«الإبراهيمية»… التطبيع المقنع باسم التعايش والسلام
جريدة البناء اللبنانية-
بتول قصير:
ضمن إحدى غفواتنا الطويلة، لمع في الأفق مشروع صهيوني جديد تحت مسمّى «الديانة الإبراهيمية»، أحد أهمّ وأشنع مظاهر التمييع والتزييف العقائدي. والحقيقة المرة أنه مقدمات لبسط تل أبيب لكامل أسطورتها التوراتية لما بعد خيبر على أساس هي «دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات»، خاصة في ظلّ صعود غلاة الصهيونية الدينية.
في عالم السياسة الدولية والأميركية خاصة لا يوجد مجال للصدفة، تحديداً في القرن الحالي. لذا فإنّ مسألة إطلاق اسم (التطبيع الإبراهيمي) على عملية التطبيع بين الإمارات والبحرين و»إسرائيل»، ليست مسالة اعتباطية. بحيث أنّ كلّ الاتفاقيات التي تمّ عقدها بين الدول تحمل اسم المكان الذي حدثت فيه مثل اتفاقية اوسلو، اتفاقية وادي عربة، اتفاق مدريد. وهكذا حمل بعض الاتفاقيات أسماء الاشخاص الذين قاموا فيها. فليس من المعهود اطلاق التسميات الدينية من بلد يدعم العلمانية والإلحاد بأبشع صوره.
ولعلّ عبارة وزير خارجية أميركا في خمسينيات القرن الماضي جون فوستر دالاس حين قال: «السياسة عندنا في أميركا علم لا يخطئ إلا في حدود الخطأ العلمي.» هي خير دليل على خطورة الفكرة السياسية التي تبلورت مع بداية ما سمي بالدين الإبراهيمي الجديد كانت في تسعينيات القرن العشرين، حيث قامت الإدارة الأميركية بإنشاء «برنامج أبحاث دراسات الحرب والسلام»، واختبرت المفهوم الإبراهيمي عن طريق جامعة هارفارد عام 2000، بعد إرسال فريق من الباحثين الأميركيين المتخصصين لمنطقة الشرق الأوسط بما فيها الدول العربية كافة وتركيا وإيران و»إسرائيل»، محاولين باختبار فرضية وضع نبي الله إبراهيم عليه السلام كعنصر تتجمع حوله هذه الدول المختلفة، ويتم حل الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» من خلال الالتقاء حول الدين الجديد.
وعليه فإنّ ما يعرف بالابراهيمية هو ليس ديناً حقيقياً، بل هو دين مبتدع يهدف إلى تجميع أبناء سيدنا ابراهيم من اليهود والمسلمين والمسيحيين في بوتقة واحدة ودين واحد يسمى الدين الإبراهيمي، ظاهره فيه الرحمة، وباطنه ضياع الهوية والدين والأرض، القائم عليه الكيان الإسرائيلي والصهيونية المسيحية، التي تقود أميركا، وحلفاؤها من الاتحاد الأوروبي، والمنظمات العالمية التي أنشئت من أجل تحقيق مصالح الأقوياء، والهدف منه طمس الهوية الاسلامية عن الارض العربية، لبسط تل أبيب لكامل أسطورتها التوراتية لما بعد خيبر على أساس هي «دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات». وهذا يعني بصريح العبارة، انّ الإبراهيمية ليست ديانة وإنما جمع لكلّ من البوذية والهندوسية والزردشتية وعبادة الشيطان بنكهة صهيونية، عبر تنحية الإسلام والمسيحية كمختلف عليه من قبل أنصار اليهودية المتصهينة، وذلك تمهيداً للوصول إلى دين جديد ألا وهو دين الدجال، الذي يرنو لإزالة الحدود عبر مشروعات الربط الجغرافي للمنطقة كلها مع «إسرائيل»، وكذا الربط الاقتصادي بمشروعات استثمارية كبرى تعتمد على التكنولوجيا الإسرائيلية، والدعم الشعبي سيأتي عبر مشروعات طرق الحج الديني المشترك مثل «مسار إبراهيم» الذي تشرف عليه جامعة هارفارد، والذي من شأنه تغيير شكل المنطقة، وخلق شبكة من المريدين والمؤيدين عبر مشروعات تعاونية مشتركة مع الجمعيات النسائية، وكذا مشروعات ريادة أعمال للشباب لخلق واقع أكثر تأييد ودعم مجتمعي. مع التأكيد أنّ هذه المشروعات قائمة بالفعل، وقد وصل طول المسار على الأرض إلى 2000 كلم تطمح جامعة هارفارد ليصل إلى 5000 كلم، ولكنها ترفع تساؤلا مهماً: لمن ملكية أرض المسار الذي يمتدّ إلى عشر دول من تركيا والعراق وسورية وفلسطين والكيان الصهيوني ولبنان والأردن ومصر والسعودية ثم إيران مستقبلاً لترسم بالفعل خريطة «إسرائيل الكبرى». وهنا تعيش «إسرائيل» جنبا الي جنب مع الدول العربية والإسلامية بسلام باتفاقيات السلام العربية تحت غطاء المحبة والسلام المستترين.
إذن، ما نراه اليوم يقوم على إنشاء اتحاد فيدرالي يجمع الدول العربية و»إسرائيل» وتركيا كولايات، يكون التحكم المركزي في الموارد لدى السلطة الفيدرالية التي تضمّ «إسرائيل» في المرتبة الاولى، تأتي بعدها تركيا في المرتبة الثانية، ليتمّ التحكم المركزي في الموارد. ويقوم الاتحاد الفيدرالي بإزالة الحدود ومن ثم فلا مجال للخلاف حول وضع الفلسطينيين فمن حقهم حرية الحركة بالجواز الإبراهيمي. وعليه فإنّ الدعوة إلى الإبراهيمية، والترويجَ لها، يحمل في مضامينه أخطاراً كبيرةً في جوانب شتى، على العالمين العربي والإسلامي، ولا نكون مبالغين إذا قلنا بأنّهما أكبر الخاسرين من وراء نشر الإبراهيمية، والسعي إلى تكريسها…