الإنتخابات التركية بين الحياد السوري وأخطاء المعسكَرَين.. هل نضجت الصفقة الإقليمية؟!
صحيفة الوطن السورية-
فراس عزيز ديب:
تبدأ صباحَ اليوم الجولة الثانية والحاسمة من الانتخاباتِ الرئاسية في تركيا حيث يتنافس الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان مع مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو لحسم الانتخابات الرئاسية التي اتفق الإعلام بشكلٍ عام والغربي بشكلٍ خاص على تسميتها بالانتخاباتِ الأهم في تاريخ تركيا، لكن معظم من يتحدثونَ عن هذهِ الأهمية لا يقدمونَ فعلياً قراءة منطقية لهذهِ الضجة التي ستُحدثها نتائج هذه الانتخابات بمعزلٍ عن هويةِ المنتصر، بمعنى آخر، هي صورة عن كل انتخاباتٍ تجري في دولِ العالم ليس علينا أن ننتظر منها أي انقلابٍ جذري في مساراتِ السياسة الإقليمية والدولية، تحديداً أن تركيا ليست دولة عظمى وكلا المعسكرين لم يقدما ما يوحي باستعدادهما لقيادةِ تغييراتٍ جوهرية ستحدث، فكيف ذلك؟
أولاً: أردوغان بين صراع الوعود والمرض
يبدو معسكر الرئيس رجب طيب أردوغان متسلحاً بنتائجِ استطلاعات الرأي التي غالباً ما تصدق والتي أعطَتهُ فرصةَ الحسمِ بفارقٍ مريح، ويستند هذا المعسكر إلى الكثيرِ من الإنجازات التي تمكن «العدالة والتنمية» من تحقيقها خلالَ عقدينِ من الزمن والتي أعطت أردوغان شعبية كبيرة لا يمكن إغفالها بمعزلٍ إن اتفقنا أو اختلفنا معه، متسلحاً بماكينة إعلامية قلَّ نظيرها قلبت الحماقات التي ارتكبها إلى إنجازات بما فيها ادعاؤه مشاركةَ الأتراك النبي محمد عليه الصلاة والسلام غزوةَ الخندق!
لكنَّ الطارئ المستجد الذي يستند إليه هذا المعسكر والذي وصلهم على طريقةِ «رب رميةٍ من غيرِ رام» كان الدعاية الغربية ضد أردوغان التي أخذت أشكالاً جديدة من خطابِ التشفي بهِ بعد انتهاءِ الجولة الأولى وانتظار خسارتهِ المدوية، كأن تعتبر «نيويورك تايمز» الأميركية مثلاً أن «خسارة أردوغان خسارة لروسيا وخبر مفرح للدول الغربية لأن الهزيمة تعني التعاطي مع تركيا سهلة»، اللافت هنا أن مصطلح أو مفهوم «الدولة السهلة» عادةً ما يستخدمهُ الغرب عندَ عدم نجاحه بفرضِ آرائِه على دولةٍ ما، يوماً ما استخدم هذا التعبير بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد حيث قال مسؤولون أميركيون كانوا مع الوفد المعزي بالفقيدِ الكبير بُعيد لقائهم بالرئيس بشار الأسد إنهم يأملون التعاطي بأريحيةٍ وسهولة أكثر مع الرئيس الشاب والمنفتح! هذا الغرب يقيس مستوى الانفتاح والانغلاق للدول أو الرؤساء بميزانٍ واحد فقط، هو قدرة هذه الدول على التمسك بسيادتها وقولِ لا، هنا تمكنت الماكينة الانتخابية لأردوغان من التقاط هذه الإشارات وتسويقها بالطريقة التي تجعل منه الرئيس الذي أوقف الهيمنة الغربية على المنطقة بعكس معارضيهِ تماماً كما صورت استقباله للسفير الإسرائيلي الجديد في أنقرة كعملٍ بطولي يهدف إلى حماية الأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة، هذا الهجوم الغربي المبالغ بهِ دفعَ بعض المصادر الرسمية الأوروبية لاستهجانهِ بصورةٍ مبطنة واعتبارهِ خطأ فادحاً ترتكبهُ وسائل الإعلام الغربية عندما تضع نفسها طرفاً في هذه الانتخابات، إلا أن كان هذا الهجوم متفقاً عليه!
