الآثار والكنوز التاريخية.. بين اجرام داعش ومافيا التهريب
لا يزال تنظيم داعش الارهابي يواصل ارتكاب جرائمه البشعة بمختلف انواعها، والتي تتضمن أعمال القتل والتعذيب والاغتصاب والاستعباد الجنسي وتجنيد الأطفال والعبودية، وجرائم تدمير دور العبادة و بيع وتهريب النفط و الاتجار بالأسلحة، يضاف الى ذلك تدمير وسرقة الاثار والكنوز التاريخية، التي اصبت اليوم مصدر مهم من مصادر تمويل هذا التنظيم الخطير، حيث يوظف تنظيم داعش وكما تنقل بعض المصادر، مافيا تهريب دولية لبيع قطع أثرية عراقية وسورية لتمويل عملياته في المنطقة، فيما يعمد عناصره إلى تدمير ما تبقى من أثار دينية وتاريخية في المناطق الخاضعة لسيطرته باعتبارها أوثان. وقد أكدت صحيفة الكوريير النمساوية أن تنظيم داعش الإرهابي يجني عشرات الملايين من الدولارات من خلال سرقته وبيعه للكنوز الأثرية في العراق وسوريا. بدوره كشف سفير العراق لدى الأمم المتحدة محمد الحكيم أن تنظيم داعش الإرهابي يكسب 100 مليون دولار سنويا عن طريق بيع القطع الأثرية المسروقة من المواقع الأثرية والمتاحف في سورية والعراق.
من جانب اخر ذكرت صحيفة الصانداي تليغراف البريطانية، ان تتظيم داعش الارهابي اسس وزارة للأثار لإدارة عمليات النهب في العراق وسوريا. وتقول الصحيفة إن عمليات نهب وبيع الأثار والتحف التاريخية السورية أدرت عشرات الملايين من الدولارات وهو ما يناهز المبالغ التي حصل عليها التنظيم من اختطاف وإطلاق سراح الغربيين نظير فدية مالية. وتضيف أن التنظيم منذ اجتاح مساحات شاسعة في العراق وسوريا العام الماضي بدأ بتأسيس منظومة إدارية تسمح له بتسيير شؤون المناطق التي يسيطر عليها بما في ذلك إنشاء وزارات ودوائر إدارية. وتضيف الصحيفة إن التنظيم قام بنهب الأثار في العراق عندما سيطر على مدن الموصل ونمرود والحضر كما فعل نفس الشيء عندما سيطر على تدمر في سوريا.
متحف تدمر
وفي هذا الشأن فقد اقتحم مقاتلو تنظيم داعش متحف مدينة تدمر الأثرية في وسط سوريا، وحطموا عددا من المجسمات الحديثة، ثم وضعوا حراسا على أبوابه، وفق ما أعلن المدير العام للآثار والمتاحف السورية مأمون عبد الكريم. وقال عبد الكريم في مؤتمر صحافي في دمشق “تلقينا معلومات من تدمر قبل انقطاع الاتصالات بأنهم فتحوا أبواب المتحف ودخلوا إليه، وكان هناك تكسير لبعض المجسمات الحديثة التي تمثل عصور ما قبل التاريخ وتستخدم لأهداف تربوية، ثم أغلقوا أبوابه ووضعوا حراسا على مداخله”.
وأكد عبد الكريم رفع الجهاديين رايتهم على القلعة الإسلامية التي يعود تاريخ بناؤها إلى القرن الثالث عشر وتطل على آثار المدينة القديمة. ووفق عبد الكريم، فإن “مئات القطع الأثرية في المتحف قد نقلت إلى دمشق منذ زمن وعلى دفعات”. لكنه أبدى خشيته على “القطع الضخمة التي لا يمكن تحريكها على غرار المدافن الجنائزية”. ويطلق على تدمر اسم “لؤلؤة الصحراء” وهي معروفة بأعمدتها الرومانية ومعابدها ومدافنها الملكية التي تشهد على عظمة تاريخها. بحسب فرانس برس.
