الأبعاد المظلمة والمضیئة في الإتفاق النووي المؤقت
موقع الخنادق-
مصدق مصدق پور:
لماذا لا تقبل ایران بأي التزامات جديدة خارج بنود الاتفاق النووي المبرم في عام 2015، فيما تركيزها على رفع العقوبات، وترفض جملة وتفصیلا الاتفاق المؤقت مع الغربيين حول برنامجها النووي، بل ترى انه يتعارض مع مصالحها، ويقيد برنامجها النووي؟
من الواضح أن الهدف الرئيسي للمفاوضات في فيينا هو التنفيذ الكامل والفعال للاتفاق، والسعي لتطبيع العلاقات التجارية والتعاون الاقتصادي مع ايران، وبالتالي ترفض طهران اي نقاش في ملفات سياسية وأمنية، أو فتح ملفات لا علاقة لها بالاتفاق النووي، وتعتبر الأولوية هي لرفع العقوبات، وفي نفس الوقت تقول إن التقدم في مفاوضات فيينا يعتمد على تقديم ضمانات حقيقية بشأن العقوبات، وان لدیها خيارات أخرى اذا ما فشل التفاوض، وكافة الأطراف علی علم بذلك.
المفاوض الایراني يعلم جيدًا حقيقة أبعاد والتزامات الاتفاق المؤقت التي صممتها مراكز الابحاث الامنية والاستراتيجية الامريكية على قاعدة لعب الشطرنج بالذكاء الاصطناعي. ولم تتأتی هذه المعرفة عن فراغ بل ان طبیعة التجارب والدروس المستخلصة لثلاثة انماط من التفاوض سابقا مع الغرب، والتي انتجت اتفاقات مؤقتة فاشلة أبعدت الوصول الى الاهداف الرئيسية، وتسببت للأسف بمقايضة الذهب بالنحاس نتيجة للثقة المفرطة للحكومات الاصلاحية السابقة -آخرها حكومة الرئيس حسن روحاني- بالمفاوض الغربي التي لم تفطن الى المثل البريطاني المعروف “بان الدبلوماسي اذا قال نعم فانه يقصد لا”. واليوم أيضا لا يزال الغربيون يسعون وراء الاتفاق المؤقت في محادثات فيينا طالما يستعصي عليهم حل المشكلة بالكامل، ويرون ان الطرق غير سالكة لبسط هيمنتهم من جديد على ايران، ويصعب عليهم اقتلاع التقدم العلمي الايراني من جذوره وسد “الشريان الرئيسي”، لهذا فمن الافضل لهم سد الأوردة التي تغذي هذا الشريان، والزحف تدريجيا نحو الهدف الاصلي .
أمريكا والاتفاق المؤقت
یتوخی الأمريكيون من وراء خطة “الاتفاق المؤقت” أربعة أهداف رئيسية:
1-کسب الوقت وعدم اخراج نظام العقوبات الاقتصادية من الخدمة: من الواضح ان فعالية أداة العقوبات على البلد المستهدف تکتسب بمرور الزمن طبيعة متذبذبة. وهذا ما حدث بالنسبة للعقوبات المفروضة علی ایران والتي تأقلمت الاخيرة مع تأثيراتها، الامر الذي نلمسه من خلال ازدياد حجم التبادل التجاري مع العديد من الدول، وازدياد صادرات النفط الخام الإيراني وارتفاع سعره ،هذه المعطيات جعلت من عامل الوقت حاجة ملحة للولايات المتحدة لإعادة نظام العقوبات إلى ذروة اشتداده.
۲- محو الذاكرة التاريخية للعقوبات: تسعی امريكا لمحو الماضي السلبي لعقوباتها، ولکن من دون ان تدفع الثمن، وتضع نفسها عبر اتفاق مؤقت في نفس مستوى إيران، ولكي تحصل مرة أخرى على بطاقة دخول إلى غرفة المفاوضات، فان واشنطن تحتاج الیوم إلى ترمیم صورتها كدولة انتهکت التزاماتها لاتفاق دولي بغية تحقيق إجماع دولي ضد إيران. وأمريكا في عهد جو بايدن أحوج لاستعادة هذه المكانة، وأسهل السبل للوصول اليها عبر الاتفاق المؤقت، الذي يؤمّن لها شطب ماضيها من دون دفع أي ثمن.
