الإنتخابات الأميركية وثلاثية العنف والانقسام والتضخم
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
مع قرب توجه الأميركيين إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ثلث أعضاء مجلس الشيوخ، وجميع أعضاء مجلس النواب، المشهد يشير إلى أن الانتخابات تجري في أجواء استقطاب سياسي حاد، وأحاديث عن حرب أهلية وانقسام مجتمعي، وعنف، وأزمة اقتصادية خانقة بلغت فيها أوجاع التضخم مستويات غير مسبوقة.
تكتسب هذه الانتخابات أهمية كبيرة من حيث توجيه السياسات الأميركية ونتائجها التي ستقلب المشهد السياسي المحلي وتؤثر في السياسة الخارجية الأميركية وإستراتيجية إدارة الرئيس الحالي جو بايدن في وقت يعاني المجتمع الأميركي من الانقسام المجتمعي.
في الداخل الأميركي، استطلاعات الرأي تشير إلى أن ما يقرب 70 في المئة من الأميركيين غير راضين عن أداء إدارة بايدن، تضخم وبطالة وسوء خدمات وزيادة معدل، جرائم وارتفاع في سعر البنزين والديزل، جميع هذه الإخفاقات وبايدن «تائه غير مدرك ما حوله ولا يعي ماذا يقول وماذا يفعل» كما جاء في «الفينانشال تايمز».
نسب التضخم تتزايد بشكل غير مسبوق منذ أربعين عاماً، والركود يهدد الاقتصاد الأميركي ما ينبئ بتخفيض المساعدات الخارجية، وخصوصاً لأوكرانيا. وسيصبح جزءاً من الجدال الدائر حول السياسة الخارجية.
بالمقابل كل الدلالات والمؤشرات تتَّجه إلى العزلة الأميركية عن حلفائها في الخليج العربي وحتى في أوروبا.
من وجهة نظر إدارة بايدن؛ بعض الدول الخليجية تبني سياستها الخارجية على مساعدة الجمهوريين نكاية ببايدن! وتميل أحياناً ناحية الصين وروسيا نكاية بأميركا.
أميركا تدفع بشعوب أوروبا لمواجهة حكوماتهم، وبعض هذه الشعوب على وشك الانفجار، اضطرابات وقلاقل، وحكومات أوروبية تتداعى، وهم يدفعون الثمن، فتبيعهم الغاز بأربعة أضعاف، ويبقى الدعم لأوكرانيا على حساب الاقتصاد الأوروبي، وزيارة المستشار الألماني الأخيرة للصين تأتي بهذا الاتجاه.
يحذّر مشرّعون ومسؤولون في الولايات المتحدة من تجدد أعمال العنف قبيل الانتخابات النصفية الأميركية، ونشر عضو مجلس النواب الأميركي آدم كينزينغر، وهو مناهض للرئيس السابق دونالد ترامب، مقتطفات صوتية من التهديدات التي تلقاها.
ما زالت أميركا تعاني فيه من آثار كابوس الهجوم على مقر الكونغرس في 6 كانون الثاني 2021 والذي كان أحد مظاهر هذا العنف، وكذلك الهجوم الأخير على منزل رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي والاعتداء على زوجها.
وقال الخبير الأمني ك. كامبل: «أعتقد أننا سنستمر في رؤية زيادة التهديدات ضد المسؤولين المنتخبين على جميع المستويات».
وفقاً لتحليل أجراه مركز صندوق العمل التقدمي الأميركي، فإن 104 إعلانات على الأقل تم بثها هذا العام تظهر مرشحاً محافظاً بمسدس أو بندقية هجومية، وفي بعض هذه الإعلانات لمرشحين جمهوريين تُظهر توجيه السلاح باتجاه صور أو دمى تمثل خصومهم الديمقراطيين أو حتى الرئيس جو بايدن.
سيصوت الأميركيون بالانتخابات النصفية، وسط أجواء تسودها توترات سياسية ومخاوف من تجدد أعمال العنف التي تطال المشرّعين والمسؤولين الانتخابيين.
بالنسبة للحرب الأوكرانية فقد كان هناك اختلاف طفيف في مستوى الدعم بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إلا أنه مع الانتخابات، تصبح السياسة تجاه أوكرانيا قضية مهمة في المعركة الانتخابية بين الحزبين للسيطرة على الكونغرس.
المشهد يشير إلى تدفق مليارات الدولارات على أوكرانيا في وقت تعاني الولايات المتحدة تضخماً وتحذيرات من الركود، ما دفع زعيم الأقلية الجمهوري كيفن مكارثي للقول إن الأمور قد تتغير إذا فاز الجمهوريون في الانتخابات.
وقال: أعتقد أن الناس سيواجهون ركوداً ولن يكتبوا شيكاً على بياض لأوكرانيا، وخاصة أن الجمهوريين يتوعدون بشعار أميركا أولاً، والمفاجأة الكبرى التي تلقاها بايدن جاءت من داخل حزبه عندما أرسل إليه 30 عضواً ديمقراطياً رسالة تحثه على تغيير المسار في السياسة الخارجية تجاه أوكرانيا، لتجنب الصراع العسكري المباشر مع روسيا، ويحثون الرئيس على بذل جهود دبلوماسية لدعم التوصل إلى تسوية ووقف إطلاق النار، والدخول في محادثات مباشرة مع روسيا، واستكشاف إمكانات إقرار ترتيب أمني أوروبي جديد مقبول لجميع الأطراف.
حذر مكارثي من أن الكونغرس لن يقدم «شيكاً على بياض» للحرب في أوكرانيا في حال انتزاع الجمهوريين للأغلبية في مجلس النواب، ما قد يؤكد أن الانقسام تجاه أوكرانيا سيكون واضحاً.
قد تؤدي نتائج الانتخابات النصفية لعرقلة التمويل الأميركي للحرب في أوكرانيا، والذي وصل حتى الساعة إلى نحو 18.2 مليار دولار مع بدء الانتخابات، شعبية بايدن في أدنى مستوياتها، وأغلبية الناخبين يشعرون بالغضب من الضغوط الاقتصادية وربما يعاقبونه وحزبه في التصويت.
فمعظم التوقعات واستطلاعات الرأي تشير إلى أن الديمقراطيين قد يخسرون سيطرتهم على مجلس النواب.
العالم ينتظر نتائج الانتخابات التي سيكون لها تأثيرات كبيرة على رئاسة بايدن وعلى شكل الساحة السياسية الأميركية ليس فقط في العامين المتبقيين قبل معركة الانتخابات الرئاسية في 2024، بل ربما لفترة طويلة بعد ذلك في مجتمع تسوده ثلاثية العنف والانقسام والتضخم.