ولا تشهد المواقع الأثرية أي تحركات لمقاتلي التنظيم المتطرف، وفق عبد الكريم الذي أمل “أن لا تتعرض المدينة لأعمال تدمير مشابهة لتلك التي حدثت في العراق”، في إشارة إلى تدمير التنظيم لآثار الموصل ومدينتي الحضر ونمرود. وشدد عبد الكريم على “ضرورة البحث عن استراتيجيات جديدة للتعامل مع الوضع القائم في تدمر” داعيا “المجتمع الدولي إلى تقديم دعم مختلف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه”.
وأضاف “سنفكر بإجراءات يمكنها منع هؤلاء من تدمير التراث الثقافي السوري”. وقبل اندلاع النزاع السوري في منتصف شهر آذار/مارس 2011، شكلت تدمر وجهة سياحية بارزة إذ كان يقصدها أكثر من 150 ألف سائح سنويا لمشاهدة آثارها التي تضم أكثر من ألف عمود وتماثيل ومعابد ومقابر برجية مزخرفة، تعرض بعضها للنهب أخيرا، بالإضافة إلى قوس نصر وحمامات ومسرح وساحة كبرى.
وعبر مجلس الأمن الدولي في بيان عن قلقه العميق على سكان مدينة تدمر السورية وآثارها بعد سقوطها بأيدي تنظيم “داعش”، وذلك بالنظر لممارسات التنظيم المتطرف المعتادة من خطف واستغلال للأطفال واغتصاب وزواج قسري للنساء واعتداء على الآثار. وطالب مجلس الأمن بفتح ممر آمن للمدنيين الراغبين في الفرار من المعارك. وقال المجلس في بيان رئاسي صدر بإجماع أعضائه ال15 انه قلق بالخصوص على مصير النساء والأطفال وطالب المجلس كل المتحاربين بفتح “ممر آمن” للمدنيين مذكرا بان “المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق الحكومة السورية لحماية مواطنيها”. وأعربوا عن “قلقهم العميق” إزاء مصير آثار تدمر المدرجة على قائمة اليونيسكو للتراث العالمي.
من جانبها حذرت المديرة العامة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) من ان تدمير مدينة تدمر الاثرية السورية سيشكل “خسارة هائلة للبشرية”. وقالت ايرينا بوكوفا في شريط فيديو نشر على موقع المنظمة الالكتروني ان “تدمر موقع تراث عالمي فريد في الصحراء، واي تدمير لمدينة تدمر لن يكون جريمة حرب فحسب وانما ايضا خسارة هائلة للبشرية”.
وعبرت عن “قلقها الشديد” ازاء الاحداث الاخيرة هناك وكررت دعوتها الى وقف اطلاق نار فوري وانسحاب القوات العسكرية. واضافت بوكوفا “انها مهد الحضارة البشرية. انها ملك للبشرية جمعاء واعتقد ان الجميع اليوم يجب ان يكونوا قلقين لما يحصل”. وحثت بوكوفا المجموعة الدولية وبينها مجلس الامن الدولي والزعماء الدينيين على توجيه نداء لوقف العنف.
تجارة مربحة
لقد جعل استيلاء داعش وكما تذكر بعض المصادر الاعلامية على المدينة السورية تدمر، وهي الواحة القديمة وموقع اليونسكو للتراث العالمي، علماء الآثار وخبراء الأمن القومي يحبسون أنفاسهم خوفًا على مصير الفن والآثار القديمة الموجودة في تلك المدينة. وغالبًا ما جعلت داعش من الهدم العلني للآثار والتماثيل القديمة جزءًا من حملة العلاقات العامة الخاصة بها، ولكن لعبة التنظيم فيما يتعلق بالآثار أكثر ربحية بكثير من ذلك. ومنذ صيف عام 2014، استفادت داعش من شبكة دولية من لصوص ومهربي وتجار الآثار؛ وقبل داعش، كانت العصابات المحلية هي من تدير هذا النوع من النهب في سوريا. وبسبب وفرة المواقع الأثرية القديمة، كان الاتجار بالآثار واحدًا من أكثر أنواع الجريمة المنظمة رواجًا في البلاد.
