الأزمة السورية .. الدمى تتساقط
صحيفة الوطن العمانية ـ
رأي الوطن:
في الوقت الذي تنشط فيه الدبلوماسية الروسية لفرملة جبروت القوة المنفلت من عقاله، وكبح جماح منطق القوة الفارغ من أي عقل وحكمة، لا يزال نعيق البوم يغطي سماوات الأطراف الأصيلة والوكيلة والعميلة في المؤامرة على سوريا، متَّبعًا النسق التحريضي ذاته في محاولة تبدو يائسة لجر كبير هذه الأطراف نحو مَهْلكة جديدة بعد مَهْلكتي أفغانستان والعراق، حيث كل طرف يبحث عن مصلحته الذاتية، ويبحث عن ما يمكن به أن يحقق أحلامه التي لم يصدق نفسه بعد أنها قد انقشعت وتبخرت، فمنهم من يحلم أن تحمله صواريخ الكروز والتوماهوك إلى كرسي السلطة في سوريا بذات السرعة المنطلقة بها، ويقاتل من أجل ذلك معتمدًا على أساليبه القذرة في التحريض والتأليب عبر الدعايات الكاذبة والوسائل المفضوحة، وكما لم يتورع في السابق عن ارتكاب المجازر واستخدام السلاح الكيماوي ضد الأبرياء في خان العسل والغوطة الشرقية وحي جوبر، لن يتورع عن ارتكاب المزيد من هذه الجرائم المروعة بحق المدنيين السوريين، كمحاولات يائسة لاختلاق الذرائع لجلب التدخل العسكري الأميركي، ولذلك فهو يحاول الاستماتة في تقمص دور الجلبي أثناء الإعداد لتدمير العراق، والتوظيف غير الأخلاقي بالعزف على وتر السلاح الكيماوي بترويج الشائعات والأكاذيب عن أن الحكومة السورية نقلت أسلحتها الكيماوية إلى العراق ولبنان، وأن انضمام سوريا إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية هو “تضليل”.
ومن بين هذه الأطراف أيضًا من يسعى إلى تجريف الدولة السورية من كل شيء من إسلامها المعتدل وثرواتها وتراثها وعقولها وكفاءاتها، ومباعث فخرها وعزتها وقوتها وكرامتها، مُتْقِنًا في ذلك دور العميل رسمًا وختمًا للقوى الامبريالية الاستعمارية ولقوة الشر المغتصِبة لأرض فلسطين التاريخية.
وعلى الرغم من سيادة المصلحة الذاتية لجميع هذه الأطراف الأصيلة والوكيلة والعميلة، فإن هدفًا واحدًا يجمعها وهو تدمير سوريا وإعادة هيكلتها وتقسيمها وفق المفهوم الصهيوني أو وفق المشروع الصهيو ـ أميركي الذي يمنع وجود دولة اسمها سوريا، وإنما وجود كيانات طائفية صغيرة تتناثر على أرض سوريا التاريخية ـ طبعًا حسب الرؤية الامبريالية الاستعمارية الصهيو ـ أميركية ـ لا وظيفة لها سوى الاحتراب والاقتتال الطائفي.
وفي هذا الظرف الاستثنائي الدقيق الذي تمر به سوريا خصوصًا والمنطقة عمومًا، تبرز روسيا الاتحادية ومعها الصين ودول البريكس وبقية الدول المحبة للسلام والاستقرار والرخاء والتنمية، قوة تمثل مبعث الخير والأمل في بلورة إمكانات وجهود خارقة لكبح جماح قوة الشر المضادة والساعية إلى تدمير النظام العالمي وتحويله إلى كتل لهب تحرق الحياة فيه. ولا تزال قوة الخير هذه تؤدي دورًا فاعلًا وطيبًا في تبريد الجبهة السورية بإعطاء الضمانات وممارسة الضغوط اللازمة على سوريا لتقديم تنازلات مؤلمة عن حقوقها ومصادر قوتها التي تكفل لها البقاء، ولكن على الرغم من ذلك تبذل سوريا دورًا كبيرًا من أجل إنجاح هذه الجهود الخيرة، وعلى وقع هذه الجهود والأدوار الفاعلة المشتركة أخذت الدمى المصنعة غربيًّا تتساقط هنا وهناك.
بالمحصلة، الأزمة السورية أعطت الصورة الكاملة للعالم، مفرِزة قواه الخيرة والشريرة، ومعطِية في الوقت ذاته إشارات قوية عن ولادة قطبية متعددة، ترسي دعائم الأمن والاستقرار والسلام في ربوع المعمورة.