الأردن على صفيح إسرائيلي ساخن
وكالة أنباء آسيا-
هالة شحيبر:
إندلعت في الأردن موجة قلق شعبية تمظهرت في منشورات عبر مجموعات الواتساب والتيليغرام الاقل كشفا لكتابها من طرف دوائر الامن الاردني، وموضوع ” البتراء” هو نجم تلك الموجة التي إعتبر المواطنون المشاركون في حملة المنشورات والمتجاوبين معها من عامة الناس كما من المثقفين والوجهاء العشائريين، إعتبروا أن البتراء تتعرض لغزو إسرائيلي مباشر.
كيف ذلك؟
يوجد في البتراء، مكان معروف منذ قرون يسمى” مقام النبي هارون” وعلى عادة بلاد الشام وآهلها فحيثما يوجد قبر رجل صالح قد يكون نبيا او وليا أو مجرد وجيه عشائري مضى على وفاته قرون، فإن اهل تلك المناطق يطلقون لقب ” نبي” على اي مقام تاريخي. لذا لا دليل سند تاريخي لدفن هارون وريث نبي الله موسى عليهما السلام في هذه المنطقة.
أما الغزوة الاسرائيلية فتمثلت في موجات متتالية من المتطرفين الصهاينة الذي يتدفقون على المنطقة بحجة زيارة ذاك المقام والصلاة فيه. كما أن فيلما وثائقيا جرى تصويره في المقام والآثار المحيطة به في البتراء المشهورة عالميا بآثارها. وقد إستفز الاردنيين أكثر مشارك البوق الاسرائيلي أيدي كوهين في الحملة حول مقام النبي هارون، وهو المتخصص من طرف الحكومة الاسرائيلية بالترويج للدعاية الاسرائيلية باللغة العربية.
وقد إعتبر الشارع الأردني أن البتراء تتعرض الآن لما تعرضت له فلسطين من قبل، بداية بالادعاءات الدينية ومن ثم المزاعم حول الأرض المعطاة من الرب لاسرائيل ونهاية بالغزو والتوسع العسكري الاسرائيلي. وهذه المخاوف الاردنية لا تقلق الناس لانها إشاعات مجردة بل لأن الواقع التاريخي في فلسطين يؤكدها. بل إن مزاعم الصهاينة حول الجولان أقل مصداقية مما يقولونه عن البتراء وقد اغتصبوا الجولان السوري وأصبح العالم الغربي وعلى رأسه أميركا يعتبره ” إسرائيلياً”.
ماذا قال كوهين؟؟
إيدي كوهين زعم أن عشيرة البدول من سكان البتراء الأصليين كانت تعتنق الديانة اليهودية ، وبالتالي فمن الطبيعي أن توافق الحكومة الاردنية على تغيير قانون سلطة البتراء للسماح لغير الأردنيين بالتملك هناك. كلام الكوهين هذا المعطوف على نار أشعلتها قضية السماح للأجانب للتملك في البتراء فجرت القلق فقوبل هذا الموضوع بما يمكن تسميته هبة شعبية رافضة لما يقال في الشارع الأردني الآن ” أنه خيانة حكومية للشعب وتفريط بالاراضي والسيادة الاردنية”. لان القانون برأي منتقديه صمم لإفساح المجال للتسلل وتملك الأراضي في وادي موسى وحول البتراء الأثرية.
ومن المعروف أن الصهاينة يعتبرون البتراء جزء من الأراضي التوراتية وجزء من الكيان غير الشرعي المسمى “إسرائيل”؟
الملفت أن صهاينة أميركيين إشتروا اراض في المنطقة وأوصوا بتحويلها الى مدافن لهم ولعوائلهم من بعدهم باعتبار البتراء أراض مقدسة ولها مكانة خاصة عند من يعتبرون أنفسهم ذرية هارون وهم المعروفين عبر التاريخ وفي الكتاب المقدس لدى اليهود والمسيحيين(العهد القديم) بطبقة الكهنة.
لأن لا يصح في الديانة اليهودية ان يتولى الكهانة سوى ” من هم من ذرية هارون” لذا أغلب من يسمون أنفسهم منسوبين لعائلة ” كوهين” في الكيان الاسرائيلي وفي العالم هم في إعتقادهم من ذرية هارون.
ويعتقد الاردنيون الرافضون للتطبيع مع الصهاينة أن ما يجري الآن هو أن الصهاينة دخلوا مرحلة جديدة تمهد للاستيلاء على الأردن من بوابة البتراء، وكي يستولوا على البتراء فإنهم بحاجة إلى إقامة الحجة على حقهم فيها، وهذه الحجة تستوجب التأسيس لعناصر منها:
1. شرعية دينية أو تاريخية، وهذا موجود بالفعل في نصوصهم الدينية التي تدعي أنه كي يبعث المسايا (المخلص) لتقوم المعركة النهائية معركة نهاية الزمان (أرماجيدون) بين جيوش الايمان والكفر لا بد أن تكون البتراء تحت سيطرة ورثة هارون، بمعنى أن هناك شرعية دينية تدعيها كتبهم المقدسة.
2. شرعية سكانية وهو ما بدأوا بالترويج له من الزعم بان عشائر البدول يهود أصلا واضطروا إلى اعتناق الإسلام، ومن ثم حمل جثامين لأشخاص غير أردنيين من بلدان أجنبية ودفنهم في البتراء بمساعدة سفاراتهم، وكذا الهجمة المتواصلة لشراء وتملك الأراضي والعقارات في البتراء عبر محاولات متكررة بمساعدة الحكومة الأردنية للأسف لتغيير قانون للسماح لغير الأردنيين بالتملك في البتراء، وها هو القانون يدفع به الى مجلس النواب في هذه الدورة الاستثنائية، وذلك للمرة الرابعة على التوالي في مجلسين متعاقبين.
3. شرعية تاريخية يفتح أبوابها هذه التسميات الشعبية لبعض المواقع، ومنها المقام المزعوم للنبي هارون، ومحاولات زرع آثار في المنطقة ودفنها في مواقع متفرقة، وهو ما اعترفت به وزيرة السياحة السابقة مها الخطيب التي اثارت هذه القصة ويبدو أنها عوقبت عليها بفقدان منصبها!
4. شرعية سياسية يستمدونها اليوم من ضعف الدولة الأردنية وتهاوي الأمة العربية، ومن سيطرة اللوبي الصهيوني الكاملة على القرار في عواصم القرار العالمية، واعتماد سياسة الامر الواقع من قبل أميركا وإسرائيل أسلوبا لفرض الشرعية بدلا من سياسة الحق القانوني والتاريخي.
5. استثمارات سياحية وتجارية في المنطقة وهو ما يحاولون فعله منذ التسعينات ومشروع الشرق الأوسط الكبير والسلام الاقتصادي، وها هي ثماره تتحقق عبر مشاريع السكك الحديدية وخط الغاز ومشاريع المياه والمناطق الصناعية المؤهلة وغيرها.