وبعد أن يتم تداول القطع الأثرية بين المنظمات داخل سوريا، كانت هذه القطع تصل في نهاية المطاف إلى مشترين من خارج البلاد، يقومون بدورهم بتخزينها في مستودعات. وكانت معظم تلك المخازن تتواجد في تركيا، بالإضافة إلى وجود بعضها في بيروت، وجنيف، وأماكن أخرى، بما في ذلك بعض المناطق الحرة في المطارات الدولية، حيث يمكن حفظ هذه القطع لعقود من الزمن دون المرور عبر الجمارك.
ولمعرفتهم بأن هذه القطع قد تجذب انتباه السلطات إذا ما بيعت في وقت قريب جدًا من وقت نهبها، كان تجار الآثار ينتظرون حتى تهدأ الأمور، ولما يتجاوز العقد من الزمن أحيانًا، قبل طرحها في أسواق الولايات المتحدة وأوروبا أو طوكيو. ومن ثم جاءت داعش وغيرت اللعبة. وبدأ التنظيم من خلال فرض الضرائب، حيث أجبر اللصوص والمشترين على دفع 20 في المئة حتى مغادرة القطعة للمنطقة. وبحلول خريف عام 2014، أنشأت داعش مكتبًا في منبج، وهي بلدة في شمال سوريا، وانتشر أفراد التنظيم للسيطرة على المواقع الأثرية، ومنعت اللصوص المحللين من الحفر تمامًا، ومن ثم استدعت المقاولين الخاصين بها، وقامت بإصدار التراخيص الرسمية.
وبدلًا من الحفر في المواقع الأثرية باستخدام المعاول، تم شراء الآلات الثقيلة. وتظهر صور الأقمار الصناعية أن داعش تركت هذه المواقع مثقبة مثل قطعة من الجبن السويسري.
وليس من الواضح بالضبط كم من الأموال تجني داعش من تجارة الآثار، ولكن هذه التجارة تعد مصدر دخل مهم للتنظيم. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن نهب الآثار كان ثاني أكبر مصدر للدخل بالنسبة لداعش بعد النفط. وذكرت صحيفة الغارديان أن بيانات تم الاستيلاء عليها من مخبأ أحد زعماء داعش تظهر أن المجموعة جمعت 36 مليون دولار من نهب آثار النبوك وحدها.
وعندما تصاعدت الحرب الأهلية في سوريا في عام 2012، كانت هناك زيادة طفيفة في عمليات النهب. وفي العام التالي، وقبل أن تدخل داعش تحديثاتها إلى هذه التجارة، كانت لجنة التجارة الدولية الأمريكية قد أعلنت أن تجار الولايات المتحدة اشتروا ما قيمته 11 مليون دولار من الآثار السورية في عام 2013، أي بزيادة قدرها 134 في المئة عن العام السابق. وفي الوقت نفسه، يستعد المحققون، والمدعون العامون، والسياسيون، في الولايات المتحدة، لتعقب ظهور موجة من القطع الأثرية المسروقة في السوق في غضون سنوات قليلة. ويقول برينتون إيستر، ويعمل على قضايا الملكية الثقافية مع دائرة الهجرة والجمارك في الولايات المتحدة: سوف تطل هذه القطع برؤوسها في كل مكان تقريبًا. ويضيف إيستر أنه يعتمد على كادر من المصادر لتعقب هذه العناصر، بما في ذلك الخبراء والتجار ومن يقومون بالشحن.
ويقول إيستر إنه يعرف بعض التحف الجديدة التي تغادر سوريا الآن، ويجري تخزينها في المستودعات في أماكن مثل تركيا. ويقوم الخبير بتتبع كل القطع الموجودة في قاعدة بياناته؛ وبهذه الطريقة، يستطيع أن يعرف ما إذا كانت هذه القطع سوف تشق طريقها إلى سوق الولايات المتحدة. وبدوره، يقول المدعي العام في نيويورك، ماثيو بوغدانوس، إنه يشعر بالقلق منذ سنوات إزاء استفادة الإرهابيين من تجارة الآثار. وقاد بوغدانوس التحقيق في المتحف الوطني العراقي في عام 2003، وكتب عن تجربته في كتاب بعنوان لصوص بغداد. والآن، يعمل بوغدانوس مع إيستر في تتبع هذه القضايا.
