الإقليم يتحرّك ولبنان السياسيّ نائم!
جريدة البناء اللبنانية-
د.وفيق إبراهيم:
ابتدأت ملامح الجبهات الإقليمية بالتشكل في ظل رعايات دولية تستعجل معرفة حلفائها المحليين لتركيب خطوط الصدامات في المشرق العربي.
هو نفسه هذا المشرق الذي لا يزال جاذباً لقوى الصدام في العالم لاحتوائه على قدرات استهلاك وموارد أوليّة وموقع استراتيجي يفرض تنافساً روسياً أميركياً أوروبياً وصولاً الى الصين التي تقذف يومياً بعروض اقتصادية في كل زوايا المشرق، لعلها تحظى بموافقات تجعلها عضواً كاملاً في منطقة عالية الأهمية في العالم اقتصادياً وسياسياً وجيوبوليتيكياً.
فالداخل اليها بتجذّر هو من القوى الدولية التي لا نزاع حول أهميتها. ويقول الصينيون بهذا الصدد إن معظم القوى العالمية الأساسية تشكلت في الشرق الاوسط على وقع اكتشافات النفط والغاز في مطلع القرن الماضي وتقاسمت ما تركه الاحتلال الانجليزي في جزيرة العرب وبلاد النيل. كما تولّوا انتداب الأراضي التي تركها الاستعمار الفرنسي في سورية ولبنان وشمال افريقيا.
إلا أن جائحة كورونا واعادة صياغة النظام العالمي الجديد جمد حركة الصراعات العالمية التي عادت وانطلقت مجدداً في اطار تشكيل تحالفات معظمها من العيار القديم انما مع استثناءات تمنح النظام العالمي الجديد الكثير من الاستثناءات.
يبدو وعلى سبيل المثال أن الأميركيين يعاودون جذب مصر والأردن الى صفوفهم مع العراق المقسوم بين رئاسته التي تريد التحالف مع الأميركيين وبين الحشد الشعبي والتيارات الأخرى التي تسعى للتحالف مع ايران، اما الأكراد فأصبحوا فصيلاً أميركياً بشكل كامل يؤمنون مصالح الأميركيين الذين ادركوا مرحلة الاستعداد عن استقلال كردستان حتى بالقوة المسلحة.
ان كل هذه التطورات التي تدك منطقة المشرق لم تصل الى لبنان بعد، هذا اللبنان المأخوذ بصراعات داخلية نشبت فيه ويبدو تطورها من الغرابة، بحيث ان واحداً لا يصدق ان كامل اللبنانيين يتظاهرون في وجه السلطة السياسية وصيغتها التاريخية ولا ينجحون في إسقاط النظام، الى ان يتبين ان تعددية الطوائف والمذاهب اللبنانية تحول دون وقوفها سوية في وجه الصيغة السياسية اللبنانية التي تحكم لبنان بأشكال مختلفة منذ عشرينيات القرن الماضي.
لكن المتتبع يكتشف أن لبنان بكامل طوائفه يتحرك متظاهراً لكن النظام السياسي لا يبدي اي حركة استجابة للمطالبات. فيظهر لبنان مقسوماً بين ثلاثة افرقاء: السلطة السياسية المتضامنة، السياسة الفرنسية والأميركية المسيطرة على لبنان، واخيراً اللبنانيون من كل الفئات.
لكن ما نجحت فيه السياسة اللبنانية ان التحركات الشعبية في مناطقها تنحصر في جغرافيا مذهبية وفي إطار مذهب واحد فتفقد بذلك ريحها ومصادر قوتها.
لذلك فإن منظر الناس في الشوارع ومشهد السلطة تبدو فيه لامبالية وغير مكترثة هو القمة في التناقض، هذا بالإضافة الى ردود الفعل الاميركية – الفرنسية التي تزعم تاريخياً انها مع التغيير الديموقراطي، لكنها تقف في لبنان متجاهلة ما يجري فيه وكأنه لا ينتمي الى تلك الفئات في الديموقراطية الغربية المنتشرة في معظم بقاع الأرض.
السؤال هنا، هو لماذا تنام السلطة السياسية اللبنانية وتبدو أمام هول ما يجري شعبياً وكأنها لامبالية ولا تخشى التحركات في التظاهرات وضياع الشارع منها، فتعتمد أسلوب التجاهل مع محاولة هي نادرة في التاريخ وتتعلق بإصدار قرارات لتنظيم التظاهرات الشعبية كي تبقى في إطار المحافظة على النظام.
يبدو أن طوائف السلطات السياسية مرتاحة على أوضاعها الشعبية بدليل ان الوزير وليد جنبلاط يستطيع تحريك الدروز الموحدين في أي وجهة يريد.
كما ان رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري يستطيع تحريك الأجزاء السنية في البقاع الغربي وطرابلس وصيدا وبيروت بقليل من الجهد والدعاء وليرات الذهب البراقة، كذلك فإن الشيعة يتبارون مع الدروز في القدرة على تنويم الشارع على مستويي حركة أمل وحزب الله.
أما المسيحيون فإن الصراع على انتخابات على رئاسة الجمهورية المقبلة ويثير صراعاً داخلياً بين فريقي جبران وجعجع، لكنه سرعان ما عاد الى الانضباط وتحويله شارعاً موحّداً بعدما تبين له البعد الطائفي لتظاهرات لبنان.
لماذا لبنان نيام؟ هذا سؤال يظهر ان نوم اللبنانيين ليس في حركتهم التاريخية، بل في تضامنهم ضمن اطار واحد هو الاساس الوحيد لهز سلطة لا ترى الناس ولا يهمها اذا ناموا او استيقظوا، فما يهمها تأييد ادوات التأثير الدينية والسياسية والخارج الفرنسي – الاميركي وهذا ما تمكنت من تحقيقه حتى الآن، فهل يصحو النائمون؟ لعلها الطريقة الوحيدة لكسر لعبة السلطة وتغطياتها الفرنسية والأميركية والسعودية.