۳- تحمیل النظام الاسلامي وزر فشل المفاوضات: من أهم الأهداف التي تسعى وراءها الولايات المتحدة من خلال مزاعم جديتها في التوصل لاتفاق من جهة، وارتهان الاقتصاد الايراني من جهة أخرى هو تأليب المجتمع ضد نظام الجمهورية الاسلامية باتهامه انه المعرقل لمسار المفاوضات والتشكيك بالتوجهات الاقتصادية الاصلاحية للحكومة الايرانية للتقليل من تأثيرات الحظر الاقتصادي. وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من تغيير المسار الاقتصادي في إيران نحو اقتصاد مقاوم او نحو الشرق وزيادة التحمل في مواجهة العقوبات، وهکذا تحاول واشنطن وضع العقبات امام المسار التصحيحي للاقتصاد الايراني، وتفجير اعتراضات شعبية تجاهه، ويمكن أن يكون للاتفاق المؤقت تأثير كبير في هذا المجال من خلال تشديد العقوبات التي فقدت مخالبها.
4- وضع المراكز النووية الايرانية تحت رحمة مفتشي الوكالة الدولية: في الوقت الذي تحتاج فيه طهران للطاقة النووية لأغراضها العلمية فان الاتفاق المؤقت سيشدد هيمنة نظام المراقبة والتفتيش الصارم لوكالة الدولية للطاقة الذرية على البرنامج النووي بهدف وضع عراقيل جدية أمام تقدمه لان وتیرة التقدم السریعة في البرنامج النووي هي مصدر قلق جدي للولايات المتحدة، وان الاتفاق المؤقت سیعمل علی تصفیر هذه الوتیرة، وسیمنح واشنطن الوقت اللازم لتنفيذ سائر سياساتها الأخرى.
علی أي حال ان الاتفاق المؤقت هو تصميم قديم، ولکن بأُطر جديدة، ولن تقبل ايران ان ُتلدغ من جحر مرتان.لهذا يبدو ان الاتفاق المؤقت ليس وليد مفاوضات دبلوماسية طارئة، وانما هو نتاج بحوث ودراسات مسهبة أجرتها مراكز استراتيجية أميركية، وفي هذا السياق كشف مركز الأمن الأمريكي الجديد Center for a New American Security في مقال له عام 2020 تحت عنوان “إعادة التعامل المتجدد مع إيران”، عن خطة قريبة جدًا من بنود الاتفاق المؤقت اطلق علیها اسم “توقف واستدارة الى الوراء”.
کما أجری مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية Center for Strategic and International Studies خلال اجتماع بعنوان “هل ان التوقف مقابل التوقف طريق مناسب لإعادة التعامل مع إيران؟” دراسة حول الاتفاق المؤقت باسم “توقف مقابل توقف” كأساس للتوصل إلى اتفاق طويل الأمد.
الیوم يُطرح السؤال نفسه بقوة: لماذا لم تفلح محادثات فيينا في ايجاد القطبية الثنائية في ايران بالشكل الذي يرتأيه الجانب الغربي؟
فی مقال نُشر عام 2020 تحت عنوان “يجب على بايدن التوقف عن البرنامج النووي الإيراني وإيقافه والتراجع عنه” استخدمت مجموعة الأزمات الدولية International Crisis Group أيضًا تسمية “التحدید والتعليق والتراجع” لوصف الاتفاق المؤقت. واللافت هنا أن روبرت مالي کان الرئيس والمدير التنفيذي لمجموعة الأزمات حتى بداية عام 2021، وهذا الشخص يواجه الیوم إيران كرئيس للوفد الأمريكي المفاوض.
وفي دراسة أخری، أوصت مجموعة الأزمات الدولية بأن یعرض الوفد الأوروبي المفاوض في فیینا، في اطار “الاتفاق المؤقت”، على الجانب الایراني، تعلیق بعض الانشطة الأكثر حساسية في مجال الانتشار النووي، مثل تخصيب اليورانيوم بما يزيد عن 3.67٪، واستخدام اجهزة الطرد المركزي المتطورة، أو إنتاج معدن اليورانيوم مقابل إعفاء محدود من العقوبات على بيع النفط أو تحریر جزء من الأصول المجمدة. واطلقت المجموعة علی هذه الخطة اسم “خطة العمل المشترکة السلبية”.
الملاحظ ان مجموعة الأزمات الدولیة رکّزت بشکل خاص على محادثات فيينا طیلة الاشهر الأخيرة، وما یدعو الی القلق من أنشطتها هو ان هذه المؤسسة الأمنیة والاستراتيجية تمول من قبل رأسماليين كبار مثل سوروس وكوك. وقد تم تحليل وصیقلة فكرة “الاتفاق المؤقت” من قبل مراكز الفكر الاستراتيجي والأمني الامریکیة، الی ان وصلت الی متناول البعثة الدبلوماسیة للترویکا الاوروبیة التي اقترحتها بدورها علی الوفد الایراني المفاوض.