ومن المحبط جدًا بالنسبة لبوغدانوس هو أنه، وبموجب القوانين الاتحادية، يجب على النيابة العامة إثبات أن المتهم يعلم بأن هذه القطعة الأثرية أصلية ومسروقة حتى يتم توجيه التهمة له. وفي كثير من الأحيان، لا يحصل المهربون سوى على تهمة انتهاك قوانين الجمارك من خلال عدم الإعلان عن القطع العتيقة بشكل صحيح عند العبور إلى الولايات المتحدة. ويقول إيستر إن هذه التهمة تؤدي إلى عقوبة أقل بكثير مما يستحقه المهربون. ويضيف: إن مخاطر القيام بهذا صغيرة بشكل لا يصدق هنا في الولايات المتحدة، وفي المقابل، تعد المكافآت مرتفعة بشكل لا يصدق أيضًا.
ولكن، بوغدانوس يقول إنه وجد وسيلة أخرى لمعاقبة المهربين، وهي اتهامهم بغسيل الأموال. وفي التحقيق الذي أجرته مباحث الأمن الداخلي في نيويورك مؤخرًا، استخدم المحققون اتهامات غسيل الأموال في الاستيلاء على حسابات مصرفية للمتهمين، وتعقب منظمة إجرامية عبر الحدود الوطنية، واستعادة العشرات من القطع الأثرية القديمة التي نهبت من العراق. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة متخلفة عن غيرها من الدول الغربية، التي لديها قوانين أكثر صرامة ضد تهريب الآثار.
وفي فبراير الماضي، أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بحظر تجارة الآثار السورية التي تم استخراجها بعد عام 2011. وفي المقابل، قدم مشروع القانون المماثل، وهو حماية وصون الممتلكات الثقافية الدولية، إلى مجلس النواب الأمريكي، في مارس/ آذار فقط. ويحاول عضو الكونغرس، وليام كيتنغ، تمرير مشروع قانون آخر لتعزيز التدريب والتواصل بين العملاء الفيدراليين في هذا الشأن.
محاولات عالمية للانقاذ
الى جانب ذلك يؤدي ممر في مقر منظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في باريس إلى مكتب متواضع به نباتات مزروعة في آنية وثلاثة مكاتب صغيرة أصبح غرفة العمليات في الحرب على الآثار المسروقة من العراق وسوريا. وقالت ميشتلت روسلر نائبة مدير إدارة التراث “اليونسكو ليس لديها خوذ زرقاء” مشيرة إلى رمز قوات حفظ السلام التابعة للامم المتحدة. وأضافت “نحن نعمل بثلاثة أفراد… فماذا تريد منا أن نفعل؟”
وتوالت المشاهد من نهب تنظيم داعش لمدينة نمرود الآشورية القديمة ومقطع الفيديو الذي ظهرت فيه تماثيل وأعمال نحت مدمرة في مدينة الموصل بالعراق ثم السيطرة على مدينة تدمر الاثرية في سوريا لتؤكد عجز العالم عن إنقاذ بعض من أنفس كنوزه الأثرية. ومع رفض القوى الكبرى إرسال قوات إلى المنطقة وسع مقاتلو التنظيم نطاق مايسمى دولة الخلافة التي أعلنوها في مواجهة القوات الحكومية المستنزفة ذات المعنويات المنخفضة في كل من سوريا والعراق. ومن السهل تفهم توجيه أقصى الاهتمام لإخفاق العالم في وقف أعمال القتل اليومية والفظائع والأزمات الانسانية المتزايدة في البلدين.
غير أن عجز العالم عن تأمين المواقع التراثية من مجموعة من التهديدات يزيد المشاكل مستقبلا إذ أن ذلك يقضى على أبواب رزق مهمة قائمة على السياحة بالاضافة إلى أن الآثار تمثل مصادر لتمويل المقاتلين الاسلاميين. وقالت روسلر التي شهدت خلال فترة عملها تدمير جسر موستار التاريخي في البوسنة الذي يرجع للعصر العثماني على أيدي القوات الكرواتية كما شهدت نسف قوات طالبان لتمثالي بوذا في باميان بأفغانستان عام 2001 “الوضع في سوريا والعراق لم يسبق له مثيل.”
