اصلاحات محمد بن سلمان وصراع السلطات
ولدت المملكة السعودية من رحم الصراعات الدولية الكبرى، واقيمت على ثنائيتين صنعت احدى اطول الدكتاتوريات عمرا في العصر الحديث، لان اركانها كانت متماسكة في اغلب الفترات الحرجة والصراعات المميتة، فالدين كان الركن الذي يتم اقناع المجتمع السعودية به، والمال كان الرافد الاساسي لحفظ ركن السياسة التي تتعكز على حماية الخارج.
جاء محمد بن سلمان فقلب الامور رأسا على عقب، طرح خطة لالغاء الاعتماد على النفط كمصدر لثروات البلاد، واطلق خططا اقتصادية كبرى ابرزها “رؤية ٢٠٣٠” رغم اننا لم نسمع اي تقدم فيها اي مشاريع تندرج ضمنها، يضاف لها مشروع “نيوم” بتكلفة ٥٠٠ مليار دولار.
يريد بن سلمان اعادة تشكيل المملكة حسب مقاساته الخاصة، كل ما هو شبابي مقبول ومن يعارض هذه التوجهات يلقى في السجون او يمنع من السفر او حتى نفيه الى خارج البلاد، حتى وان كان من رجال الدين الذين يمثلون الركيزة الاساسية لحكم دكتاتوري ترسخ منذ عدة قرون في التحالف المعروف بين المؤسسة الوهابية وعائلة ال سعود.
تدعي السلطات السعودية الشابة بقيادة محمد بن سلمان انها تحارب الافكار الرجعية وتهدف بذلك الى تحديث المملكة بما يتناسب وتطلعات الشباب، وفق معايير العصر الحديث، لكن المتتبع للخطوات الاصلاحية يجد فيها الكثير من الاساليب القمعية وهي لا تقوم بالاصلاح بقدر ما تهدف الى تغيير واقع السلطات واختزاله بولي العهد محمد بن سلمان.
ومن البديهي فان كل عملية تغيير سياسي او اقتصادي لا بد ان تواجهها معارضة من الجهات التي تجد مصالحها في خطر، والقائد الاصلاحي المحنك هو ذلك الذي يجري عملية التغيير بطريقة ناعمة تضمن له التخلص من المعارضة بقوة الاصلاح وقوة النتائج لا قوة القمع والسجن والنفي القسري خارج حدود البلاد، وفي الحالة السعودية نجد ان اخطر ما يواجه اصلاحات بن سلمان هي الطلاق الذي صنعه مع رجال الدين والتبعات الخطيرة لهذا الامر.
الدولة السعودية تمثل اقصى حالات التحالف بين السلطة السياسية والدينية، وهذا ما دعى الرئيس الامريكي قبل الانتخابات الى وصف هذه الدولة بانها تعيش في احكام العصور الوسطى، واذا ما عدنا للعلاقة التي يريد ان يحطمها بن سلمان بين المؤسسة الدينية والسياسية فهو رهان خاسر ويضع البلاد على حافة الهاوية مهما بالغ في اجراءاته العقابية ضد المعارضين لانه يبدو في اسلوبه هذا غير عارف بقوة التيار الديني المتطرف.
يرى رجال الوهابية انهم اهل الاصلاح وحماته، فمحمد بن عبد الوهاب عمل على “تصحيح العقيدة وتطبيق الشريعة الإسلامية وتحقيق التوحيد” بحسب وجهات نظرهم، وهم رأس الحربة في كل حروب المملكة السعودية السابقة، فالسعودية لم تهزم العثمانيين بقوة السلاح ولا بالبذخ والمشروعات الاقتصادية الكبرى، انما من خلال السيطرة على الحرمين الشريفين فانتزعو منها زعامة العالم الاسلامي بحكم إشرافهم على هذين الحرمين، وحتى محمد بن سلمان الذي يحارب الوهابية هذه الايام لم يكن ليشن حروبه الكبرى وقرارته المصيرية دون دعم المؤسسة الدينية التي حشدت الرأي العام “طائفيا”، سواء في الحرب ضد اليمن او اصدار الاحكام ضد المعارضين الشيعة امثال الشيخ النمر او دعم الجماعات المسلحة في سوريا.
الاصلاح خطوة جيدة وصحية لاستمرار الحياة في جسد الانظمة السياسية، لكن الطفرات السريعة لمحمد بن سلمان تكشف عدم فهمه لواقع بلاده، فشرعيتها مستمدة من فتاوى دينية تقوم بتجهيل الناس في اشد ازمات البلاد خطرا، واذا ما فرط بالمؤسسة الدينية فقد يجد نفسه غارقا في بحر من الازمات التي قد تصل الى حد اعلان الثورة ضده، وهي الحالة التي قد تشعل منطقة لا تحتاج الى ازمات جديدة.
قد تستطيع القيادة السعودية الشابة جذب انظار العالم الغربي الطامح للاستيلاء على اموال الخليج الكبيرة، كما انها قد جذبت وتحالفت بالفعل مع دولة اسرائيل وهي بذلك تشعر الان بنوع من القوة والامان، لكن حقيقة الامر ان شعوب الشرق الاوسط ترى في الدين الملجأ الاخير اما الشعب السعودي فيري بان اي فكرة تحديثية بمثابة حرب على الدين تستحق اعلان حرب مضادة، وليتنا لا نشهد حدوث تلك الحرب في الامد القريب، فالمنطقة لا تتحمل حروبا جديدة.