الأزمة السعودية المفتعلة.. بين ابن سلمان والمخطط الأميركي
صحيفة الوفاق الإيرانية-
إيهاب زكي:
ارتأيت أن تكون هذه المقالة من جزأين، وذلك من باب الإحتياط، حتى لا يختلط الغث بالسمين، لذا سيكون الجزء الأول من باب ما تيسر من تحليل سياسي، أمّا الجزء الثاني فسيكون على سبيل الدعابة التحليلية، لأنّه بغير ذلك سيكون من يكتب هو بحد ذاته النكتة.
الجزء الأول
حتى السيد حسن نصر الله، وهو معروف بذكائه الاستراتيجي، وقدراته التحليلية والاستشرافية، لا أعتقد أنّه خطر في ذهنه، وهو يقول عن كمين الطيونة آخر الألغام، أنّ الولايات المتحدة فقدت اتزانها إلى هذا الحدّ، ولكن يبدو أنّ فقدان التوازن العسكري والسياسي، يؤدي إلى فقدان الاتزان الذهني والاستراتيجي.
حين رضخت الولايات المتحدة لقواعد كسر الحصار التي فرضها حزب الله، عبر قافلة البواخر الإيرانية، وأُجبرت على تجاوز محاذير قيصر، ورفع الحصار عن لبنان ولو جزئياً، قررت افتعال مجزرةٍ صادمة، لإجبار حزب الله على إقحام سلاحه في زواريب السياسة اللبنانية الداخلية، فكان كمين الطيونة بكل خِسته ودمويته. ولكنّ ترفّع حزب الله وإدراكه للنوايا الخفية والمعلنة للشيطان الأكبر، استوعب الضربة وقبض على الجمر، وارتأى السيد نصر الله أنّ الكمين آخر الألغام.
وعلى إثر سلوك حزب الله، وفي ترجمةٍ عملية لجعل الكمين آخر الألغام، ضغط من خلال المتابعة الجدية، باتجاه أن يصبح القضاء اللبناني قضاءً مستقلاً وفاعلاً، حتى يأخذ العدل مجراه، ولا يفلت المجرم من العقاب على ما ارتكب، ثم ذهب الرئيس اللبناني ميشال عون إلى خطوةٍ أبعد، حيث تقدم بطلب رسمي إلى روسيا، لتزويد لبنان بصور الأقمار الصناعية، للمساعدة في تحقيقات انفجار مرفأ بيروت، وكان ذلك على إثر تلميح الرئيس الروسي بأنّ بلاده قد تكون لديها صور لذلك الحادث.
كذلك اكتشفت الولايات المتحدة أنّ الرضوخ التام أمام حزب الله، والسماح بدخول الكهرباء الأردنية والغاز المصري عبر سوريا، لن يوقف تدفق النفط الإيراني إلى لبنان، وأنّ رضوخها يستوجب رضوخاً آخر، وتنازلها يستلزم تنازلات أكبر، كما اكتشفت أنّ موازين القوى مختلة لصالح حزب الله محلياً، ولصالح محور المقاومة إقليمياً، كما أنّ أدواتها المحلية في لبنان لا تمتلك الفعالية الناجزة والمطلوبة، لإعادة التوازن المختل بشكلٍ مهول، وهذا ما يستدعي تدخلاً عاجلاً، لإعادة إرباك حزب الله وخلط أوراقه.
ولكن كيف السبيل وقد أصبحت الأداة الدموية محاصرة قضائياً وسياسياً، ولا يمكن اختلاق مجزرةٍ جديدة، والأمر أصبح أكثر خطراً، حيث الإصرار على المتابعة القضائية لملف كمين الطيونة، والإصرار المقابل على كشف كل ملابسات انفجار المرفأ، والإصرار في اتجاه ثالث على كسر الحصار، يقابل كل ذلك عجز أمريكي عن قطع الطريق على القوافل الإيرانية عسكرياً، لأنّ هذا التهور ستدفع ثمنه “إسرائيل” أولاً، كما ستدفع الولايات المتحدة ثمنه ثانياً، من خلال إفقادها ما تبقى من توازنها في المنطقة.
وعليه تفتق العقل الأمريكي عن فكرة الدفع بأرعن واشنطن ابن سلمان، لافتعال أزمةٍ داخلية حكومية، يتم تسخير كل عبيد البيت وعبيد الحقل، للقيام بحفلات الندب وإحداث شرخٍ سياسي واجتماعي ومذهبي، في إعادةٍ لسيناريوهات قديمة مستجدة، لتدافعٍ مذهبي وطائفي. والحقيقة لا أملك من المعطيات ما يجعلني أجزم هل أنّ الهدف كان إسقاط الحكومة اللبنانية، ثم تراجع العقل الأمريكي في اللحظة الأخيرة، أمّ أنّ الهدف من البداية كان للإرباك ومحاولة ابتزاز العهد والحكومة والحزب مجتمعين وعلى حدة.
