الإنتخابات النصفية الأميركية: إرتفاع حظوظ ترامب
موقع العهد الإخباري-
عبير بسّام:
في ظل السعي الحثيث بين الجمهوريين والديمقراطيين نحو الانتخابات النصفية في الولايات المتحدة اتضح أن هناك قلقًا كبيرًا لدى الديمقراطيين من خسارة المعركة. فلنكن واقعيين، لقد خسر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المعركة الانتخابية بسبب أمرين استجدا، ففشل في إدارة أزمتهما؛ الأول، جائحة كورونا والتي أربكت العالم وتسببت في ضرب اقتصادياته، والثانية، حادثة جورج فلويد المؤسفة، والتي تعامل معها ترامب بعنجهية وغرور وغباء مطبق. ولكن يبدو اليوم أن الرجل استعاد الثقة بين محازبيه الذين ما يزالون يعتقدون أن الانتخابات تم تزويرها وكانت السبب في خسارته.
السببان السابقان كانا بنيان حملة جو بايدن الانتخابية، فخسر ترامب انتخابات 2021، اذ استطاع بايدن تجييش من هم من غير البيض لصالحه ودفعهم للتصويت ضده. ليس الأمر دفاعًا عن رجل المال الذي تعدى على الحياة السياسية في أميركا، ولكنه في الحقيقة محاولة توصيف كي نفهم ما حدث دون مواربة أو دون تدخل من العواطف، والتي تتملكنا بناء على مواقفه المتعلقة بالقضية الفلسطينية والقدس والجولان المحتل.
بدأ ظهور ترامب كرجل عنصري، بحسب قراءة النتائج، نتيجة “مؤامرة” أو “غباء” الطاقم الذي يقدم الاستشارة. وقد انقلبوا عليه في نهاية الأمر، ومنهم نائبه ووزير دفاعه وغيرهما. وقضى ذلك على فرصه بالوصول للبيت الأبيض لجولة ثانية. فمن أشار عليه بالتوجه نحو كنيسة القديس يوحنا ورفع الكتاب المقدس فيها، والتي كانت قد طالتها أعمال التخريب في الليلة السابقة في حزيران 2020، ومنعت يومها شرطة واشنطن المتظاهرين من الوصول إلى الكنيسة، وأبقتهم على مسافة منها خلف ساحة “لافاييت” المقابلة، مما تسبب بغضب المتظاهرين الشديد؟ فلو كان لدى ترامب ثقافة في السياسة، لكان راجع موقف كنيدي وتعامل مع المتظاهرين بطريقة مختلفة، ولكان كسب بذلك أصوات المقترعين من غير الأنغلوساكسون البيض.
كان الموقف محرجًا وأظهر مدى تكبر ترامب، في وقت يحتاج فيه الشعب الأميركي وخاصة السود للتعاطف معهم بسبب قضية فلويد والقضايا الأخرى التي أظهرت آنذاك مدى المخالفات القانونية والعنصرية التي ترتكبها الشرطة الأميركية ضد السود. لو كان لدى ترامب يومها طاقم استشاري مخلص لطلبوا منه التواضع والتحدث مع المتظاهرين كما تحدث الرئيس جون كنيدي في الستينيات مخاطبًا الدكتور مارتن لوثر كنغ، زعيم حركة تحرر السود آنذاك، عندما رفع صوته وقال مخاطبًا “لدي حلم بأن تكون أميركا حرة وخالية من العنصرية”، فأجابه كنيدي: “وأنا أيضًا لدي حلم”. جواب أغضب إدغار هوفر، رئيس المباحث الفيدرالية حينها، وأخاف الكثيرين من أن يأخذ كنيدي أميركا إلى مكان مختلف تضعف فيه القوة البيضاء الإنجيلية، وهي واحدة من أسباب اغتيال كنيدي.
تمادى ترامب بعطاءاته للصهيونية في فلسطين، اذ راهن على دعم اللوبي الصهيوني للفوز بالانتخابات، فاعترف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، و”حقها” في ضم الجولان المحتل، وكان على بعد خطوة من الموافقة على ضم وادي عربة في الأردن. كما شهدنا في نهاية عهده توقيع معاهدة أبراهام للتطبيع مع كل من الإمارات والبحرين. ولكن بعد خسارته لام ترامب في إحدى تغريداته اليهود في أميركا لأنهم لم يكونوا إلى جانبه في الانتخابات كما توقع.
ترامب كما الجمهوريين لم يكونوا قادرين على فهم أن “إسرائيل” بات ينظر إليها كـ”دولة” فصل عنصري.
عام 2006، فجر كتاب صدر للرئيس السابق جيمي كارتر، بعنوان “اتفاقيات سلام وليس فصلًا عنصريًا”، جدلًا كبيرًا وتعرض إلى الكثير من الهجوم ضده. ولكن الهجوم سلاح ذو وجهين. لقد فتح الكتاب الباب واسعًا أمام قراءة ما يحدث في فلسطين والممارسات الشنيعة التي يمارسها الاحتلال الصهيوني. والأمر الثاني، الذي أهمله مستشارو ترامب، والذي تحدثنا عنه سابقًا حول الحملات التي يشنها طلاب الجامعات الأميركية رفضًا لممارسات “اسرائيل” العنصرية ضد الفلسطينيين، حملات انضم اليها الكثير من الطلاب اليهود واليهود الأميركيين المعادين لمبدأ وجود كيان “اسرائيل”. ما يزال اللوبي الصهيوني من اللوبيات الفاعلة في الولايات المتحدة، إلا أنه لم يكن قادرًا على إنقاذ ترامب العنصري.
