الإنتخابات المقبلة لن تنهي أزمة تل أبيب
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
ما زالت أزمة الأحزاب السياسية في الكيان الإسرائيلي تفرز النتائج الانتخابية نفسها التي توالت أربع دورات انتخابية مبكرة سابقة جرت خلال سنتين علماً أن كل دورة انتخابية عادية تجري كل أربع سنوات مرة وفي هذا المشهد تصنف كل كتلة نفسها بما يروق لها وبما يجمع بين أحزابها المؤتلفة، فثمة يمين متشدد ويمين عادي ويمين وسط ولا وجود للوسط بينهما سوى حزبين صغيرين هما حزب العمل وحزب ميريتس اللذان بدأت تنخفض قيمة دورهما أكثر فأكثر.
في آخر استطلاع للرأي نشره موقع «روتر» العبري تبين أن كتلة نتنياهو ومعها أحزاب اليمين المتشدد والسلفي ستفوز بـ61 مقعداً من 120 مقعداً العدد الإجمالي لأعضاء «الكنيست» بينما من المتوقع أن تفوز كتلة اليمين العادي، وهي التي تدير حكومة تصريف الأعمال الآن بانتظار موعد الانتخابات بعد تسعين يوماً، ومعها يمين الوسط، بـ54 مقعداً، وتقل في هذه القسمة قيمة حزب ما يسمى بالقائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس التي شكلت بمشاركتها مع حكومة يائير لابيد أول ظاهرة يقف فيها أعضاء كنيست عرب مع حكومات صهيونية بعد انشقاقهم عن القائمة العربية المشتركة التي كانت ترفض المشاركة في حكومات إسرائيل.
ولا شك أن هذه النتائج المحتملة لا تدل على أنها ستنهي أسباب هذه الأزمة العميقة والمستعصية للمشروع الصهيوني في الكيان الإسرائيلي، وهي استهلاكه لجميع الحلول والمشاريع وخطط السياسة الداخلية والخارجية التي كان يعدها ويتفق بشأنها مع أحزاب كثيرة ومع حكومات ائتلافية ذات أغلبية مريحة، فقد تعرضت معظم هذه الأحزاب خلال السنوات الماضية لانشقاقات أطاحت بها وفرضت انتخابات مبكرة.
يرى المختصون في تل أبيب بشؤون الأحزاب الإسرائيلية أن أزماتها المتفاقمة وعدم قدرة الأحزاب الكبيرة أو المتوسطة على التوافق في حكومة ائتلافية مستقرة يعود إلى التغيرات التي طرأت على الوضع داخل الساحة الإسرائيلية من ناحية معنوية وديموغرافية وسياسية وعلى الوضع الإقليمي فكلا الوضعين أخذا يشكلان خطراً داهماً على أهداف المشروع الصهيوني لأن كل الأحزاب ترى أن وجود أغلبية فلسطينية من سبعة ملايين فلسطيني داخل أراضي فلسطين على امتدادها من الشمال والجليل والضفة الغربية وقطاع غزة، أدى إلى ضربة قاسية للدولة اليهودية أي «إنشاء دولة لليهود وحدهم»، ناهيك عما يشكله قطاع غزة الذي حرر وتحول إلى جبهة حرب مباشرة لم تتمكن كل حكومات تل أبيب التخلص منها منذ عام 2005، وقد ولدت المجابهات العسكرية ضد القطاع وضد جنوب لبنان منذ ذلك الوقت حتى الآن موجات من هجرة عكسية من المستوطنين في الوسط والشمال والجنوب ترافقت مع انحسار وتناقص هجرة اليهود من الخارج، أما على الساحة الإقليمية فالكل يلاحظ أن كل ما وضعته حكومات تل أبيب على جدول عملها من خطط للتخلص من المقاومة في سورية ولبنان وفلسطين حتى إيران لم تحقق أهدافها بل تزايدت قدرة ردع هذه الأطراف سنة تلو أخرى، وعلى الساحة الدولية شهد العامان اللذان جرى فيهما أربعة انتخابات إسرائيلية مبكرة تراجعاً متواصلاً في النفوذ الأميركي في المنطقة وتضاعف هذا التراجع بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، فقد أصبحت تل أبيب الآن أمام استحقاقات داخلية وإقليمية مع الجوار ودولية مقبلة من دون أن تكون في مصلحتها، ويبدو أن أي حكومة ستتشكل بعد تسعين يوماً ستظل في حالة اضطراب سياسي داخلي وقد تعود نتائج الانتخابات إلى ما كانت عليه قبل سنة حين تشكلت حكومة تحظى بتأييد 60 عضواً ولم تستمر حتى الآن فماذا لو حصل كل من الكتلتين على عدد المقاعد نفسه وهو 60 لكل منهما.
وبانتظار إجراء هذه الانتخابات من المتوقع أن تطرأ انشقاقات تزيد من شرذمة أحزاب الساحة السياسية في تل أبيب وربما تنهي ظاهرة منصور عباس الذي جعل إحدى الكتلتين السياسيتين في الكيان الإسرائيلي تقود سياسة العدوان والاستيطان من دون أن يكون هناك أي فرق أو خلاف بين كل من الكتلتين على تصعيد العدوان على الشعب الفلسطيني وسلب أراضيه لمصلحة الاستيطان.
تبقى الحقيقة الواضحة ظاهرة للجميع وهي أن مشروع الكيان الإسرائيلي يواجه مصيراً لن يتيح له البقاء طويلاً.