الإتفاق النووي أم الخطة “ب”؟
موقع الخنادق-
مريم السبلاني:
هي معركة بين الحروب التي يخوضها الطرفان بنديّة، ولا تقل ضراوةً عن أي معركة عسكرية في إحدى الجبهات. فما بين الولايات المتحدة وإيران، حسابٌ طويل، تفرض المتغيرات الدولية شكلَه ومآلاته وطريقةَ تسديده. وعلى ما يبدو ان النفس الطويل الذي تتميز به طهران، قد يجني انجازاً متوقعاً في الوقت القريب، في ظل سيل الأخبار الواردة، التي تنم عن تفاؤل مشترك بين مختلف الأطراف. إلا ان سلوك واشنطن حيال الاتفاق النووي بنسخته السابقة التي نكستها عام 2018، يكبح جموح التفاؤل، ويكلّله بحذر إيراني مشروع، إلى ان ينجلي الغبار في الأيام المقبلة.
كثرت خلال الأيام الماضية، الأخبار الواردة من أمام قصر كوبورغ في قلب العاصمة النمساوية فيينا -مكان عقد المفاوضات-. وبينما كان بعضها يشدد على حصول تقارب ملحوظ في وجهات النظر، وقرب تذليل العقبات، كان بعضها الآخر، يشي بأن تمسك كل طرف بمصالحه وخطوطه الحمر أكثر من أي وقت مضى. ففي الوقت الذي أكد فيه وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان باتصال مع نظيره العماني انه “يجب أن نتأكد من معالجة جميع خطوطنا الحمراء وبأننا سنجني الفوائد الاقتصادية الكاملة للاتفاق المعروض علينا. وإذا وصلنا إلى هذه النقطة، فستتم مناقشة الخطوات التالية”، يؤكد المتحدث باسم الخارجية الأميركية، انه “بمجرد اتضاح أن الاتفاق النووي مع إيران ليس في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة، فإن الجهود المبذولة للتوصل إلى هذا الاتفاق ستضيع”.
وعن تفاصيل المسودة المطروحة للاتفاق، وردت بعض النقاط التي قد توضح ملامح ما تم التوصل إليه، بانتظار الإفصاح الأوروبي عما توصلت إليه المساعي الأخيرة. وحملت المعلومات الواردة ترجيحاً، بأن يتم تنفيذ الاتفاق على 4 مراحل، خلال فترتين متعاقبتين، كل منهما 60 يوماً. تكون عبر رفع واشنطن بعض العقوبات خلال مهلة محددة، يقابله تقليص إيران لنشاطها النووي. في حين رُحّل النقاش، بمسألة رفع حرس الثورة عن لائحة العقوبات، إلى وقت آخر.
واستعداداً للّحظة التي قد يستدعى فيها وزراء خارجية الدول الأطراف للحضور إلى فيينا وتوقيع الاتفاق، في حال إبداء الجانب الأميركي جديته الفعلية، منح مجلس الشورى الإيراني، في جلسته الأخيرة، الوفد المفاوض كامل الصلاحية. معلناً عن ان “نص الاتفاق لا يحتاج الى مصادقة من قبل مجلس الشورى”.
الإفراج عن أكثر من 100 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة
المندوب الروسي الدائم لدى المنظمات الدولية، ميخائيل أوليانوف، صرّح أخيراً، بأن هناك أموراً كثيرة تم التوصل إليها لإعادة إحياء الاتفاق النووي، وما تزال هناك بعض المسائل المعقدة، ونأمل أن يتم الاتفاق قبل الأول من أيلول/سبتمبر”. مشيراً إلى ان هناك “3 نصوص لإعادة إحياء الاتفاق والاتحاد الأوروبي يحاول تقريب وجهات النظر”.
بالنسبة لإيران، فهي تشدد على رفع العقوبات المتعلقة بالاتفاق النووي، وضمان تنفيذها، عبر إخطار رسمي للبنوك ومختلف المؤسسات المالية الدولية، ذات العلاقة، برفع العقوبات، وبالتالي إمكانية تحرك السيولة المالية إلى طهران بشكل فعلي. إضافة لضرورة إغلاق تحقيق الوكالة الذرية، حتى لا يتم استخدامه فيما بعد، كذريعة للضغط مجدداً على الحكومة الإيرانية في وقت لاحق. وهو ما اعتبره، مستشار فريق التفاوض الإيراني، محمد مرندي، في تصريح له لموقع المونيتور “التنازل الذهبي الذي حصلت عليه إيران في المفاوضات”.
