الأزمة الأوكرانية وأوجاع الركود التضخمي تجتاح الغرب
صحيفة الوطن السورية-
الدكتور قحطان السيوفي:
بعد أكثر من عامين من الركود الاقتصادي العالمي الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية من جراء تفشي جائحة فيروس كورونا، جاءت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والعقوبات الغربية على روسيا ليصبح الاقتصاد العالمي معرضاً مرة أخرى لارتفاع التضخم وتباطؤ النمو في آن معاً، وبات الطلب المفرط يتسبب في تحول أزمات العرض إلى تضخم مستدام، وتسعى البنوك المركزية للحفاظ على الطلب الحقيقي وهذا يؤدي إلى ركود تضخمي.
تتداول وسائل الإعلام مصطلح «Stagflation» ويعني التضخم المصحوب بالركود، وهو مصطلح مرادف للزيادات المزدوجة في الأسعار، وفقدان الوظائف يعني تراجعاً كبيراً في مبيعات الشركات ودخلها، والحرب الأوكرانية بدأت بحسابات محدودة وانتهت بأخطار جيوسياسية أربكت عالم المال وحسابات المستثمرين، ما يزيد من مخاطر الركود التضخمي وخاصة في الاقتصادين الأوروبي والأميركي.
أعطى البنك الدولي صورة داكنة للاقتصاد العالمي للفترة المقبلة في تقريره الصادر الأسبوع الماضي، وتوقع في الاقتصادات المتقدمة، أن تزداد حدة تباطؤ النمو من 5.1 في المئة عام 2021 إلى 2.6 في المئة عام 2022، أما في الاقتصادات النامية والناشئة فسينخفض النمو من 6.6 بالمئة إلى 3.4 بالمئة، وفي الولايات المتحدة الأميركية العديد من المراقبين يتحدثون عن اقتراب الاقتصاد الأميركي من حافة الركود، باستثناء الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يرى أن بلاده دخلت فعلاً حالة ركود، ترامب يعتقد أن الرئيس جو بايدن تسبب في دمار الاقتصاد الأميركي، اقتصاد الولايات المتحدة يمر بواحدة من أكثر المراحل اضطراباً وتشويشاً.
أكد بايدن، أنه يضع «التضخم على رأس أولوياته الوطنية»، ويشعر بمعاناة الأميركيين بعد أن بلغ التضخم أعلى معدل له في أربعة عقود.
وقال بايدن في كلمة في البيت الأبيض: «أعتقد أن التضخم هو التحدي الاقتصادي الأكبر لدينا الآن».
وذكر أن بعض «جذور التضخم، خارجة عن سيطرته» وكانت البيانات الاقتصادية الصادرة قد أظهرت ارتفاع معدل تضخم أسعار المستهلك في الولايات المتحدة بأعلى مستوى له منذ أواخر 1981، وهو ما يؤكد أوجاع الارتفاع المؤلم لنفقات المعيشة ويعزز الضغوط على مجلس الاحتياط الاتحادي «البنك المركزي» الأميركي من أجل زيادة أسعار الفائدة وربما بوتيرة أسرع وأكبر.
وبلغ معدل التضخم الأساسي في أميركا بعد استبعاد أسعار الطاقة والغذاء الأشد تقلباً 6.5 في المئة سنوياً.
إذا كان الاقتصاد الروسي يحقق مكاسب رغم العقوبات فإن الدول الغربية تتأرجح على حافة هوة اقتصادية نتيجة التضخم وارتفاع أسعار كثير من السلع، وانعكس ذلك في الأسواق المالية فقد قضى الانهيار الذي يشهده سوق الأسهم الأميركي في عام 2022 على أكثر من 7 تريليونات دولار من القيمة السوقية للأسهم القيادية في مؤشر «ستاندرد آند بورز 500».
وقال صندوق النقد الدولي مؤخراً في تقييم سنوي للسياسات الاقتصادية الأميركية إنه يتوقع الآن تراجع نمو إجمالي الناتج، وقالت وزارة الخزانة الأميركية رداً على تقليص الصندوق توقعه لنمو الاقتصاد الأميركي: إنها تقدر الرؤية الاقتصادية التي قدمها الصندوق، وأيضا وفي لقاء مع صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية توقع رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي الأميركي) الأسبق، بن بيرنانكي، دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود التضخمي، وكان رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي جيروم باول قد قال إنه سيمنح أولوية لخفض معدل التضخم على حساب النمو الاقتصادي، ورفع أسعار الفائدة قد يساعد في خفض التضخم، لكن زيادة تكاليف الاقتراض ستزيد من تراجع النمو.
يرى العديد من خبراء المال أن هنالك استحالة في تحقيق هذا الهدف من دون كلفة عالية على النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة، وسيتجه الاقتصاد الأميركي إلى الركود وفقاً لنحو 70 في المئة من اقتصاديين أكاديميين شملهم استطلاع أجرته «فاينانشيال تايمز» بالشراكة مع كلية بوث للأعمال في جامعة شيكاغو.
وفي أكبر مؤشرات الركود التضخمي التي ظهرت حتى الآن تراجع مؤشر «داوجونز» في نيويورك بنسبة 3.6 بالمئة من قيمته السوقية، وهذا أكبر تراجع يومي منذ العام 2020، وحذر نحو 40 في المئة من الاقتصاديين من أن الاحتياطي الفيدرالي قد يفشل في السيطرة على التضخم بالمزيد من رفع سعر الفائدة.
وهذه الأداة التقليدية لكبح جماح التضخم، لا تزال الوحيدة في أيدي المشرعين الأميركيين، وتضرب النمو، ولا يزال تأثيرها في احتواء الموجة التضخمية ضعيفاً، إلى درجة أن اضطر الرئيس بايدن، لوقف مؤقت للضرائب المفروضة على الوقود في بلاده، للتخفيف من أوجاع المستهلكين الأميركيين، الذين بدؤوا باستنزاف مدخراتهم وأموال التقاعد الخاصة بهم، لمواجهة ارتفاع تكاليف العيش.
بنك «جولدمان ساكس» خفض توقعاته للنمو الاقتصادي الأميركي، إلى 2.4 في المئة هذا العام، و1.6 في المئة في العام المقبل.
يمكن قراءة المعادلة الاقتصادية الأميركية الراهنة لكونها مخيفة وقاسية بين الألم المالي أو الركود التضخمي، والعقوبات الغربية على روسيا تسببت بأوجاع الركود التضخمي التي تجتاح العالم والغرب وخاصة المصاب بالصدمة التضخمية المصحوبة بالركود وبمزيج مؤلم من الأسعار المرتفعة والنمو المنخفض.