الاستخبارات المركزية الأميركية توسع جهودها في تدريب الثوار السوريين المعتدلين
دربت نحو ألف هذا العام.. ومن المتوقع أن يفرز برنامجها مئات المقاتلين كل شهر
واشنطن: غريغ ميلر *
توسع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جهودا سرية ترمي لتدريب مقاتلي المعارضة في سوريا وسط مخاوف من أن تخسر الميليشيات المعتدلة المدعومة من الولايات المتحدة بسرعة قاعدتها في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا، بحسب مسؤولين أميركيين. غير أن برنامج الوكالة صغير جدا إلى حد أنه من المتوقع ألا يفرز سوى بضع مئات من المقاتلين المدربين كل شهر حتى وإن تضخم حجمه، وهو مستوى أشار مسؤولون إلى أنه لن يفيد كثيرا في تعزيز قوات الثوار التي يتفوق عليها الإسلاميون المتطرفون في المعركة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
وأشار مسؤولون إلى أن مهمة الوكالة قد حددتها رغبة البيت الأبيض في البحث عن تسوية سياسية، وهو سيناريو يعتمد على جمود حتمي بين الفرق المتناحرة بدلا من فائز واضح. ونتيجة لذلك، بحسب مسؤولين، فإن القيود على سلطات الوكالة تمكنها من توفير الدعم الكافي للمساعدة في ضمان أن الميليشيات المعتدلة سياسيا المدعومة من الولايات المتحدة لا تتكبد خسائر، ولكن ذلك لا يكفي بالنسبة لهم للفوز.
وأشار المسؤولون، الذين تحدثوا مشترطين عدم الكشف عن هويتهم، إلى أن الوكالة قد بعثت فرقا شبه عسكرية إضافية إلى قواعد سرية في الأردن خلال الأسابيع الأخيرة سعيا لمضاعفة عدد المقاتلين الثوار الذين يتلقون توجيهات وأسلحة من الوكالة قبل أن يعاد إرسالهم إلى سوريا.
وقد دربت الوكالة عددا يقل عن 1000 مقاتل من الثوار هذا العام، وفقا لمسؤولين أميركيين حاليين وسابقين. بالمقارنة، تشير تقديرات محللين استخباراتيين أميركيين إلى أنه قد تم تدريب أكثر من 20 ألف مقاتل للقتال لحساب ميليشيات مدعومة من النظام من جانب إيران حليف الأسد وشبكة حزب الله المسلحة التي ترعاها.
ووصف جهد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأنه محاولة ماسة لتعزيز الميليشيات السورية المعتدلة، التي كانت عاجزة عن أن تمثل تحديا خطيرا للأسد أو أن تتوافق مع القوة المتنامية لفصائل الثوار المتنافسة التي لها أجندات إسلامية متشددة وفي بعض الحالات، ترتبط بشبكة تنظيم القاعدة الإرهابية.
إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية «تكثف وتوسع نطاق جهودها»، بحسب مسؤول أميركي مطلع على العمليات في سوريا، لأنه «كان واضحا أن المعارضة تتكبد خسائر، ليس فقط على المستوى التكتيكي، بل أيضا على مستوى استراتيجي أكبر». ومن جهتها رفضت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التعليق.
جاءت آخر انتكاسة الشهر الماضي، حينما أعلن 11 من أكبر الفصائل المسلحة في سوريا، من بينهم بعض الفصائل المدعومة من الولايات المتحدة، عن تشكيل ائتلاف يرمي إلى إقامة دولة إسلامية. ويقود الائتلاف «جبهة النصرة»، وهي جماعة أقسمت يمين الولاء لقيادة تنظيم القاعدة في باكستان.
تقدم مواصفات برنامج تدريب خاص بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أكثر الروايات المفصلة عن الأبعاد المحدودة والأهداف المخيفة لعملية للوكالة صدق عليها الرئيس أوباما سرا من خلال إجراء سري وقع عليه هذا العام.
وأشار مسؤولون أميركيون إلى أن البرنامج السري كان محكوما بقيود على مصادر الوكالة، وبرفض المقاتلين الثوار مغادرة سوريا للحصول على توجيه من الولايات المتحدة وقيود الأردن على الوجود شبه العسكري للوكالة هناك. غير أن النطاق المحدود يعكس أيضا توترا أعمق في استراتيجية إدارة أوباما بشأن سوريا، والتي سعت من خلالها لتحقيق مصالح الولايات المتحدة مع تجنب الانجراف بشكل أكثر عمقا إلى نزاع تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنه قد أودى بحياة أكثر من 100 ألف شخص منذ بدايته في عام 2011.
وأصبحت القيود مصدر إحباط داخل الوكالة ولقيت انتقادات من مشرعين رفيعي المستوى بالكونغرس.
أشار مايك روجرز (الجمهوري عن ولاية ميتشيغان) والذي يرأس لجنة استخبارات مجلس النواب ويلتقي بشكل متكرر مسؤولين رفيعي المستوى من وكالة الاستخبارات المركزية وغيرها من الوكالات الأخرى، إلى أن هناك «درجة عالية من الإحباط في القسم التنفيذي» بشأن استراتيجية سوريا.
