«الإستدراج الرئاسي»
جريدة البناء اللبنانية-
نمر أبي ديب:
شكلت التحوّلات السياسية في موازين القوى البرلمانية علامات فارقة في السياسة اللبنانية، وأيضاً في جُملة المقاربات الرئاسية التي عكست بنتائج الجلسة الرئاسية ومجمل المواقف الداخلية النوايا الحقيقية لجميع القوى السياسية على اختلاف مكوناتهم الداخلية، وأسمائهم السيادية منها والتغييرية التي بدت في جلسة الانتخاب
الأولى غير مترابطة بالمفهوم السياسي وغير قادرة على توحيد صفوفها الرئاسية، بالرغم من «الحاضنة الشكلية» للتحالفات الرئاسية من جهة والاعتماد الكامل على مبدأ المناورة الرئاسية الموجود في أسماء المرشحين، إلى ما يمكن أن ينتج عنها في «الجلسة الرئاسية المقبلة»، وما يليها من جلسات إذا تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، من متغيّرات أساسية في مسار الأولويات السياسية الناظمة للاستحقاق الرئاسي، ضمن حسابات مختلفة، وطروحات قد لا تستوفي «هندساتها السياسية» العابرة في الشكل الرئاسي والأبعاد السياسية، لأولويات وحسابات ورسائل وحتى مرشحي الجلسة الأولى، ونتائجها الرئاسية الغير مضمونة على مستوى «التكرار العددي» وحتى الحصول على الدعم الرئاسي نفسه من قوى داخلية، أساسية، لها مشاريعها السياسية وأيضاً رؤيتها الرئاسية في جلسات الانتخاب اللاحقة، ما يؤكد على امتلاك البعض «شيكات رئاسية» خالية من «الرصيد البرلماني» والقدرة السياسية على التجيير في الجلسة الرئاسية المقبلة وما يليها من جلسات، أيضاً على الصرف السياسي في بنك المعطيات الرئاسية المتوفرة والأجواء الإقليمية والدولية التي لم تتعدّ في إطارها العام حتى اللحظة، حدود التمنيات السياسية التي حملها البيان الدولي المشترك «الأميركي، السعودي، الفرنسي» للبنان ودعا من خلالها إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية ووجوب عدم حصول «فراغ رئاسي»، وهنا تجدر الإشارة إلى عدم احتواء العناصر الداخلية المُثبتة في الحسابات الرئاسية لتبنّي ترشيح رئيس حركة الاستقلال وعضو كتلة تجدّد النائب ميشال معوض أو مطلق شخصية سياسية من خارج «الورقة البيضاء»، مقومات الفاعلية الرئاسية في جلسة الانتخاب الأولى وتحقيق الغايات الأساسية من تحرير القوات اللبنانية وغيرها من القوى الداعمة وحتى المؤيدة اليوم لترشيح ميشال معوض «شيك رئاسي» غير قابل «للصرف البرلماني» في مرحلة لم ولن تُحسَم فيها النتيجة الرئاسية بمعزل عن التوافق اللبناني، وأيضاً الرغبة الخارجية المرفقة بمظلة إقليمية/ دولية مانحة لكلمة السر الرئاسية.
مما لا شك فيه انّ اكتمال النصاب في الجلسة الرئاسية الأولى علامة رئاسية فارقة على مستوى تخطي الثلثين وإجراء الدورة الأولى من انتخاب الرئيس مع ما حملته الجلسة من مؤشرات سياسية ورسائل رئاسية بـ»الجملة والمفرق» أفضت إلى تظهير أكثر من «حقيقة سياسية» على مسار الجولة الرئاسية الأولى، نذكر منها:
ـ «الاستدراج الرئاسي» الذي لم تُوفَّق من خلاله القوى السياسية الداعمة والمؤيدة لمعوض في تكريس «معارك رئاسية وهمية» ذات طابع استفزازي محدودة الأفق، وغير مؤهّلة اليوم للحسم الرئاسي، مع رئيس تيار المردة النائب والوزير السابق سليمان فرنجية الذي نجح من ضمن مجموعة من الكتل النيابية التي اقترعت بالورقة البيضاء في تخطي مفاعيل الاستدراج الرئاسي الغير معلن…
ـ المفتاح الرئاسي، فقد سجلت النتيجة الرئاسية بأكثرية الورقة البيضاء 63 صوتاً علامة أكثر من فارقة في جولة الانتخاب الأولى التي أكَّدت بمفاعيلها السياسية وحتى العددية على عاملين:
الأول يمنح التفاهم ما بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله» على خيار رئاسي واحد فرصة متقدّمة وحقيقية لامتلاك «المفتاح الرئاسي» انطلاقاً من مجموعة عوامل سياسية أبرزها، الواقع التمثيلي النيابي والشعبي للتيار الوطني الحر، أيضاً حتمية الدخول المشترك لحركة أمل وحزب الله إلى الجولة الرئاسية الحاسمة بخيار رئاسي واحد، على عكس ما جرى في الانتخابات السابقة.
ثانياً «الحسابات الرئاسية»، قد لا تنطبق انتخابات هيئة المجلس النيابي الحالي على المشهد الرئاسي بشكل عام لكنها قادرة من «الناحية العددية» على تحديد «الهوية السياسة للرئيس الجديد»، وليس شخص الرئيس.
لبنان، أكثر ما يكون اليوم في حاجة إلى توافق سياسي داخلي خصوصاً «رئاسي»، لضمان إنجاز الاستحقاق في الدرجة الأولى، والدخول إلى عهد جديد بمناعة سياسية عالية، و»وفاق لبناني» يسمح بتسجيل إنجازات سياسية اقتصادية وحتى إصلاحية وتحقيق أكثر من نقلة نوعية سريعة ومنتجة على مسار الخروج التدريجي للدولة والشعب والمؤسسات من نفق الأزمة المستمرة.