أما في الوضع الداخلي فلن ندخل كثيراً في لعبةِ تجيير أصوات الخاسرين، الأفضل هو التعاطي مع لعبة المواقف في القضايا الملحة على الداخلِ التركي، وهما الوضع الاقتصادي واللاجئون السوريون، حيث اعترف أردوغان بتلقي المصرف المركزي التركي أموالاً على شكلِ وديعة مصرفية من دولٍ خليجية لم يسمِها ساهمت فعلياً بوقف النزيف الاقتصادي الذي كانت تعاني منه تركيا، هذا الدخول الخليجي على خط إنعاش تركيا اقتصادياً قد يراهُ البعض تدخلاً في الانتخابات التركية لا معنى لهُ، كما أنه تمرد جديد للسياسات الخليجية على الرؤى الأميركية التي من الواضح أنها لا تريد أردوغان، لكن واقعياً وإن حملَ هذا الأمر تمرداً ما في مكانٍ ما باتَ أشبه بالاعتيادي في ظل وجود بعض القيادات الخليجية الشابة كما في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي تمتلك رؤى تنطلق من المصالح الوطنية والإقليمية قبل كل شيء، فإن هذا التدخل لم يكن لمصلحة أردوغان باعتبار أن الاقتصاد التركي ليسَ ملكاً لأردوغان بل ملك للشعب التركي بمعزلٍ عن تموضعهِ السياسي، أما النقطة الأهم فإن هذه التدخلات المالية الخليجية تبدو تمهيداً لما هو قادم فيما يتعلق بالحل السياسي في سورية، بما في ذلك ضمانَ عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم المُدمرة التي ستجري إعادة بنائها من جديد، ربما لم تتضح حالياً معالم الصفقة لكن قيادات الدول الفاعلة والمعنية باتت حكماً تمتلك الكثير من الأجوبة التي تنتظر انتهاء الاستحقاق الانتخابي.
ختاماً، مع كل هذهِ الأريحية التي يعيشها المعسكر الأردوغاني تبدو أمامه مشكلة جوهرية لا يستطيع حلها وهي متعلقة فعلياً بصحة أردوغان، فالحديث عن صحة الرجل ليسَ وليد الساعة، فالأمر يعود إلى الزيارة التي قام بها أردوغان إلى باريس مطلع عام 2018 ولقائهِ بالرئيس إيمانويل ماكرون يومها تحدثت مصادر أمنية أن فرنسا لا تعول على شيء من أردوغان وإن كانت تعتبره شريكاً أساسياً رغم التباعد في المواقف، ما تعول عليه هو الترنح الذي أبداه أردوغان خلال مسيره من البوابة الرئيسة في الإليزيه إلى الدرج المؤدي إلى القصر، في إشارة إلى عائقٍ صحي يعاني منه أردوغان، تُرى ما الذي يمتلكه الغرب من معلومات تجعله يؤكد أن أردوغان وإن نجح فلن يكمل ولايته؟!
