الإرهاب يهدد استقرار الأردن
تعد إربد محافظة حدودية متاخمة للحدود السورية، وتضم أكبر تجمّع للاجئين السوريين. كما تشھد نموا متزايدا للجماعات المرتبطة بالسلفية الجھادية، إضافة الى إربد ھناك محافظتا الزرقاء ومعّان القريبتان من الحدود مع العراق.
تعتبر إربد من المعاقل الرئيسية لـ”التيار السلفي ” في الأردن. وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن عدد سكانھا من المنتمين لأنصار” السلفية الجھادية “يصل إلى ثلاثة آلاف شخص. لذلك كانت في الفترة الماضية موقع الحدث حيث كانت مسرحا لاشتباكات عنيفة دامت 11 ساعة بين قوات النخبة الأردنية الخاصة بمكافحة الإرھاب، وعناصر إسلامية متطرفة على صلة بتنظيم “داعش” مدججة بالسلاح وتحمل أحزمة ناسفة. العملية العسكرية الأمنية الدقيقة انتھت الى قتل وتوقيف كل أفراد المجموعة والى إحباط ما اعتبرته دائرة المخابرات العامة مخططا إجراميا وتخريبيا مرتبطا بتنظيم “داعش” الإرھابي، الذي كان يھدف للاعتداء على أھداف مدنية وعسكرية داخل المملكة وزعزعة الأمن الوطني.
وبرغم إعلان السلطات الأردنية عن انتھاء العملية الأمنية في إربد، إلا أنها أثارت مخاوف من احتمال أن يكون ما جرى مقدمة لاختراق أمني كبير من قبل التنظيم التكفيري للمملكة الھاشمية، التي تشھد منذ فترة نمواً للجماعات المرتبطة بالسلفية، لا سيما في المناطق الحدودية. ويعتقد كثيرون، بما فيھم الاجھزة الأمنية، أن ھذه العملية وما سبقھا ليست النھاية، وإنما قد تكون مقدمة لمحاولات أخرى لزعزعة أمن المملكة التي استطاعت حتى الآن أن تنأى بنفسھا عن موجة الفوضى والعنف التي تحوطھا من كل صوب.
مصادر امنية اردنية قالت:” إن العملية الأمنية في إربد أجھضت مخططاً إرھابياً مرتبطاً “بداعش”، ويتضمن استھداف مواقع مدنية وعسكرية”. وتعكس ھذه الأحداث، أن ثمة تطوراً في العلاقة بين التيار السلفي الجھادي وتنظيم “داعش” بما يتجاوز التعاطف الإيديولوجي”.
وكانت علاقة الأردن بتنظيم “داعش”، وقبله “القاعدة”، قد بدأت مع تولي أبو مصعب الزرقاوي، وھو من مدينة الزرقاء الأردنية لقيادة تنظيم “القاعدة” في العراق، وھو التنظيم الذي انبثق عنه تنظيم “الدولة الإسلامية”. وتشير تقديرات مراقبين إلى أن عدد المقاتلين من الأردنيين في صفوف “داعش” في سوريا والعراق يتراوح بين 2500 و 4000 مسلح.
وينقسم التيار المتطرف في المملكة إلى قسمين، أحدھما مؤيد لـ”جبھة النصرة” والآخر لتنظيم “داعش” الإرھابي، الذين يوجد معظم مؤيديه في مناطق شمال وجنوب المملكة. يضاف الى ذلك أن العلاقة بين الحكومة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين تعيش أجواء متوترة ومشحونة. وكانت جماعة “الإخوان” الأقرب إلى النموذج التنظيمي التقليدي الذي يصر على مفاھيمه القديمة ورفض أفكار التجديد والبقاء في حال التكتم والتعاطي الملتبس مع القضايا الوطنية، وھذا ما قادھا خلال أعوام الربيع العربي إلى انفراط عقدھا التحالفي التاريخي مع النظام الأردني الذي وفر لھا الحماية منذ أربعينات القرن الماضي. وانقلبت العلاقة مع الدولة الأردنية إلى حال من التوجس والتأزم.
واعتبر الملك الأردني (في مقابلة مع “فوكس نيوز” الأميركية) أن تنظيم “داعش” ھو المشكلة الرئيسية في سوريا، داعيا الى التركيز عليھا والى إعادة تعريف ما ھي المعارضة المعتدلة و”إيجاد أشخاص في الداخل من أجل التوصل الى حل سياسي”، لأنه إذا استمر الوضع كما ھو عليه ستستمر الدولة السورية بالانھيار.
مسؤولون لبنانيون كانوا التقوا ملك الأردن عبدلله الثاني قبل فترة استخلصوا أن الملك الأردني يقارب موقفه من تنظيم “داعش” على أنه أصبح “أمرا واقعا، ومن المتعذر بعد اليوم انكاره وتجاھله، بل بات مستقرا في المنطقة”، ما يحمله على بناء استراتيجية تحمي المملكة من ھذا التنظيم . أضف أن الحرب السورية مستمرة “من غير أن يعرف أحد الى متى؟ إضافة الى عبء النزوح السوري وسبل معالجته ومواجهته في ظل الوضع السوري الذي يتجه إلى “حالة غير مريحة يتضرر منھا الأردن وغيره، لأن عدد النازحين السوريين لديه كبير”.
