الإرهاب البيولوجي والحرب الصامتة
موقع قناة الميادين-
وسيم جابر:
واشنطن تعترف بوجود المختبرات البيولوجية في أوكرانيا، مع تأكيد سريتها وخطورتها، واتخاذ كل التدابير من أجل تقييد وصول الروس إليها.
العلم يتقدّم بدرجةٍ لا يمكن التنبّؤ بها، وأخطر من أي وقت مضى. مع ظهور تقنيات النانو، بدأت المختبرات العالمية فهماً أدقَّ للأنظمة البيولوجية في كل المستويات.
استثمرت الحكومات هذا التطوّر لتعمد الى دعم البرامج البيولوجية السرية من خلال إبرام اتفاقات تدخل في إطار الهندسات البيولوجية ودعم المختبرات، الأمر الذي قد يساهم في رفع مستوى الأمان والتهديدات البيولوجية.
مختبرات السلامة الحيوية (BSL)
تسمح مختبرات السلامة الأحيائية للعلماء بالتحقيق في الفيروسات الشديدة الإمراض، وتطوير إجراءات التشخيص، وابتكار اللقاحات. تمنع أنظمة الأمان المتعددة المستويات مسببات الأمراض من الهروب إلى البيئة.
هناك حاجة إلى مختبرات خاصة لتحديد مسببات الأمراض المعنية بسرعة عالية وبصورة موثوقة، معتمدة على تطوير أساليب التشخيص والعلاج وإنتاج اللقاحات. من المعروف أن التشخيصات السريعة والموثوقة، في ظل ظروف أمنية مشددة، ضرورية للغاية عند الاشتباه في أي هجوم إرهابي بيولوجي.
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، يمكن أن تصبح الفيروسات غير المعروفة، وسلسلة من الأمراض المُعْدية الجديدة التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر (الأمراض الحيوانية المنشأ)، تهديداً عالمياً للصحة.
نحو 60 مختبراً في العالم، من فئة BSL-4 العالية الأمان، تمتاز بأعلى مستوى من احتياطات السلامة الحيوية. وهي مختبرات تُستخدم لدراسة العوامل المُعْدِية أو السموم التي تشكل خطراً كبيراً للإصابة بالعدوى المعملية المنقولة عبر الهباء الجوي والأمراض التي تهدّد الحياة، والتي لا تتوافر لها لقاحات أو علاجات.
12 من هذه المختبرات موجودة في الولايات المتحدة، تليها المملكة المتحدة بما يقرب من 10، وألمانيا بأربعة، ويوجد نوعان في جمهورية الصين الشعبية، بما في ذلك معهد ووهان لعلم الفيروسات، والتابع للأكاديمية الصينية للعلوم، و٢ في كل من روسيا والأرجنتين وفرنسا وغيرها.
يُستخدم المستوى الثالث من السلامة الحيوية (BSL-3) بصورة شائعة في أعمال البحث والتشخيص، والتي تتضمّن عدداً من الميكروبات التي يمكن أن “تنتقل عن طريق الهباء الجوي، أو التي تسبب مرضاً شديداً”. من المُثير للدهشة أن فيروسات كورونا SARS-COV-1 وMERS-CoV وSARS-COV-2 الجديدة مُصنفة حالياً على أنها ضمن فئات (BSL-3) فقط.
من يعمل في مختبرات BSL 4 وBSL 3؟
يقتصر دخول المُختبر على عدد صغير ومحدود من الموظفين المختارين والمؤهَّلين، على نحو خاص ودقيق، ويخضع هؤلاء لمراقبة صارمة.
يتم ارتداء بدلات واقية قابلة للنفخ لكامل الجسم مع تزويد الهواء الخاص بالباحثين. لحماية اليدين، يجب ارتداء زوجين أو ثلاثة أزواج من القفازات، بعضها فوق بعض، مع ربط الزوج الخارجي بإحكام بأصفاد البدلة. ونظراً إلى أن العمل في البدلة الواقية لكامل الجسم، والتي تزن نحو 10 كيلوغرامات، مرهق للغاية جسدياً ونفسياً، فإن وقت العمل اليومي لكل عالم هو نحو ثلاث ساعات.
ما مدى أمان مختبرات BSL4 وBSL 3؟
تمّ تصميم هذه المختبرات لتشخيص مسببات الأمراض التي تهدد الحياة والتحقيق فيها من دون تعريض الموظفين أو السكان للخطر.
