الأمن المائي العربي والتحديات الإقتصادية والسياسية
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
الماء من أهم احتياجات الإنسان، وهو ضروري لتحقيق النمو وخدمات الصرف الصحي، وممارسات النظافة العامة الجيدة وكلها عوامل أساسية لاستمرارية الحياة.
تبلغ نسبة المياه التي تغطي الكرة الأرضية 70 بالمئة من مساحة العالم، لكن المياه العذبة لا تمثل سوى 2.5 بالمئة، وسنعرض في هذا المقال أهم الإشكاليات البيئية والتحديات الجيوسياسية المتعلقة بندرة المياه وانعكاساتها على الأمن المائي العربي وواقع المياه العربية الصعب؛ إذ لا يتجاوز نصيبه من الإجمالي العالمي للأمطار 1.5 بالمئة في المتوسط على حين تتعدى مساحته 10 بالمئة من يابسة العالم، وهو الأكثر ندرة في المياه بالعالم، حيث تقع 19 من بين 22 دولة عربية في نطاق شح المياه.
وتحصل 21 من 22 دولة عربية على مواردها المائية الأساسية من مياه عابرة للحدود، وتبلغ حصة الفرد الواحد في العالم العربي من المياه للأغراض المنـزلية والصناعية والزراعية بحدود 1250 متراً مكعباً في السنة وهي الأدنى للفرد في العالم، وينتظر أن تصل هذه النسبة إلى 650 متراً مكعباً بحلول عام 2025.
إن موارد المياه المتجدّدة في العالم العربي تبلغ نحو 350 مليار متر مكعب سنوياً، وتُغطّى نسبة 35 بالمئة منها عن طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة، فما انعكاسات ذلك سياسياً واقتصادياً على الأمن المائي العربي؟
حسب المؤشرات الدولية، فإن أي بلد يقلّ متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن 1000– 2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني ندرة مائية؛ لذلك، فإن 13 دولة عربية تعتبر بلداناً ذات ندرة مائية.
ويقدر العجز المائي المتوقع في المنطقة العربية بحوالي 261 مليار م3 في العام 2030، والمشكلة أن الدول العربية تشترك مع أكثر من دولة في نحو 300 نهر و100 بحيرة و300 خزان جوفي.
إن نهر النيل الذي يمر في مصر والسودان وإثيوبيا، يأتي عبره 56 مليار متر مكعب، ويعتمد عليه 150 مليون شخص من ضمن تسع دول إفريقية.
وسيرتفع عدد السكان من حوله إلى حوالى340 مليون شخص بحلول العام 2050، ما سيهدّد العلاقات بين هذه الدول.
إن العجز المائي المصري بسبب سد النهضة الإثيوبي يمكن أن يفرز آثاراً مباشرة وغير مباشرة على الأمن القومي المصري، لتصبح مسألة الحفاظ على الموارد المائية لنهر النيل أكبر من مجرد مسألة أمن بيئي تقنية بل ترتقي لتكون كمسألة سياسية تتعلق بالأمن القومي الحيوي لمصر.
أما نهرا الفرات ودجلة فينبعان من تركيا ويعبران سورية وينتهيان كمصب في العراق، يأتي من نهر الفرات 25 مليار متر مكعب، ومن نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب وقد بنت تركيا العديد من السدود على هذين النهرين لتخزن مليارات الأمتار من المياه التي سببت الجفاف في كل من سورية والعراق، مما شكل مسألة سياسية تتعلق بالأمن المائي للبلدين.
في مقابل كل دولارٍ يُستثمر في مياه الشرب الأساسية، يكون العائد 3 دولارات، فالمياه مهمة للإنتاج، إذ تسهم الزراعة بنسبة مهمة من إجمالي الناتج المحلي، والمياه أيضاً عاملٌ أساسي في توليد الكهرباء، والصناعة.
والأهم من ذلك أن 90 بالمئة من الوقائع المناخية مرتبطة بالمياه، ولذلك يعد تحسين إدارة الموارد المائية عاملاً أساسياً في الاقتصاد والسياسة، ويبلغ نصيب قطاع الزراعة من المياه العربية 88 بالمئة مقابل6.9 بالمئة للاستخدام المنزلي و5.1 بالمئة للقطاع الصناعي، كما نؤكد على أهمية التحرك العاجل في قطاع المياه على ثلاثة محاور: (1) تعزيز الإصلاحات على صعيد السياسات والمؤسسات، (2) زيادة الاستثمارات العامة والخاصة، و(3) تعزيز مشاركة المواطنين ونشير إلى أهمية تعزيز البحث العلمي والاستفادة من التكنولوجيا، والتعاون في مجال المياه العابرة للحدود، واستغلال موارد المياه غير التقليدية.
أصبح موضوع المياه مرشحاً لإشعال الحروب في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة أن أغلب الأقطار العربية لا تملك السيطرة الكاملة على منابع مياهها.
فإثيوبيا وتركيا وغينيا والسنغال وكينيا وأوغندا هي بلدان تتحكم بحوالي 60 بالمئة من منابع الموارد المائية للعالم العربي، واغتصاب إسرائيل لمعظم نصيب دول الطوق العربي من المياه في نهر الأردن ونهر اليرموك ونهر الليطاني إضافة إلى اغتصابها لمياه فلسطين المحتلة.
كما أن بعض الدول أخذت تتبنى اقتراحاً خطيراً يتمثل بتسعير المياه، أي بيع المياه الدولية، وفي مقدمة هذه الدول تركيا وإسرائيل.
والأخطر من ذلك تبني بعض المنظمات الدولية، كالبنك الدولي ومنظمة الفاو، لتلك الاقتراحات.
ختاماً، إن عجز المياه في العالم العربي أصبح قضية جيوسياسية بارزة تتعلق بالأمن المائي العربي، وخاصة على امتداد أحواض الأنهار الدولية، كما نؤكد على أهمية التعاون العربي والدولي لمواجهة التحديات وتنسيق الجهود للمشاركة والإدارة في أحواض الأنهار عابرة الحدود لتفادي التنازع والحروب على المياه، والإسهام في صون السلام والأمن المائي العربي والدولي.