الحكومة الأردنية كانت أعلنت عن تنسيق عسكري وأمني مع روسيا إثر تدخلھا وبدء عمليات عسكرية جوية واسعة في سوريا. ونقل عن مصدر أردني دبلوماسي:” إن الأردن يتعامل مع حسابات أمنية دقيقة. ولا نجد في التنسيق مع الدول الفاعلة في مكافحة الإرھاب ما يضر بمصالحنا الذاتية، أو يخلّ بالتزاماتنا مع حلفائنا”. وأضاف:” أن المملكة تتعامل مع عدو واضح على الأرض السورية، وھو التنظيمات الإرھابية المتطرفة”.
وأكد المصدر أن التنسيق العسكري في سوريا سيكون مقره عمان، وھو “ما يؤشر الى احترام ضمني لقرار عمان أن لاتكون جزءاً من غرفة العمليات الرباعية في بغداد التي تضم سوريا وروسيا وإيران والعراق”. وأشار الى أن عمان توازن بين مصالح حلفائھا وقراراتھا الأمنية، وتتعامل بموضوعية مع المتغيّرات الدولية الجديدة على الساحة السورية، وعلى الأردن أن تنسق أمنياً مع روسيا في ظل توسع عملياتھا العسكرية في المنطقة، خصوصاً في ظل أنباء تحدثت عن اقتراب بدء عملياتھا في جنوب سوريا.
ويقول خبراء سياسيون في عمان أن لا مناص من استراتيجية سياسية وعسكرية جوية وبرية أوسع وأوضح ضمن مراجعة دولية شاملة لعمليات التحالف الدولي يكون فيھا للمملكة دور محوري، لأنه بات واضحاً أن الغارات الجوية وحدھا لن تھزم “داعش”.
في المقابل برزت أصوات خافتة لساسة ومحللين حيال المدى الذي سيذھب إليه الأردن في ھذه الحرب وكلفتھا الآنية والمستقبلية، وعلى أي من حلفائه العرب والغربيين سيعتمد في ظل ظروف معقدة ومصالح إقليمية ودولية متضاربة؟ تطالب ھذه الأصوات بضمانات أميركية لتغطية كلفة مضاعفة جھود الأردن القتالية ونفقات طلعات مقاتلات “إف – 16، المتقادمة، المتصاعدة على الخزينة المثقلة أصلاً بالديون، في ظل الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب.
وتتساءل: ھل تقدر أميركا – صاحبة السياسات المتلكئة والغامضة – على تكثيف ثقلھا في التحالف بينما تعمل في الخفاء مع إيران للتوصل إلى تفاھمات تقلق حلفاءھا الخليجيين وتتحدث عبر وسطاء مع الرئيس السوري لضمان دعمه في محاربة “داعش” في غياب بديل مقنع داخل المعارضة المشرذمة؟ كيف ستنجح مھمة القضاء على “داعش” طالما أبقت تركيا حدودھا مفتوحة من دون حسيب أو رقيب وسھّلت تدفق متطوعين، والمال والعتاد إلى سوريا؟ وھل تقبل روسيا التضحية بحليفھا الرئيس الأسد لإنجاح جھود التحالف أو ينجح الأخير في تسويق نفسه كشريك في التحالف؟ ھل سيظل مستوى الحماسة الشعبية على الوتيرة ذاتھا؟ ھل الأردنيون مستعدون لتحمل كلفة توسيع انخراط بلادھم في الحرب مع احتمال وقوع جنود وطيارين أسرى في يد التنظيم أو خسارة أرواحھم في العمليات؟ ھل ينجح الأردن في إدارة سقف التوقعات الشعبية العالية التي نشأت عن التصعيد الأخير ضد “داعش”، في حال شعرت المملكة بأن حلفاءھا لن يسعفوھا، وقد ينكشف ظھرھا؟
المملكة الأردنية تراقب التطورات في سوريا وما ستؤول إليه… وثلاث دول في المنطقة تراقب الأردن ومعنية بتطوراته وھي: كيان العدو الذي قرر بناء سياج أمني على حدود مع الأردن، ومصر التي لا تبعد كثيرا (قناة السويس عن ميناء العقبة)، والسعودية التي لھا حدود مباشرة مع الأردن الذي يدخل أيضا في نطاق أمنھا الوطني فضلاعن الفضاء الخليجي…
المملكة الأردنية أصلا دولة في وسط بحر من الازمات والان اضيف اليها إرهاب متنامي في داخلها وحواليها فاصبحت في حيرة وضياع وقد تطيح باستقرارها الخيارات الصعبة والمتناقضة المطروحة عليها .