يتم فصل هذه المختبرات، ذات الإجراءات الأمنية المشددة مادياً وتنظيمياً، عن المباني المحيطة بطريقة لا يستطيع الأشخاص غير المُصرّح لهم الاقتراب منها. كما تخضع لضوابط وصول صارمة ومراقبة بالفيديو وتدابير أمنية أخرى.
مختبرات BSL-4 هي وحدات مستقلة تماماً ومُحْكَمة الإغلاق، ولديها إمدادات الهواء والطاقة والمياه الخاصة بها، وهي مؤمَّنة بصورة خاصة ضد الأعطال الفنية، وتتمتع بنظام متعدد المستويات.
كما أنّ كلّ جدران المختبر وسقوفه وأرضياته مبطَّنة بمادة مقاومة للماء وسهلة التنظيف، بحيث تكون الأسطح مقاومة للأحماض والقلويات والمذيبات والمطهرات. يدخل العلماء المختبر ويغادرونه من خلال سلسلة من أبواب أمان غرفة معادلة الضغط. يتم إغلاق الأبواب بصورة متبادلة، بحيث يتدفق الهواء دائماً نحو المختبر عند فتح الأبواب وإغلاقها.
مختبرات BSL-3 الأوكرانية
وفقاً للبيانات المتاحة، لا توجد مختبرات في أوكرانيا تفي بمتطلبات BSL-4. ومع ذلك، فإن مختبرين تم تصنيفهما ضمن فئة BSL-3 عالمياً.
المختبر الأول حائز تصريحاً للعمل على الكائنات الحية الدقيقة للمجموعة الأولى المسبّبة للأمراض وهو مختبر تابع للحكومة الأوكرانية في مدينة “أوديسا”. تمت إعادة بنائه وتحديثه تقنياً حتى مستوى BSL-3 من خلال اتفاقية تعاون بين وزارة الدفاع الأميركية ووزارة الصحة الأوكرانية عام 2005. ويركز التعاون على منع انتشار التقنيات ومسببات الأمراض، وعلى المعرفة التي يمكن استخدامها في تطوير الأسلحة البيولوجية. يعمل المختبر المُحدّث مختبراً مرجعياً مركزياً موقّتاً لجمع مسببات الأمراض (Depozitarium). ووفقاً للوائح الأوكرانية، فإن لدى المختبر تصريحاً للعمل مع كل من البكتيريا والفيروسات من المجموعات المسببة للأمراض الأولى والثانية، بما فيها فيروسات كورونا.
أمّا المختبر الثاني فإنه ينتمي إلى المحطة الوبائية الصحية المركزية، التابعة لوزارة الصحة في أوكرانيا (كييف). لقد تم تحديثه في إطار برنامج الدولة واتفاقية التعاون بين أوكرانيا والولايات المتحدة. ولديه تصريح للعمل مع الكائنات الحية الدقيقة من المجموعة المسببة للأمراض الثانية، ويهدف إلى العمل مع العدوى الخطيرة بصورة خاصة.
واعترفت الولايات المتحدة الأميركية رسمياً بالمختبرات البيولوجية في أوكرانيا، مع تاكيد سريتها وخطورتها، واتخاذ كل التدابير لمحاولة تقييد وصول الروس إليها.
وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية، فيكتوريا نولاند، أدلت بشهادتها أمام جلسة استماع إلى لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بشأن أوكرانيا في الـ8 من آذار/مارس 2022، في واشنطن العاصمة. وقالت، بحسب ما ذكرت قناة Fox News الأميركية الإخبارية، إن “أوكرانيا لديها مرافق أبحاث بيولوجية. نحن الآن قلقون تماماً من القوات الروسية، التي ربما تسعى للسيطرة عليها. لذلك، نحن نعمل مع الأوكرانيين على كيفية منع أي من تلك المواد البحثية من الوقوع في أيدي القوات الروسية في حالة اقترابها”.
الصدفة الأميركية والتنبّؤ بفيروس كورونا وما بعده
شهد العالم وفاة أكثر من 6 ملايين حالة بفيروس كورونا (كوفيد – 19) حتى الآن، وكان هناك عدة تنبؤات في كتب، أو من خلال رجال أعمال نافذين عالمياً، بشأن حدوث جائحة كورونا، بل يكاد يجزم القارئ بأن ما تمت كتابته ما هو إلا تنبؤ أو تهيئة البشر فكرياً لما سيحدث. وإن دل هذا على شيء، فإنه يدل على إلمام البعض بمستوى التهديد البيولوجي، بل يعرفون بدقة أكثر متى تنشأ الجائحة.
