الإنتخابات النصفية: معظم الأمريكيين يرفضون ترامب.. وفوز الديمقراطيين مرهون بالإقبال الكبير
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج:
مع أنه قد يكون من المبكر الحديث عن التوقعات بشأن النتائج او النسب التي قد يحصل عليها كل من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الانتخابات التشريعية النصفية التي ستجري بعد حوالي الشهرين، إلا أنه عند التدقيق في المشهد السياسي القائم في الولايات المتحدة، نجد ان هناك عدة تطورات وأحداث وقعت في الايام الاخيرة، اعطت دفعا للديمقراطيين، وحسّنت صورة أدائهم لدى الرأي العام الامريكي على حساب الجمهوريين، وفي مقدمتها توقيع الرئيس جو بايدن لـ” قانون خفض التضخم” ـــ الذي يرصد 430 مليارا لخطته الضخمة للمناخ والصحة، والتي وصفها البيت الأبيض بأنها أكبر التزام بالحد من التغير المناخي في تاريخ الولايات المتحدة ـــ إضافة الى مخالفات وارتكابات الرئيس السابق دونالد ترامب التي لا تعد ولا تحصى.
ما هي أوضاع الديمقراطيين على الصعيد الانتخابي؟
فجأة، تبدو الانتخابات النصفية لعام 2022 أفضل بكثير للديمقراطيين. ففي الأيام القليلة الماضية، حدثت ظاهرة تاريخية غير معهودة، إذ انه لأول مرة في العصر الحديث، تحول الزخم الانتخابي نحو حزب الرئيس الحالي في هذه المرحلة من عام انتخابات التجديد النصفي.
وتبعا لذلك، حصل الديمقراطيون للتو على ميزة صغيرة (0.5 نقطة مئوية) على حساب خصومهم الجمهوريين في ما يعرف باسم “الاقتراع العام”، أي عندما يسأل الناخبون عن مرشح الحزب الذي سيدعمونه في الكونغرس. علما انه في وقت سابق من هذا العام، كان الديمقراطيون قد تخلفوا بما يصل إلى 2.7 نقطة، وفقا للموقع السياسي FiveThirtyEight (هو موقع أمريكي يركز على تحليل استطلاعات الرأي والسياسة والاقتصاد والمدونات الرياضية بالشراكة مع محطة abc الاخبارية).
علاوة على ذلك قام “مايكل بودهورزر”، المدير السياسي السابق لـ AFL-CIO، (الاتحاد الأمريكي للعمل وكونغرس المنظمات الصناعية، هو أكبر اتحاد للنقابات في الولايات المتحدة، حيث ركزّ جهوده السياسية في السنوات الأخيرة، على الانتخابات والتصويت) بتحليل ارقام الاحصاءات ومراكز الاستطلاع، ووجد أنه بالعودة إلى ربع قرن، كان موقف حزب الرئيس الحالي، يتدهور في هذه المرحلة بشكل دائم تقريبا (كان الاستثناء الوحيد هو عام 2018، عندما كان أداء الجمهوريين سيئا طوال العام).
ماذا تقول استطلاعات الرأي عن أحوال الناخبين الديمقراطيين حاليا؟
في الحقيقة، ان ما حدث في الفترة الاخيرة كان مفاجئا للمراقبين، حيث اظهرت استطلاعات الرأي أن “حماسة” الناخبين الديمقراطيين قد فاقت حتى في الأسابيع الأخيرة، بمستويات الجمهوريين، مما ساهم بسدّ الفجوة السابقة التي كان يقع بها الديمقراطيون مع كل انتخابات نصفية. الاكثر أهمية هنا،ان منظمي هذه الاستطلاعات دعّموا بياناتهم بأدلة واقعية ثلاثة:
أولها: ارتفاع نسبة المشاركة الديمقراطية في الانتخابات التمهيدية المتنازع عليها.
ثانيها: رفض غير متوازن لإجراء مناهض للإجهاض في كنساس.
ثالثها: التفوق الدراماتيكي للمرشحين الديمقراطيين على أداء جو بايدن لعام 2020 في الانتخابات الخاصة الأخيرة في مينيسوتا ونبراسكا.
بالمقابل، فإن الجمهوريين، وفي محاولة لكبح جماح الحزب الديمقراطي المتصاعد، سيلجأون حتما، الى أسلوب التشكيك والتقليل من أهمية نجاحات الديمقراطيين الاخيرة، وذلك عبر إطلاقهم لبعض المحاذير التي اعتادوا بثها للرأي العام في كل انتخابات نصفية، كالقول ان هذه مجرد لحظة انتخابية قد تم التقاطها في الوقت المناسب، ويمكن أن تتغير الأمور، او اعتبارهم انه لا يزال من المرجح أن يخسر الديمقراطيون مجلس النواب، او بث الامل، عبر الترويج ان وابلا من الإنفاق المالي من الحزب الجمهوري قادم.
ما هي اسباب هذا الانتعاش الديموقراطي؟
على بعد 84 يومًا من الانتخابات، يبدو أن الموجة الحمراء الكبيرة التي يعول عليها الجمهوريون، لن تسحب الديمقراطيين الى القعر كما يتوهمون، بل انها ستكون أكثر تموجًا واقل فاعلية، لأن الناخبين الامريكيين بشكل عام، يتلقون تنبيهات متكررة عن عهد ترامب الكارثي تذكرهم بافعاله الهوجاء، بما جعلهم غير راضين عن تلك الحقبة. وما يزيد الطين بِلة هو الاخطاء الكبيرة وربما القاتلة الى وقع بها الجمهوريون مؤخرا، واستغلها الحزب الديمقراطي احسن استغلال، وهي تتثمل بالاتي:
1 ــ ردة الفعل الهستيرية للمشرعين والمرشحين الجمهوريين ـــ ومعهم غرفة التحريض التابعة لهم في محطة فوكس نيوز ـــ على تفتيش “مارألاغو” الذي أمرت به المحكمة، والتفافهم مرة أخرى حول الرئيس السابق، بالرغم من تجريمه وفقا للقوانين الامريكية.
