الإرهاب الإسرائيلي.. ملف الأسرى الفلسطينيين نموذجاً
موقع قناة الميادين-
حسن لافي:
من الواضح أن ساحة السجون لا يمكن فصلها عما يحدث في الساحات الخارجية. لذلك، الاستراتيجية الفلسطينية لحل قضية الأسرى يجب أن تكون شاملة، وأن تشترك فيها كل الساحات.
تزايدت الاعتداءات الإسرائيلية على الأسرى الفلسطينيين خلال فترة حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، فقد لا يخلو يوم من عمر هذه الحكومة البالغ 8 أشهر من دون تسجيل انتهاكات واضحة وصريحة ضد الأسرى الفلسطينيين البالغ عددهم 5 آلاف أسير.
وازداد الأمر خطورةً مع منهجة سياسات التضييق على حياتهم المعيشية من خلال خطة فاشية يقودها وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، تعتمد على تنفيذ سلسلة من الإجراءات العنصرية بحق الأسرى في سجون الاحتلال، بدأت بإغلاق مخابز “الخبز العربي” للأسرى في السجون، وتقليص استخدام الحمامات، وذلّ قادة الحركة الأسيرة، واعتداءات وحدات القمع التابعة لإدارة مصلحة السجون الإسرائيلية المتكررة على الأسرى الفلسطينيين جسدياً، والتي كان آخرها اقتحام قسمي 3 و4 من سجن النقب ونقل الأسرى القابعين فيه، وسط حالة من التوتر الشديد داخل السجن، ناهيك بتصويت الكنيست الإسرائيلية بالقراءة التمهيدية على قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين.
في خلاصة الأمر، إن وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير؛ الفاشي الديني الذي قُدمت ضده 50 لائحة اتهام، منها 8 تهم جنائية، إلى جانب أعمال الشغب والتحريض على العنصرية ودعم منظمة إرهابيّة، والذي صرَّح “أن الأسرى الفلسطينيين الأمنيين يستحقون عقوبة الإعدام، لكن يجب معاملتهم كمخربين حتى صدور حكم الإعدام”، هو المسؤول الأول عن التعامل مع الأسرى الفلسطينيين داخل حكومة الاحتلال، الأمر الذي يطرح تساؤلاً كبيراً عن كيفية مواجهة إرهاب “دولة” الاحتلال تجاه الأسرى الفلسطينيين.
قبل الحديث عن سبل مواجهة إرهاب “إسرائيل” المنظم ضد الأسرى الفلسطينيين، من المهم قراءة مشهد أوضاع الأسرى الفلسطينيين في السياقات السياسية والأمنية العامة، وعدم الاكتفاء بقراءات جزئية مبتورة منقوصة، إذ لا يمكن فصل ما يدور من إرهاب إسرائيلي ضد الأسرى عن المتغيرات الطارئة في مشهدين خارجيين.
المشهد الأول هو تشكيل حكومة إسرائيلية تعتبر الأكثر تطرفاً وإرهاباً وفاشيةً في تاريخ الحكومات الإسرائيلية السابقة. أضف إلى ذلك أنَّها تحمل أجندات أيديولوجية دينية عنصرية وفاشية ضمن غالب مكوناتها السياسية المقررة فيها.
ويُضاف إلى ذلك أيضاً ديماغوجية إيتمار بن غفير الإعلامية وتصريحاته الفاشية تجاه الأسرى الفلسطينيين أثناء حملته الانتخابية، وقدرته على تحويل تلك الفاشية الديماغوجية إلى بنود في الاتفاق الائتلافي لتشكيل الحكومة، بمعنى أن تلك الفاشية تجاه الأسرى الفلسطينيين باتت سياسات موجبة للحكومة الإسرائيلية.
أوضح مثال على ذلك هو قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين الذي قدمه بن غفير، والذي استطاع أن يشمله ضمن إطار صفقة تشكيل الائتلاف الحكومي لحكومة نتنياهو السادسة، الأمر الذي يوضح سبب تصديق اللجنة الوزارية لشؤون التشريع على مشروع القانون قبل تقديمه للهيئة العامة للكنيست التصويت، والذي صوَّت لمصلحته 55 عضواً في الكنيست، وعارضه 9 أعضاء فقط.
السياسة الإسرائيلية الفاشية ضد الأسرى الفلسطينيين ليست جديدة، ولكن في ظل الحكومة الحالية، اتخذت مناحي أكثر خطورة وخطوات أكثر تسارعاً في تنفيذها من دون أي مانع قانوني من المحاكم الإسرائيلية أو أي رادع للاعتبارات السياسية لصورة “إسرائيل” الديمقراطية المزورة أمام المجتمع الدولي ومؤسساته القانونية، الأمر الَّذي يبرز في أحد جوانبه تداعيات التعديلات القضائية الجديدة التي اعتبرها حكومة نتنياهو السادسة أهم مشروع استراتيجي لها.
المشهد الثاني هو فشل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية و”الجيش” الإسرائيلي في مواجهة حالة المقاومة المتنامية في الضفة الغربية، والتي حولتها إلى ساحة مواجهة واشتباك مستمر مع الاحتلال وقطعان مستوطنين، الأمر الذي انعكس على زيادة أعداد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال ومعتقلاته، فقد لا يخلو يوم من دون حملات اعتقال وملاحقة للشباب الفلسطيني.
وهنا، تتضاعف إشكالية ما يعرف بالاعتقال الإداري؛ القانون الذي تم تشريعه في فترة الانتداب البريطاني، والذي احتفظت به “إسرائيل” كسيف مسلّط على رقاب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، والذي يتم بموجبه اعتقال الفلسطيني من دون تقديم لائحة اتهام، ولا يحق له معرفة أسباب لاعتقاله، إذ بلغ أعداد الأسرى الإداريين في السجون الإسرائيلية حالياً 1200 أسير من دون لائحة اتهام، بحيث بات ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال معتقلين إداريين (بناءً على أوامر إدارية تصدر عن وزارة أمن الاحتلال).
وأظهرت المعطيات الّتي حصل عليها مركز “هموكيد” لحماية الفرد من إدارة سجون الاحتلال أنَّ عدد الأسرى الإداريين الحالي هو الأعلى منذ أن بدأت منظمات حقوق الإنسان بجمع البيانات الشهرية عن أحوال الأسرى عام 2001.
في ظلِّ هذا المشهد الكلي، بات من الواضح أن ساحة السجون لا يمكن فصلها عما يحدث في الساحات الخارجية. لذلك، الاستراتيجية الفلسطينية لحل قضية الأسرى يجب أن تكون شاملة، وأن تشترك فيها كل الساحات. وحتى تحرير كامل الأسرى الفلسطينيين، كما حدث في صفقات التبادل السابقة، يجب بذل الجهد على كل مستويات العمل الفلسطيني الذي يتكامل به الفعل الرسمي مع العمل الشعبي والجهد الفصائلي.