وقال روجرز إن «الموقف في سوريا يتغير بدرجة تفوق المعدل الذي تستطيع الإدارة التكيف معه». ورفض مناقشة عمليات الوكالة، التي تعتبر سرية، ولكنه أشار إلى أن الدعم الأميركي لجماعات المعارضة السرية «غير قوي» وقد عرقله «توزيع المصادر بشكل غير متوافق مع الأهداف المعلنة».
وأعرب خبراء الوكالة عن تشككهم في أن التدريب وتوصيل الأسلحة سيكون لهما أي تأثير هادف. وفي الأردن، أبدى المشاركون في تدريب وتسليح الثوار أسفهم على أنه «طلب منهم فعل شيء من لا شيء»، حسب ما أشار إليه مسؤول استخباراتي أميركي رفيع المستوى. يذكر أن المسؤول السابق تحدث مشترطا عدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية عمليات الوكالة بالخارج.
كما شكك البعض أيضا في الحكمة من توسيع نطاق مهمة الوكالة في وقت يعتقد فيه كثيرون أن الوكالة قد باتت شبه عسكرية بشكل مبالغ فيه في تركيزها وينبغي أن تعود إلى دورها التقليدي في جمع المعلومات.
ويتركز جهد التدريب الخاص بالوكالة في الأردن، بينما تملك وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية اتصالات طويلة المدى بوكالة الاستخبارات المحلية وإمكانية وصول للقواعد الخاضعة لحراسة الجيش الأردني.
ويهدف البرنامج إلى تعزيز القوة القتالية للوحدات المنحازة إلى المجلس العسكري الأعلى، وهو هيئة أم يقودها لواء سوري سابق وتعتبر المتلقي الأساسي للدعم الأميركي.
تقود التدريب فرق صغيرة من العملاء من قسم الأنشطة الخاصة، وهو فرع شبه عسكري يعتمد بكثافة على المتعهدين والأعضاء السابقين بقوات العمليات الخاصة الأميركية. وأشار مسؤولون إلى أن عملية توجيه التعليمات أولية، وتمتد من أربعة إلى ستة أسابيع.
وقال المسؤول الاستخباراتي الأميركي السابق: «إنه تدريب أساسي للمشاة في ما يتعلق بكيفية اتباع نظام في ضرب هدف وكيفية إعادة شحن مخزن بندقية وكيفية تنظيف غرفة. إنهم لا يشاركون في مسيرات عسكرية، بل يتعلمون إجراءات أساسية خاصة بالمشاة».
وأشار مسؤولون إلى أن جهود التدريب الأساسية للوكالة لا تشمل توجيهات بشأن استخدام أسلحة عالية القوة مثل الصواريخ والذخائر المضادة للدبابات، والتي تزود بها دول مثل قطر والسعودية، مع أن الوكالة تشارك في تعقب تدفقات الأسلحة وفحص المتلقين.
ويبلغ عدد المقاتلين في سوريا قرابة 100 ألف مقاتل، وأشار مسؤولون استخباراتيون أميركيون إلى أن 20 ألفا من هؤلاء يعتبرون «متطرفين» يحملون أجندات إسلامية متطرفة. واستنزفت تلك الفرق المتشددة الزخم والدعم من مجموعات الثوار المعتدلة. وتضم أبرز جماعتين إسلاميتين، وهما «الدولة الإسلامية في العراق والشام» و«جبهة النصرة»، مقاتلين لديهم خبرة مكثفة من الحرب في العراق وتربطهم صلات بتنظيم القاعدة وشنوا هجمات بارزة ضد نظام الأسد.
وأشار النائب السابق لمدير وكالة الاستخبارات المركزية، مايكل موريل، في مقابلة أجراها أخيرا مع محطة «سي بي إس»، إلى أن أكثر الجماعات فاعلية على ساحة المعركة في سوريا هي الفصائل المتطرفة. وقال: «ونظرا لأنهم على درجة عالية من البراعة في قتال السوريين، فإن بعض الأعضاء المعتدلين بالمعارضة انضموا إليهم».
وقد أضيف إلى تلك الانشقاقات الشك المتنامي في التزام ونيات الولايات المتحدة، بحسب مسؤولين.
تم رفض مطالب الثوار بالحصول على أسلحة حتى مطلع هذا العام، حينما سمح أوباما للوكالة بالبدء في الإمداد بالأسلحة. لكن حتى حينها، بحسب مسؤولين، تم تأجيل تسليم الأسلحة لعدة أشهر وقصره على الأسلحة الخفيفة، التي تكون متوفرة بالفعل في النزاع.
علاوة على ذلك، فقد أصاب الثوار الغضب من قرار الولايات المتحدة بعدم توجيه هجمات صاروخية ضد الأسد بعد اتهامه باستخدام أسلحة كيماوية في قتل أكثر من 1000 شخص في أغسطس (آب) في هجوم على أطراف دمشق. فبعد توجيهها تهديدا أوليا بشن هجمات، نحت إدارة أوباما تلك التهديدات جانبا الشهر الماضي سعيا لإتمام اتفاق محتمل مع روسيا، والذي بموجبه سيتخلى الأسد عن سيطرته على مخزون الأسلحة الكيماوية – وربما يحكم قبضته على السلطة.
* شارك في كتابة هذا التقرير إرنستو لوندونيو من واشنطن وتيلورلاك من إربد وعمان بالأردن.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»