الأبعاد الجيو سياسية للغارة الاميركية على سورية: استعادة الدور الاميركي، ووضع قواعد إشتباك جديدة
موقع إنباء الإخباري ـ
وحيد مصطفى*:
أثارت الضربة العسكرية الاميركية الاخيرة على مطار الشعيرات العسكري السوري الكثير من التحليلات والاسئلة حول أهدافها الحقيقية، وتداعياتها الجيو سياسية على مُجمل المشهد السياسي والعسكري في سوريا.
ومن اللافت أنَّ الخسائر العسكرية المباشرة للضربة كانت محدودة، وسبق الضربة إعلام موسكو بها (1)، وهو ما قد يُفسر ما نُقل من أنَّ الجيش السوري قام قبل الهجوم الاميركي بإجلاء الأفراد والمعدات من القاعدة الجوية، ما يمكن أن يدل على أنه توقع الهجوم الصاروخي (2) وأنَّ دمشق عرفت مسبقا بالضربة الأميركية على مطار الشعيرات، وتم ابلاغ قادة المطار لإخلائه من الطائرات الحديثة وخاصة السوخوي، وبقدر الامكان الأسلحة المتطورة (3)
وانطلاقا مما تقدم، ما هي الأهداف الحقيقة للضربة العسكرية؟ وفي أي سياق سياسي يُمكن إدراجها؟
من خلال تحليل الأداء السياسي الأميركي في منطقة الشرق الأوسط، إثر استلام الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب للسلطة، والإجراءات السياسية و الميدانية، يُمكن استنتاج تحول استراتيجي في السياسة الخارجية الأميركية، مُغاير لما كان عليه الوضع في عهد الرئيس السابق اوباما، والذي يسعى إلى تحقيق جملة أهداف جيو سياسية كالتالي:
• محاولة أمريكية لاستعادة النفوذ والدور في سورية، والذي بدأ بتواجد قوات أمريكية في الشمال السوري – يوجد 4 قواعدعسكرية أميركية وفق تقارير اعلامية – وتشكل الضربة العسكرية نقطة انعطاف في الأزمة السورية، وهي تفترض الإعداد لمرحلة ما بعد الضربة على المستويات السياسية والعسكرية لأميركا في سورية (4)
• منع أي تسوية سياسية، لا تأخذ بعين الاعتبار المصالح الاميركية في المنطقة .
• الحد من النفوذ الايراني، مع زيادة الضغوط على حزب الله
• تقاسم النفوذ والمصالح في سورية مع الروس، وهو ما عبَّرعنه تصريح وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، من أنه “على روسيا الاختيار بين التحالف مع واشنطن أو حلفاء الأسد كإيران وحزب الله” (5)
لكن ليس من بين تلك الأهداف بقاء أو رحيل الرئيس السوري بشار الاسد، و”رحيل الأسد ليس الأولوية الوحيدة”، كما صرحت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هالي (6)، إنما الأولوية حفظ المصالح الأميركية الحيوية في سوريا والمنطقة.
ومن ثمَّ تندرج الضربة العسكرية الأميركية ، في إطار ذلك التحول السياسي الاميركي ، وكإجراء إختباري لرد فعل الروس، وحدوده.
لكن ما هي التداعيات؟
ما حصل استفز الادارة الروسية، واعتبر الرئيس الروسي بوتين أن الضربة الاميركية تشكل “عدواناً ضد دولة ذات سيادة وانتهاكاً للأعراف الدولية”، وبيَّن أن “حقيقة تدمير جميع احتياطات السلاح الكيميائي للقوات المسلحة السورية تم تسجيلها وتأكيدها من قبل منظمة حظر السلاح الكيميائي”. (7)
فيما أثار ترحيب العديد من الدول العربية فضلاً عن تركيا و”إسرائيل”، كما وفَّر دعماً معنوياً للمعارضة السورية بعد سلسلة انكفاءات ميدانية لها .
إلا أنَّه من المستبعد أن يؤدي هذا العدوان إلى رفع مستوى التوتر بين موسكو وواشنطن إلى حدود الصدام العسكري المباشر، إذ لا يوجد أي مصلحة لهما في إشعال حرب واسعة النطاق.
وكان النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية في مجلس الاتحاد الروسي فلاديمير جباروف قد أوضح أن روسيا لا تنوي استخدام القوات الجوية الفضائية، بحال تكرار الضربة الاميركية، وإن روسيا لا يمكنها أن تتورط في مواجهة مسلحة، رغم وجود توجه روسي – إيراني بعدم السماح لأميركا بأن تهيمن على العالم وتفرض نظام القطب الواحد، وفق تعبير وزير الدفاع الايراني علي شمخاني .
وفي هذا السياق، وعلى الصعيد الروسي، تم اللجوء إلى تعليق اتفاقية السلامة الجوية – وليس الإلغاء – والإعلان عن توجه لتعزيز الدفاعات الجوية السورية، مع تحذير روسي، من أن الهجوم الأخير على سوريا يخدم المتطرفين، ويخلق تهديدات إضافية للأمن الإقليمي والعالمي، وفق تعبير وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
على الصعيد الأميركي، فقد هدفت زيارة وزير الخارجية الاميركي لموسكو مؤخراً، إلى تنظيم الاختلاف بين الروس والأميركيين، أو تغيير قواعد الاشتباك، وتقديم إغراءات لفك التحالف بين الروس من جهة وإيران والحكومة السورية من جهة أخرى.
وفيما يتعلق ببيان غرفة عمليات الحلفاء، والذي وعد بردّ قويّ على كل عدوان مستقبلي من أميركا، فقد يشكل رادعاً الى حدٍ ما ، لكن ليس مطلقاً.
في المحصلة، أعادت الغارة الأميركية خلط الأوراق من جديد، مما يؤشر إلى استمرار الأزمة السورية، واستبعاد الحل السياسي ضمن المنظور القريب، لكن لا يعني ذلك – بالضرورة – نجاح واشنطن بتحقيق كل أهدافها.
* مُحلل سياسي
………………………………………………………………………..
1- الكرملين: موسكو تلقت تحذيرا قبل الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات
موقع النشرة الإلكتروني الجمعة 07 نيسان 2017
2- قناة تلفزيون”ABC” 7-4-2017
3- الجمعة 07 نيسان 2017 08:56النشرة الدولية
4- وفق تصريح السفير الأميركي السابق والمسؤول السابق في وزارة الدفاع لينكولن بلومفيلد لصحيفة “الحياة”8-4-2017
5- صحف 11-4-2017
6- الاخبار العدد ٣١٤٩ الاثنين ٩ نيسان ٢٠١٧
7- صحف 7-4-2017