ومع ذلك فإذا كان العالم قد اكتسب خبرة واسعة في التعامل مع الاعتداءات على المواقع الأثرية فإن السعي لوضع استراتيجية لمكافحة هذه الاعتداءات في غاية الصعوبة. واحتلت اليونسكو في ظل رئاسة وزيرة الخارجية البلغارية السابقة ايرينا بوكوفا التي تتقن عدة لغات الصدارة في النداءات العالمية من أجل وضع حد لتدمير الآثار. لكن مواردها محدودة لأسباب ليس أقلها قرار الولايات المتحدة عام 2011 وقف تمويل المنظمة بعد أن أيد الأعضاء الآخرون طلب الفلسطينيين الحصول على العضوية الكاملة فيها.
وعقد ما لا يقل عن ستة مؤتمرات دولية على مر السنين لحماية التراث. وانطلقت أجراس الانذار في قرارات مجلس الأمن وفي الاعلانات الصادرة عن رؤساء الدول والمتاحف الكبرى وعالم الفن. غير أنه رغم إحراز بعض النجاحات في استرداد بعض القطع فما زالت هذه المساعي تواجه صعوبات بسبب تفاوت أساليب السلطات في الدول المختلفة والفشل في التعامل مع شبكات التهريب مباشرة ونقص المعلومات الأساسية عن السوق التي تتعامل فيها هذه الشبكات.
وقال جيسون فيلش الذي شارك في تأليف كتاب “مطاردة أفروديت” عن كيفية وصول الآثار المنهوبة في أيدي المتاحف العالمية “عندما تطرأ أزمة كهذه نشعر بضرورة التحرك. لكننا لا نعرف ماذا نفعل”. ومنيت المواقع الاثرية المشهورة في سوريا بأضرار جسيمة خلال السنوات الاربع التي انقضت منذ تفجر الاشتباكات من بينها تدمير تحف معمارية مثل السوق القديم في حلب.
ففي أواخر عام 2014 انقضت وسائل الإعلام في مختلف أنحاء العالم على تأكيد عالم آثار يعمل بتمويل أمريكي أن تهريب الآثار أصبح ثاني أكبر مصدر للإيرادات لدى تنظيم داعش بعد مبيعات النفط. بل إن البعض قدر الايرادات بمليارات الدولارات. وفي الوقت نفسه أظهرت صور التقطتها أقمار صناعية ونشرتها الحكومة الأمريكية وآخرون مواقع أثرية مثل مدينة دورا أوربوس الأثرية التي تعرف محليا باسم (صالحية الفرات) وقد تزايدت فيها الحفر من جراء عمليات الحفر للتنقيب عن الآثار خلال الفترة من منتصف عام 2012 إلى أوائل 2014.
ويعتقد بعض الخبراء أن أسوأ عمليات النهب تمت عندما كان الموقع تحت سيطرة مايسمى الجيش السوري الحر الذي يحظى بدعم غربي وعربي فيما يشير إلى أن المشكلة متفشية وتؤثر في مواقع عديدة بغض النظر عن الفصائل المسؤولة عن المنطقة. ورغم أن هذه الصور مازالت مقبولة كأدلة على أن السرقة تحدث على نطاق واسع فقد ظهرت شكوك في أسلوب حساب العوائد وأسس تقديراتها. وقال ريتشارد ستنجل وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للدبلوماسية لعامة والشؤون العامة في مؤتمر عقد بمتحف اللوفر في باريس “مازلنا نحتاج لفهم السوق نفسه”.
وعلى نحو مشابه تتحفظ منظمة اليونسكو. وتقدر روسلر عائد الايرادات التنظيم بملايين الدولارات لكنها قالت إن المنظمة ليس لديها تقدير رسمي. ومن الصعب عموما تقدير حجم السوق السوداء في أي سلعة وقد يتضح في النهاية أن النقاش جدلي. غير أن الأمر يكشف عن استمرار نقص المعلومات المؤسسية عن تجارة يعتقد أنها تستغل شبكات تهريب لسلع أخرى مثل المخدرات بداية من دول مجاورة مثل تركيا ولبنان وانتهاء بالغرب. ويعكس ذلك تفاوت التشريعات من بلد لاخر.
