًا من النفوذ الكردي، وسترتاح أنقرة من “خطر” قسد الإنفصالية.
الأمريكي يقلّم أظافر الأكراد
تكمن خطورة التقسيم وإنشاء إقليم مستقل بعد السيطرة على شرق الفرات، أنه يمكن أن يمتدّ من غرب الفرات إلى الموصل، وسيؤدي إلى السيطرة على الحدود بين سوريا والعراق. هذه المنطقة التي تجمع داعش وقسد والعشائر والجيش الوطني المدعوم تركيًا، من المفترض بحسب الخطة أن تديرها العشائر العربية التي تملك السعودية أيضًا عليها نفوذًا واسعًا. وبالطبع إن الولايات المتحدة المشغولة في مستنقعاتها في أوروبا وإفريقيا والصين ستخوض معركتها هذه من خلال الوكلاء. فهي لن تقوم إلا بالتخطيط لإقليم مفخخ داخليًا حتى تبقي على نفوذها من خلال إدارة النزاعات.