2 ــ حديثهم العنيف (متبوعا بالتهديدات والعنف الفعلي)، وهجماتهم على وكالات إنفاذ القانون (“تدمير مكتب التحقيقات الفيدرالي)، وترويجهم لنظريات المؤامرة الخاصة بهم ( مثل زرع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأدلة؟) ودفاعهم غير المبرر امام الرأي العام الامريكي عما لا يمكن الدفاع عنه (ربما سرقة الأسرار النووية) وكل ذلك في سبيل التمهيد لعودة رئاسة ترامب، في سيناريو أعاد الاميركيين بالذاكرة الى المخالفات نفسها التي أقدم عليها المسؤولون الجمهوريون عندما وُوجِهوا بالحقائق الدامغة، من قبل لجنة 6 كانون الثاني/ يناير.
3 ــ هيمنة المرشحين المتطرفين ـ بعضهم له صلات بالعناصر المتطرفة الخطيرة التي قامت بأحداث 6 كانون الثاني/ يناير ـ على الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، حيث أصبح العشرات من رافضي الانتخابات، مرشحين من الحزب الجمهوري لمنصب حاكم او مشرّع، وغيرهما من المناصب.
4 ــ نفي القلة القليلة من المشرعين الجمهوريين من رواة الحقيقة فيما يتعلق باحداث 6 كانون الثاني/ يناير. فمع هزيمة النائبة ليز تشيني امام منافستها الجمهورية في ولاية وايومنغ، سيغادر ثمانية من أصل 10 جمهوريين صوتوا لصالح عزل ترامب، الكونغرس.
5 ــ إلغاء المحكمة العليا لقضية رو ضد واد (اي الإجهاض)، والذي تحقق بفضل ثلاثة قضاة من المعينين من قبل ترامب، أخذ حقا أساسيا من الأمريكيين الذين يؤيدون الإجهاض. ثم جاءت المحظورات التي وصفها الأمريكيون بالمتطرفة ـ حظر الإجهاض دون استثناء للاغتصاب أو سفاح القربى أو صحة الأم ـ بمثابة الصاعقة التي نزلت على رؤوس الامريكيين الداعين الى الإباحية والإجهاض.
وبناء على ما تقدم، يشير المحلل نيت سيلفر من FiveThirtyEight ، إلى الاحتمال المتزايد بأن الديمقراطيين يمكن أن يتحدوا الأنماط التاريخية، متسائلا “هل ستكون هذه انتخابات نجمية؟” ولكن ما يلبث ان يستطرد ويقول: من الممكن أيضا أن تكون الاستثناءات من النمط التاريخي هي الآن القاعدة.
كيف كان الاقبال على الانتخابات النصفية تاريخيا؟
تاريخياً، كانت انتخابات التجديد النصفي من الاستحقاقات المهمة ذات الإقبال المنخفض، والتي تحددها الاختلافات في الحماس الحزبي. على الدوام كان الناخبون المؤيدون للحزب الذي فاز بالرئاسة، يميلون إلى البقاء في منازلهم. في حين أن ناخبي الحزب المعارض، عادة ما يكونون غاضبين ومتحفزين. (يتأرجح عدد قليل جدًا من الناخبين من حزب إلى آخر). على مدى عقود ، تراوحت نسبة المشاركة من 37 بالمائة إلى 42 بالمائة.
لكن حقبة ترامب فجرت النماذج القديمة، ففي انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، ارتفعت نسبة الإقبال إلى 50 بالمائة، كما حطم الإقبال مرة أخرى الأرقام القياسية في عام 2020.
أكثر من ذلك، يميل الديمقراطيون إلى الفوز في الانتخابات ذات الإقبال الكبير لأن معظم الأمريكيين يرفضون ترامب. كان هناك 3 ملايين صوت إضافي لهيلاري كلينتون في عام 2016، و 9 ملايين صوت إضافي للديمقراطيين في مجلس النواب في عام 2018 و 7 ملايين صوت إضافي لبايدن في عام 2020.
تدل المؤشرات على امكانية حصول نسبة إقبال عالية على التصويت هذه الانتخابات. في الواقع كان الناخبون الجمهوريون متحمسين بشراسة للتصويت، قبل عملية البحث في “مارألاغو”. الآن ، يبدو أن الناخبين الديمقراطيين (الذين شعر الكثير منهم بالإحباط بسبب عدم مساءلة ترامب على الرغم مما كشفت عنه لجنة 6 يناير) يضاهونهم شغفًا لاسقاط الجمهوريين وكل ما له علاقة بالترامبية.
في المحصلة، وللمساعدة في توضيح الصورة، نكتفي بما كتبه في أوائل شباط/ فبراير الماضي “بودهورزر، المدير السياسي السابق لـ AFL-CIO: “الذي قال عندما يعتقد الناخبون أن الانتخابات “تتعلق” بترامب، ترتفع نسبة الإقبال ـ ولكن بين خصومه أكثر من مؤيديه. وهذا بالضبط ما يبدو أنه سيحدث مستقبلا .