فقد صادقت نحو 130 دولة من أعضاء اليونسكو البالغ عددهم 195 دولة على أبرز اتفاقيات المنظمة لعام 1970 والتي تهدف لمنع التجارة السرية في الاثار. لكن روسلر قالت إن دولتين فقط هما الولايات المتحدة وسويسرا هما اللتان تنفذان الاتفاقية مباشرة. وفي حين أن قرار مجلس الأمن التابع للامم المتحدة الصادر في فبراير شباط الماضي بشأن سوريا يحظر تصدير الآثار فلم تتخذ دول تذكر خطوات لحظر كل مبيعات الآثار السورية والعراقية مباشرة بسبب الضرر الذي قد يلحق بالأسواق الثانوية للقطع التي يبيح القانون تداولها.
وقال المتحف البريطاني إنه يحتفظ بقطع أثرية لم يعلن عنها خرجت بطريق غير قانوني من سوريا وإن صورا نشرت على مواقع التجارة الالكترونية لأشكال من الحجر الجيري يعتقد أنها من تدمر. لكن حتى الآن لم يظهر في دوائر الأعمال الفنية سوى عدد قليل من القطع فيما يشير للبعض أن المهربين يكررون الاسلوب الذي استخدم بعد حرب العراق عندما تم تخزين القطع المنهوبة لفترة من الوقت قبل أن تظهر دون ضجة في السوق.
وقال المؤلف فيلش إن مثل هذه الفترة من التهدئة يمكن أن يستغلها التجار في تسهيل دخول قطعة إلى عالم الفن المشروع وغالبا ما يتم ذلك عن طريق أحد هواة جمع القطع الفنية من الأفراد يتبرع بها لمتحف مقابل إعفاء ضريبي يزيد كثيرا عن ثمن شراء القطعة. ويجادل آخرون أن وجود جامعي التحف الأثرياء المستعدين لدفع مبالغ طائلة لاقتناء كنوز مهربة صورة سينمائية أكثر منها أمر واقع. ويقولون إن الجهد الحقيقي يجب أن يكمن في اقناع المتعاملين ذوي النوايا الحسنة برفض أي شيء لا يمكن إثبات طريق الحصول عليه بما لا يدع مجالا للشك.
وقالت أليس فارين برادلي من شركة مجموعة استرداد التحف في لندن وهي شركة خاصة تدير قاعدة معلومات للآثار المسجلة إن كل شيء من التوثيق السليم إلى الفطرة السليمة مطلوب في تحديد ما إذا كان أصل قطعة فنية موضع شك. وأضافت “هو ذلك الاحساس الداخلي عندما يعرض عليك شيء… أن تكون عليه علامات إزميل على سبيل المثال. فقد عملت بالآثار ولا أحد يستخدم الإزميل في التنقيب. بل إنك تعمل بأكبر قدر ممكن من الخفة.” وأشارت إلى أن جانبا كبيرا من عمليات النهب يتم بسرعة وبأسلوب أخرق وبعد حلول الليل.
وجادلت فارين برادلي بأن وضع خطط للتأكد من منشأ القطع الأثرية يمكن أن يساعد من خلال إضعاف قيمة السوق لأي سلعة مشكوك فيها الأمر الذي يلغي الحافز المالي للنهب في المقام الأول. وتتفق روسلر من منظمة اليونسكو مع هذا الرأي وتقول إن المنظمة تعمل مع داري المزادات كريستي وسوذبي لاقناع العاملين المحترفين في عالم التحف ألا يشتروا شيئا دون وثائق واضحة. بحسب رويترز.
ويجادل فيلش بأن الأسلوب المباشر في التعامل مع المشكلة هو تزويد أجهزة إنفاذ القانون بالتمويل المناسب في الأسواق المحتملة مثل الولايات المتحدة وغيرها لمساعدة الجهود السرية في اختراق شبكات التهريب وإعداد الكمائن للامساك بزعمائها. وأضاف “الضباط الاتحاديون تعرض عليهم قطع منهوبة من سوريا. لكن ليس لديهم حتى الموارد التي تسمح لهم بترتيب عملية للايقاع بالمجرمين.”