ثانياً: معسكر المعارضة.. هل يتعلم من الأخطاء؟
في المعسكرِ الآخر، ربما كاد الأمر يكون أكثر تفاؤلاً لولا الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها المعارضة، فمثلاً لم يكن كليتشدار أوغلو موفقاً عندما أعلن بهذهِ الفظاظة عن انتمائهِ المذهبي قبيل أيام من الانتخابات لدرجةٍ بدا فيها كمن وقع في الفخ الذي نصبه له أردوغان، مشكلة كليتشدار أوغلو أنه لا يزال مؤمناً بأن تركيا تعيش الحالة العلمانية التي أسَّسَها كمال أتاتورك وتجاهل أن التغيرات الجذرية التي أحدثها العدالة والتنمية بما فيها إعادة تعويم الخطاب المذهبي الذي لا يبدو أنه في مصلحته عدةً وعدداً، بالسياق ذاته أخطأ معسكر المعارضة عندما اعتبرَ أن وعوداً للناخبين وتحديداً جيل الشباب من قبيلِ الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بأسرع وقت وإمكانية الدخول إلى اتحاد «فيزا شينغن» خلال أشهر هي أمور مفيدة في اللعبة الانتخابية، لا يمكن لكَ أن تعطي وعوداً لأشياء لا تملك قرارها، المحبط بالأمر أن من تورط بوعود كهذه من الواضح أنهُ يجهل تماماً التركيبة السياسية الأوروبية ونظرتها للآخر، فمشكلة الدول الأوروبية ليسَت مع من يحكُم تركيا هل هو ذو مرجعية إسلامية أو علمانية، مشكلتها مع الأغلبية العظمى التي تشكل تركيا الإسلامية بمعزلٍ عمن يحكمها وما تبقى مجردَ شعاراتٍ يطلقها الغرب كواجهة للديمقراطية وتقبل الآخر لا أكثر، لكي تتضح الصورة أكثر تعالوا لنطبق هذا الكلام في الداخل السوري، ليست مشكلة الغرب من يحكم سورية؟ مشكلة الأوروبيين كيف سيحكمها؟ ماذا لو رضخت سورية قبل عقدين من الزمن للإملاءات الأميركية؟
أما الملف الأهم في السجال الانتخابي التركي وهو ملف اللاجئين فإن المعارضة مشكورة قدمت قراءة منطقية وواعية من بينها التطبيع مع «حكومة الرئيس بشار الأسد» والانسحاب من سورية، لكنها أخطأت بأمرين خلالَ تعاطيها مع هذهِ المشكلة، الأول هو التضخيم الكبير بأعداد اللاجئين والحديث عن 13 مليوناً، لو صحت هذه الأرقام التي ترميها بعض الدول لقلنا إن في تركيا ولبنان ومصر والأردن وحدها معظم السوريين، إذاً من بقي في سورية؟! نتفهم المبالغات عند البعض لكسب التبرعات والتعاطف، لكن هذه المبالغات في مكان آخر قد تنقلب على مطلقيها! أما الخطأ الثاني فهو تجاهل الحديث بشكلٍ علني عن الموقف من الانفصاليين في الشمال السوري تحديداً أن الردود على اتهامات أردوغان للمعارضة بأنها ستخضع للقرار الأميركي فيما يتعلق بالأحزاب الإرهابية الكردية لم تكن على قدرِ المأمول فماذا ينتظرنا؟
مبدئياً وقبل استقراء ما قد تحملهُ نتائج الانتخابات الرئاسية دعونا بكل احترام نرفع القبعة للموقف الرسمي السوري الذي رفضَ منح أي طرفٍ دعماً لدعايته الانتخابية، إن كان بلقاء الرئيس بشار الأسد مع المرشح رجب طيب أردوغان أو باستقبال وفد من المعارضة التركية، هذا الموقف انطلق أولاً وأخيراً من احترام خيارات الشعب التركي، إذاً خير ما يُقال في مواقف كهذه إن من سينجح ليسَ الأفضل لكن الذي ارتكب أخطاء أقل، على هذا الأساس يبدو على الغرب التعاطي مع الحالة الأردوغانية في السنوات القادمة، أما في الملف السوري فمن الواضح أن الكثيرَ من التفاهمات ينتظر تطبيقها بمعزلٍ عن التصريحات الانتخابية، أما المعارضة التركية فكل ما يجب عليها فعله أن تتعلم من أخطاء ساذجة كان ممكناً أن تجنبها انتظار معجزةٍ ما، هل نحن في زمن المعجزات؟ لا أعتقد!