يعترف كل الأطراف بالحاجة لتوقيع الاتفاق واعتباره اتفاق الضرورة. ولكل منها، أسبابها الحاكمة التي تجعلها أكثر مرونة حيال إتمام هذا الملف. إلا ان عامل الوقت، يلعب ضد الولايات المتحدة والدول الأوروبية بشكل خاص. إذ ان الفترة المقبلة، ستكون مقرونة بفصلي الخريف والشتاء، وارتفاع متسارع لأسعار الوقود، على أبواب الانتخابات النصفية أيضاً. ومع إبداء “المرونة” الكافية بالموقف الإيراني، حسب ما أعلن الاتحاد الأوروبي، ووافقه الوفد الروسي، تبقى الكرة في ملعب واشنطن، التي تعيش إلى اللحظة، “في كوكب آخر”، حسب توصيف أوليانوف.
وفي هذا الصدد، يشير موقع المونيتور، إلى ان “التوقيت مهم، وخاصة في قطاع الطاقة. فسيكون دخول مليون برميل يومياً من النفط الإيراني إلى الإمدادات العالمية أمراً حيوياً، إذا حدث ذلك خلال الأشهر الستة المقبلة. ويمكن أن تساعد توقعات عودة النفط الإيراني في الحفاظ على الضغط النزولي على أسعار الطاقة، وهو ما سيكون بمثابة أخبار سارة بعد الارتفاع الهائل بمقدار 100 ألف برميل يومياً الذي تمت إضافته من اتفاقية “أوبك+” في وقت سابق من هذا الشهر”. لافتاً إلى ان “إضافة إيران إلى الإمدادات العالمية، كما قال خبير الطاقة دان يرغين، ليست سهلة. فعلى المدى الطويل، يمكن أن تزيد إيران صادراتها إلى 2.8 مليون برميل في اليوم على مدى العامين ونصف العام المقبلين. وهذا أمر مهم بالنسبة للاقتصاد الإيراني، حيث يمكن أن تصل الإيرادات إلى 65 مليار دولار إضافية سنوياً. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي إحياء الاتفاق النووي إلى الإفراج عن أكثر من 100 إلى 150 مليار دولار من الأصول الإيرانية المجمدة”.
إسرائيل تستعد لسيناريوهات مختلفة
تلقى كيان الاحتلال الأخبار الواردة من بروكسل وفيينا، حول إمكانية التوصل لاتفاق نووي في وقت وجيز، باستنكار. إذ نقلت وسائل إعلام عبرية، عن مسؤولين إسرائيليين قولهم ان “إسرائيل ترى في الاتفاق الحالي اتفاقاً سيئاً… هي تستعد لسيناريوهات مختلفة”. في حين كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، في حديث مع المستشار الألماني أولاف شولتس، موقف تل أبيب المعارض للعودة لأي اتفاق مع طهران”. وعلى الرغم من محاولات التهدئة التي بدأها بايدن بزيارته الأخيرة إلى القدس، و”إغراء” الكيان بمنظومات دفاع جوي بغية تخفيف التصعيد ضد الاتفاق، شددت الأوساط السياسية الإسرائيلية على أنها غير ملزمة بأي اتفاق يتم التوصل إليه. وفي الوقت الذي وصل فيه لابيد، اليوم، إلى واشنطن لمناقشة تداعيات المرحلة، صرحت الخارجية الأميركية بأن بلادها “تختلف مع إسرائيل تقنياً بشأن الاتفاق النووي الإيراني”.
ومن المقرر أن يتوجه رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، إيال هولاتا، إلى الولايات المتحدة الأسبوع المقبل لإجراء مزيد من المحادثات. فهل نحن أمام اتفاق نووي منجز ام تسويف ومماطلة أمريكية من جهة، وارباك وتردد لدى الديموقراطيين من جهة ثانية؟ هل ستستعيد طهران ملياراتها المجمدة، أم ان الخطة B لدى الایرانیین کما الاميركیین ستحكم المشهد في المرحلة القادمة؟ أسئلة مرهونة بالموقف الأميركي وصدقيته التي يشكك فيها الإيرانيون.