الاتحاد الأوروبيّ آخر الكيّ اللبنانيّ
جريدة البناء اللبنانية-
د.وفيق إبراهيم:
وأخيراً مندوب الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل في بيروت يتأبط ملفاً مزدوج المهمة، يعكس الأوضاع اللبنانية بدقة، فمقابل الانسداد السياسيّ الكامل بين أركان السلطة اللبنانيّة تلوح في الأفق القريب عقوبات قاسية قد تعيد المتمردين الى رشدهم وتلزمهم بما يريده الاتحاد الأوروبي او ما يشابهه.
لم يأتِ اذاً بوريل ليضيف رقماً الى مسلسل زوار جالوا في بيروت من دون أية فائدة تُذكر وعادوا الى بلدانهم بخفّي حنين.
فهل هناك حديث نهاري جديد اليوم يجعل الاتحاد الأوروبي يتخلى عن هدوئه وينزل الى الميدان بعقليته المصرّة على حل نهائي.
وباعتبار أن للأمر اسبابه يكفي ان انسداداً كامل الاوصاف يكاد يطيح بالعروض الواردة من رئيس الجمهورية ميشال عون واقتراحات تحدٍ من الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري من دون نسيان عروض رئيس مجلس النواب نبيه بري، هذا بالاضافة الى أدوار ثانوية لإيلي الفرزلي مع دعم من سمير جعجع وسامي الجميل وآخرين.
كل أفرقاء السياسة الداخلية هنا اعتقد ان رؤوس أصابعه تحمل الترياق الموصول الى الحل الى أن تبين أن الأصابع ملغومة ولا تحمل الا الى عروض تميل لأصحابها.
بداية على الجميع طرح التساؤل التالي: متى ابتدأ بوريل يقتحم الساحة اللبنانية بقلب أسد لا يهاب؟
ابتدأ بهذا الاقتحام بعد الانسداد الكامل الذي جعل كامل أقطاب البلاد يحملون ملفات للحل لا ترضى بها بقية القيادات السياسية.
كما أن الحلول عادت إلى نقاط أساسيّة وهي أن القيادات المحليّة لم تعد مستعدّة حتى لقراءة حلول القيادات الأخرى وتقدّمت بحلول تعكس آراء طوائفها من جهة وأولوية أدوارها من جهة ثانية.
علماً أن مثل هذا الحوار المقفل بين القيادات اللبنانية لا يعني إلا أن الانفجار السياسي أصبح قرب الأبواب.
لقد وجد السيد بوريل أن أبواب السياسيين اللبنانيين مغلقة بإمعان وتفاجأ بميل قوى الإفتاء والإكليروس المحليين الى المناوشة للدفاع عن قيادات لهم فيهم صلة، فالمفتي دريان يريد التجديد للشيخ سعد من دون أي تبرير يذكر كما أن البطريرك الراعي يُصرّ على لبنان نموذج 1920 الخاص بالانتداب الفرنسي من دون تأمين ظروفه المطلوبة ولو بحدها الأدنى، اما الكهنوت الإفتائي الشيعي فيعتصم بصمت لانتفاء حاجة الشيعية السياسية اليه، يكفي أن حزب الله الذي يشكل جزءاً قوياً من هذا التراث يعتبر واحداً من أقوى التنظيمات الممثلة للمحور السوري الإيراني مقابل المحور السعودي الإماراتي.
لبنان اذاً مهدّد بالتدحرج نحو المحور السوري الايراني، فإذا ما ربطنا هذا التدحرج بالإقفال التام لعروض الحل المختلفة التي تقدّم بها أركان الصيغ اللبنانية السياسية المحلية. واذا ما ربطنا إعلان الاستعداد بتقديم غاز ومازوت ومواد أخرى للبنان، فإن جميع الاطراف تعي خطورة المرحلة وأن لبنان اصبح بالتالي حاجة ماسة لأنواع المواد الغذائية والدواء والمازوت والبنزين والرواتب المتدهورة وهذا يعني كل شيء تقريباً. لقد وصل الأمر ان الاتحاد الاوروبي يحضر عقوبات قاسية على الشخصيات اللبنانية المتمردة، لكن هذه المعادلة استولدت صراعاً حاداً بين الغرب الاوروبي المعتاد على تصدير ما يحتاجه لبنان وبين محور إيراني وربما روسي اعلن عن استعداده للبدء بتزويد كامل الموارد النفطية والغذائية المطلوبة وصولاً الى إبداء الرغبة بتزويد لبنان بالسلاح المطلوب للجيش اللبناني.
وهذا ما دفع بالعماد جوزاف عون قائد الجيش الى إطلاق صرخات غاضبة للمحافظة على غربية السلاح اللبناني ومحاولات تأمين رواتب كافية تغطي المكسور. وهذا أمر يثير الكثير من الضحك، فالمعروف ان تدهور الرواتب اصاب اصحابها في كل المواقع والمراكز وهؤلاء معنيون مثل مواقع الجيش.
هذا بالإضافة الى ان الشرطة اللبنانية وأجهزة الأمن العام تشكل جزءاً اساسياً من الأجهزة الأمنية اللبنانية ويصيبها في العادة مثل ما أصاب رواتب الجيش فلماذا هذا التمييز؟
علماً أن التدهور يشمل الفريقين ولا بأس من إطلاق تنبيه صغير وهو ان الجيش اللبناني المحسوب معنوياً وتاريخياً على الطائفة المارونية قد جرى إيجاد معادل نسبي معه وذلك بإيلاء قوى الامن الداخلي الى قيادات سنية وكلك بالنسبة لقيادة الأمن العام التي اصبحت اداة اساسية لحركة الواسطات والاتصالات التي يقوم بها الرئيس بري.
فهل يعثر بوريل على المفقود؟ يعتقد الخبراء أن الكي آخر الدواء وهذا يعني ان بوريل يتدحرج نحو أسلوب كي من شأنه وقف الازمة اللبنانية عند تخوم الانفجار، وإعادتها الى حدود الأزمة السياسية القابلة لمفاوضات سياسية تعيد تركيز الصيغة اللبنانية في إطارها المقبول.
فهل يذهب بوريل نحو إيقاع عقوبات على شخصيات سياسية لبنانية من تلك الفئات التي لا تزال تعتقد بقدرتها على المجابهة؟
أم تنكفئ السياسة اللبنانية أمامه وتستسلم.
المرجح هنا هو الاستسلام لأنها شخصيات سياسية لا قوة عميقة لها داخل المجتمع اللبناني.
هناك اذاً صراع حاد بين إيقاع عقوبات اوروبية او قبول لبناني بتمرير الطلبات الاوروبية، كيفما اتفق او العثور على تسوية تضم مختلف الاطراف اللبنانية. فإلي اين يصل بوريل، يصل عند الحد الذي يمنع فيه النفوذ السوري من السيطرة على لبنان او اقله ايجاد تسوية ليس للسوريين او الإيرانيين فيها الحصة الأساسية.