على المقلب الآخر، ابتدأ ترامب بعد أن لملم شتاته بالحملات ضد بايدن والديمقراطيين تحضيرًا للانتخابات النصفية في تشرين الثاني. كان لترامب تصريح ملفت ولماح حول ما إذا كان سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2024، وقال إن الانتخابات النصفية في 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2022، هي ما سيقرر إذا ما كان سيترشح أم لا. ويبدو أنه حتى اليوم لا يوجد لدى الحزب الجمهوري “العريق” أي بديل عن ترامب.
ولكن مما يبدو من ردات فعل محازبي ترامب، أن الرجل ما يزال يتمتع بجماهيرية كبيرة، وهذا ما أظهره استطلاع للرأي في سياتل، قامت به محطة الـ CNN، حيث ظهر أن مناصريه لا يصدقون أبدًا أن لترامب أي علاقة بالهجوم الذي شهده الكونغرس في 6 كانون الثاني من العام 2021. ويبدو أن ترامب اليوم أكثر ارتياحًا، ولا سيما وهو يراقب تلبكات الجمهوريين وإخفاقات بايدن خلال النصف الأول من الفترة الرئاسية الحالية، وذلك بحسب مراقبين سياسيين.
في الحقيقة، التركيز على ما جاء في الـ CNN ليس اعتباطيًا، فهو تركيزٌ يعتمد على إحدى أهم المحطات والمواقع الإخبارية المعروفة بتوجهها الديمقراطي، وبمعاداة ترامب ولو إخباريًا. فبعد فترة من السبات قضاها ترامب في ظل غيوم حجب الثقة التي كان من الممكن أن تنهي مستقبله السياسي بعد أحداث 6 كانون الثاني/ يناير، تغير وضع الرجل، وبات يحيط نفسه بعدد من المستشارين الهامين. والتأييد الذي حظي به في ولاية أوهايو وغيرها من الولايات الداعمة له، يعتبر بمثابة استطلاع. واستطاع منذ آذار الماضي وحتى اليوم جمع 100 مليون دولار نقدًا. حتى أن بعض المتبرعين من متلقي الرسائل أقنع اللجنة الوطنية الجمهورية بتغطية جزء من مشاريع ترامب القانونية الشخصية. واليوم تبدو الحملة الانتخابية التي تقودها سوزي ويلس أكثر تنظيمًا.
اليوم، يتم إطلاع ترامب بشكل دوري على أحدث استطلاعات الرأي والبحوث الميدانية بين مؤيدي الجمهوريين. وقال حلفاء ترامب في جورجيا، إنهم يعتقدون أن الرئيس السابق سيكون له تأثير إيجابي في مجلس الشيوخ. وهناك ثلاثة من أعضاء مجلس النواب الجمهوريين الذين صوتوا لعزل ترامب في كانون الثاني الماضي لن يترشحوا مرة أخرى في تشرين الثاني/ نوفمبر، وأربعة من الأعضاء يواجهون خصومًا مدعومين من ترامب، وثلاثة يتابعون مساعيهم. وأحد هؤلاء الجمهوريين الذين يواجهون تهديدًا حقيقيًا هي ليز تشيني، ابنة ديك تشيني، عن ولاية وايومنغ. وبحسب crosscut.com فإن استطلاعات الرأي تظهر زيادة في أعداد الجمهوريين في واشنطن مما سيسد الفجوة مع الديمقراطيين ويشير إلى مشهد سياسي مختلف تمامًا في الانتخابات النصفية.
لنتذكر، ترامب هو من أخرج أميركا من جميع الاتفاقيات الاقتصادية التي عقدها باراك أوباما، وحتى من الاتفاق النووي مع إيران. ونبه ترامب إلى خطورة صعود الصين الاقتصادي والتكنولوجي والعسكري في العالم، واعتبرها أحد الأعداء الذين على الولايات المتحدة حساب الخطوات التالية معها. وما يفعله بايدن اليوم هو استكمال لما بدأه ترامب. ولكن ترامب لم يذهب إلى الحرب مع روسيا، لقد كان كرجل مال أكثر تحسبًا حين الذهاب إلى الخيارات العسكرية، وإن كان قد أعطى الأمر باغتيال قائد قوة القدس اللواء الشهيد قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشهيد أبو مهدي المهندس، إلّا أنه اعترف لاحقًا بأن “اسرائيل” قد احتالت عليه ليقدم على هذه الخطوة. في هذا الوقت، يدخل بايدن اليوم أزمات لا بد سيخرج منها خاسرًا مع روسيا في أوكرانيا، وبدأ بالحشد العسكري في المحيط الهادئ وبحر الصين، وأعطى الضوء الأخضر منذ يومين تقريبًا للكيان الاسرائيلي لضرب إيران إذا أراد.
يواجه بايدن اليوم حائطًا صلبًا، لأنه كما قال مايكل سبرينغمان، الدبلوماسي المتقاعد السابق في حكومة بوش: “سبب وقوع بايدن في هذه المطبات هو انخفاض أسهمه في استطلاعات الرأي، ولأنه بنى قرراته في السياسة الخارجية بناء على رأي المتعصبين من أمثال فيكتوريا نولاند، وعلى المتشددين من أمثال أنطوني بلينكن ونائب وزير الخارجية ويندي شيرمان”. ولم يحقق بايدن حتى اليوم أيّا من الوعود على المستوى الداخلي وخاصة لناحية التخلص من وباء كوفيد 19، وبرنامج الصحة العامة. وهذا ما قد يجعل منه ومن الديمقراطيين المختلفين معه داخل الكونغرس فريسة سهلة أمام ترامب في الانتخابات النصفية المقبلة.