اسما الحص ومنصور زجّا في “عملية نصب” من داخل سجن رومية
عماد مرمل –
صحيفة السفير اللبنانية:
قبل ان تنفجر “عبوة” أخرى في سجن رومية، لا بد من السؤال عن التدابير التي جرى اتخاذها لمواجهة “الآتي الأعظم”، بعد عملية الهروب التي تمت قبل نحو أسبوع، والتهديدات الموجهة “تلحينا وإنشادا”، بتواقيع صريحة، الى عدد من المسؤولين، وما شابه ذلك من المفاجآت..
وللمناسبة، فإن أحد السجناء الثلاثة المنخرطين في عملية الهروب نجح في الاختباء ثم الاختفاء، برغم حملة التفتيش الواسعة التي جُردت للعثور عليه، وإن يكن الاقل خطرا من بين الفارين.
ولكن، من يضمن عدم تكرار حوادث الهروب “المريبة”؟
ومن يضمن الا يعلن موقوفو “القاعدة” و”فتح الاسلام” والتنظيمات المتطرفة “دولتهم المستقلة” في أي لحظة، ما لم تدخل السلطة الى سجن رومية قبل فوات الأوان؟
ومن يضمن ألا يبقى السجن “غرفة عمليات” لمجموعات من السجناء، تدير عمليات تفجير وقتل وسرقة و”بزنس” من الزنزانات؟
وفي آخر المآثر على هذا الصعيد، “عملية نصب” تمت قبل قرابة اسبوع وزُجّ فيها اسما الرئيس سليم الحص ووزير الخارجية السابق عدنان منصور. وتفيد التفاصيل ان أحد كبار رجال الاعمال اللبنانيين في الولايات المتحدة تلقى اتصالا هاتفيا من بيروت، عرّف خلاله المتصل عن نفسه بصفته “سليم الحص، مدير مكتب الوزير عدنان منصور”، طالبا مساعدة مالية بقيمة عشرة آلاف يورو لإجراء جراحة عاجلة لأحد المرضى المحتاجين. انطلت الحيلة على رجل الأعمال الذي لا يهتم كثيرا بالسياسة ولا يميز بين رجالها في لبنان، فسأل عن رقم الحساب الذي سيودع فيه المبلغ، إلا ان المتصل أبلغه انه سينتدب شخصا لتسلم المبلغ “كاش” وبشكل مباشر في أحد المجمعات التجارية، وهكذا كان.
لاحقا تبين لرجل الاعمال انه “أكل الضرب” واتصل بسفير لبنان في واشنطن للمشورة، فاتصل السفير بالوزير السابق منصور الذي ابلغ المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم بما جرى وسلمه الرقمين الهاتفيين اللذين استخدما في عملية الاحتيال، ليتبين بعد التحقيق ان مصدرهما سجن رومية!
ولعل الحوار الذي دار بين بعض كبار المسؤولين على ارض مطار بيروت منذ فترة خلال استقبالهم أحد الضيوف الرسميين يحمل بدوره الكثير من الدلالات البليغة. يومها، تطرق الحديث أثناء انتظار وصول الضيف الى واقع سجن رومية، حيث سأل أحد الرؤساء عن سر وجود هواتف خلوية بشكل علني في ايدي السجناء، فقال له رئيس آخر: سنحاول ان نأتي بأجهزة تشويش لتعطيل هذه الهواتف. أصيب السائل بالذهول، وراح يُكلم نفسه بعدما صعقته الإجابة التي فضحت بصراحة عجز السلطة عن تطبيق الحد الأدنى من القانون وسحب الهواتف.
وفي انتظار العروض الجديدة من مسرحيات “رومية”، عُلم ان مرجعا سياسيا بارزا تبلغ مؤخرا من “فرع المعلومات” في قوى الامن الداخلي انه جاهز لضبط السجن وفرض السيطرة عليه بيد من حديد، لكن كان هناك من يمنعه! وقد أكد المرجع لرئيس “الفرع” العميد عماد عثمان انه سيلاحق هذا الملف حتى النهاية وسيحاول فك الغازه.
وفي حين لم تكشف المعلومات عن هوية الجهة التي كانت تمنع القانون من ان يأخذ مجراه الطبيعي، قالت أوساط أمنية واسعة الاطلاع لـ”السفير” ان “فرع المعلومات” مستعد لضبط وضع سجن رومية، إنما بعد تجهيز مبنى مجاور لنقل جزء من السجناء إليه، بحيث يصبح من الممكن وضع خطة للإمساك بالسجن المركزي وقمع التجاوزات التي تحصل فيه.
وعلمت “السفير” ان وزير الداخلية نهاد المشنوق وضع تصورا من مرحلتين لمعالجة واقع “رومية”، أولى قصيرة المدى لثلاثة اشهر، والثانية طويلة المدى لسنة. ويستند التصور الى معالجة مشكلة المباني، وتسريع المحاكمات والاجراءات القضائية، وتأمين مصادر تمويل لبناء سجون جديدة.
وترتكز المرحلة الاولى على تجهيز مبنى مجاور لاستيعاب مئات السجناء (ما بين 700 و1000)، من ضمن خيارين مطروحين:
– مبنى يشغله الجيش حاليا، إلا ان تحويله الى ملحق للسجن يتطلب تأمين مبنى بديل للقوة العسكرية المتواجدة فيه حاليا، ضمن بقعة قريبة، لان هناك حاجة حيوية لبقاء الجيش في المنطقة.
– مبنى فارغ هو جزء من سجن رومية، غير منجز كليا بعد، ويحتاج الى بعض الرتوش التي لا تتطلب الكثير من الوقت والكلفة، لكن استلامه مرتبط بتسوية وضعه القانوني بعدما تبين وجود مخالفات وثغرات في الأشغال.
ويضاف الى ذلك، مبنى آخر سيخصص للمحكومين الخطيرين ومتصل بقاعة المحكمة المستحدثة، تصل كلفة بنائه الى 40 مليون دولار.
وفي المعلومات ان المشنوق الذي سيشارك في اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب في المغرب، الاسبوع المقبل، سيطلب دعما ماديا من الصناديق العربية للمساهمة في معالجة أزمة سجن رومية وبناء سجون جديدة (تبلغ كلفة تشييد أحدها 60 مليون دولار).
وقال المشنوق لـ”السفير” ان ملف سجن رومية معقد وتتداخل فيه عوامل عدة، مؤكدا انه سيعمل لإعادة تأهيله وتفكيك “الدولة” الموجودة داخله وتعطيل قدرتها على التخويف، “وبحضوري أنا ارفض الكلام حول وجود حماية او تغطية من أحد لهذه المجموعة او تلك من السجناء”. وأضاف: في الوقت ذاته سأعالج الظلم الذي يعاني منه السجناء في مجالات عدة، وبالتالي سأدفع في اتجاه تأمين الحقوق الانسانية المشروعة لهم وتسريع المحاكمات.