الصدفة الأولى، كتاب “OUR FINAL HOUR”، الذي نشره العالِم الأميركي في جامعة هارفرد، مارتن ريس، منتصف عام 2003، وتحدّث عن توقعات بحدوث كارثة بيولوجية تدمر العالم عام 2020، بحيث وصفه بـ”الخطأ البيولوجي” الذي سيتسبّب بمقتل مليون شخص. كما حمل الكتاب على غلافه الخارجي رسالة واضحة بـ “إنذار العالم”!
في الصفحة الـ84، من الكتاب ذاته، يأتي ذكر الخبير في الأسلحة البيولوجية في جامعة هارفرد، البروفيسور الأميركي Matthew Meselson، والذي كان مع عدة نظريات لتطوير الأجنّة البشرية والبرامج السرية التي بدأت عام 2002، مدعومة من الحكومة الأميركية. يُذكَر أن البروفسور Meselson كان حاز، عام 2019، جائزة “Future of Life Award”.
الصدفة الثانية لمؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، في لقاء عام 2015 جمعه بمركز أبحاث Policy Exchange في المملكة المتحدة، قال فيه “إن العالم غير مُستعد للوباء القادم”، مُشيراً الى الخسائر البشرية والمالية الكبيرة التي ستعقب جائحة الوباء، وهذا ما حدث تماماً مع فيروس “كوفيد – 19”.
أيضاً عام 2020، تمنى غيتس أن يستطيع، في غضون 5 سنوات، من كتابة كتابه الثاني، بعنوان “نحن مستعدون للوباء القادم”، داعياً إلى تشكيل قوة عمل لمواجهة الأوبئة، على مستوى منظمة الصحة العالمية، تقوم بالمراقبة، وبما سمّاه “لعبة الجراثيم”، بحيث يمكنك أن تتدرب وتقول ماذا لو حدث هجوم إرهابي بيولوجي بالجدري على 10 مطارات؟ كيف سيواجه العالم ذلك؟
الصين ترصد الخطر وتحذّر العالم
دفع تفشي “كوفيد – 19” الحكومات إلى تكثيف قدراتها وتحسينها على التأهب والدفاع البيولوجيَّين. علاوة على ذلك، هناك تنسيق أفضل وإرادة للتعاون في التصدي للمخاطر البيولوجية.
قامت الصين مؤخرا بدق ناقوس الخطر العالمي مع ظهور فيروس نيو كوف (NeoCoV أو PDF-2180-CoV)، والذي تم تصنيفه أشد فتكاً من “كوفيد – 19″، ومعدل وفياته 1/3 (أي حالة وفاة لكل ثلاث إصابات). وتكمن خطورة نيو كوف في أن المُضيف الخاص بخلية الإنسان ACE2 بات لديه قابلية احتضان له بنسبة 10% بعد أن كانت موجودة في الجمال والخفافيش (حدوة الحصان) فقط. وما ينقص هذا الفيروس هو عامل جيني طفيف، ليكون العالم أمام SARS-COV-3، تماماً كما حدث مع SARS-COV-2.
ما لا شكّ فيه أن احتمالات وجود فيروسات كورونا ونشأتها في الخفافيش كثيرة، لكن المنهجية الجديدة المتَّبَعة في نقلها الى البشر باتت واحدة، مثل كورونا ونيو كوف وغيرهما، على الرغم من عدم وجود دليل علمي أو استخباري حتى الآن يشرح كيفية انتقالها إلى البشر.. يبقى المُستفيد الأول من كل ما يحدث هو شركات الدواء واللقاح، والتي تحصد مليارات الدولارات في الوقت الذى ينهار عدد من الاقتصادات الدولية.
من الواضح أنه، مع وجود برامج سرية بيولوجية وتراشق للتهم بين الدول الكبرى، يبقى أن ننتظر متى ينتشر الوباء الجديد في ظل تخبُّط اقتصادي عالمي وعسكري تُسارع فيه الدول الكبرى إلى كسر القيود العالمية، وفرض قواعد جديدة للعبة بأساليب صامتة ومُدمِّرة أكثر من الحروب النووية، ومساهمة في خلق نظام عالمي مُتجدِّد.