ولكن ما حدث ويحدث حتى اللحظة، يشي بأنّ الولايات المتحدة لا تريد إسقاط الحكومة، وفي مشهدٍ لم يحدث حتى في قبيلةٍ بدائية، حضر القائم بالأعمال الأمريكي اجتماعاً لخلية الأزمة، التي شكلتها الحكومة اللبنانية لمتابعة الأزمة التي افتعلتها أمريكا، وذلك بحجة التوسط بين لبنان والسعودية. ولنا أن نتصور حضور السفير الإيراني أو السفير السوري هذا الاجتماع، وكيف ستكون ردة فعل السياديين، الذين يطالبون الآن بنزع السيادة اللبنانية وتقديمها عربوناً لكل العابرين.
ومن خلال هذه الوساطة الأمريكية، ستتم ممارسة كل أشكال الابتزاز في سبيل إرضاء بن سلمان، ولكن الحقيقة هي إرضاء “إسرائيل” وأمريكا، ولن يتوقف الابتزاز على ملفاتٍ محلية، لها علاقة بترسيم الحدود والانتخابات وقوافل النفط وتحقيقات المرفأ والبيطار والطيونة وغيرها، بل سيمتد لملفاتٍ إقليمية، تشمل الملف اليمني والملف النووي الإيراني.
ولكن كما اكتشفت الولايات المتحدة أنّ إسقاط حكومة ميقاتي يحتمل مخاطرة أن يصبح حزب الله وحلفاؤه اللاعب الوحيد محلياً، ستكتشف ليس بعيداً أنّ محاولات الابتزاز محلياً وإقليمياً محاولات فاشلة، لأنّها لا تملك الأوراق الكافية محلياً وإقليمياً، وكل أدواتها لا تمتاز إلّا بالفشل. ومن هنا ندخل للجزء الثاني.
الجزء الثاني
حين تتابع إعلام النفط، ومنذ تولي ابن سلمان ولاية العهد، ترى أنهم يحاولون إقناعك بأنّه اسكندر العرب الأكبر، أرهقت غزواته الخيل ولم يتعب، وهو العقل المتقد والضمير المتوهج، وتتفكر طويلاً إن كان محررو هذا الإعلام، نزلاء رياض الأطفال أم مستشفى المجانين. وبما أنّ عقل ابن سلمان أصغر من أن يستوعب وأجوف من أن يفكر، تقوم الولايات المتحدة بإلصاق كل إخفاقاتها في اليمن وإيران ولبنان وسوريا وحتى العراق به، وآخرها أزمة مفتعلة مع وزيرٍ لبناني.
المملكة التي تريد أن يعاملها أهل المنطقة وشعوبها ودولها ومنظماتها على أنّها الشقيقة الكبرى، ومملكة العقل والحكمة والعطاء، تفتعل أزمة دبلوماسية، وتشنّ حرباً شعواء، على وزير لبناني، لمجرد كلامٍ قاله بصفته الشخصية لا الرسمية قبل توزيره، والمأساة أنّها ستنهزم أمامه، ورغم ذلك يريدون إقناعك أنّه الحزم في اليمن والحزم مع إيران وفي لبنان، وأنّه وحده يا وحده من تليق به أكاليل النصر ورايات الفتح.
كلمة أخيرة بشكلٍ جدّي
إنّ غزوة ابن سلمان الجديدة في لبنان، ستُسجل في دفتر الولايات المتحدة كفشلٍ جديد، وستكتشف قريباً أنّ أحد أعمدة النفوذ السعودي قد تهشمت، وهو عمود الرشوة السياسية، حيث النفوذ السعودي ارتكز على عمودين اثنين، الرشوة والوهابية الداعشية، وقد اضمحلت الوهابية الداعشية إلى حدٍ كبير، وهُزمت عسكرياً، وهي في طريقها للاندثار فكرياً حتى على أيدي مبتدعيها، وأزمة لبنان ستضرب عمود فعالية الرشوة السياسية إلى حدٍ كبير، وستكون الطامة الكبرى هو استمرار حكومة ميقاتي وإنجاز الانتخابات في موعدها، وفوز خصوم المملكة وأعداء أمريكا و”إسرائيل”.
إنّ الرعونة السعودية هي أحد مظاهر العوز الأمريكي، حيث كانت ما تسمى سياسات المملكة تبدو قديماً في هالةٍ من الحكمة، وهي ليست سوى سياسات احتواء أمريكية، وبما أن ما تسمى السياسة الخارجية السعودية، هي تخصص أمريكي بحت، فقديما كان لدى الولايات المتحدة قدرة على إدارة أدواتها بالشكل اللائق شكلاً ومضموناً، وبينما تراجعت هذه القدرة، تعرّت السياسات السعودية، كانعكاسٍ للخلل الذي أصاب العقل الإمبراطوري الأمريكي، فالسعودية أصلاً دولةٌ بلا عقل، وهي في تكوينها ليست دولة بالأصل، بل قبيلة صنع لها الاستعمار شكل دولة.