اسرائيل على موعد الاثنين.. كل الخيارات تقود نحو الصدام
موقع الخنادق-
مروة ناصر:
تحاصر النيران رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو من الجهات كافة، ضغوط من الأحزاب المعارضة للتراجع عن التعديلات القضائية، وضغوط أخرى من أحزاب الائتلاف الحكومي للمضي بالسيطرة على الجهاز القضائي وتحقيق “الحلم اليميني الديني” في الكيان. فأيّ “مخرج طوارئ” سيسلك نتنياهو: هل يرضخ للحركة الاحتجاجية وأوراقها التي تحركها في “الشارع” منذ أكثر من 28 اسبوعًا، لتوضع الأغلال في يده على خلفية دعاوى الفساد الموجّهة ضدّه؟ أم يذعن للمصلحة الشخصية وأهواء اليمين الديني ضاربًا عرض الحائط ما ستؤول اليه الأحداث في “الشارع” واحتمالية الصدام الداخلي؟
تتصاعد حدّة التوترات بين الجهتين المتناحرتين في الكيان عشية موعد جلسة قراءة التشريعات القضائية في الثالث والعشرين من شهر تموز / يوليو الجاري. توسّع المعارضة من رقعة تحركاتها. اذ احتشد المتظاهرون في مختلف الطرقات الرئيسية وأمام المقرات الحكومية وكذلك المقرات “الحاخامية”. على صعيد “المؤسسات” استأنف “الهايتك” أيضًا الاحتجاج والى جانبهم الأطباء. أمّا على مستوى الجيش، فإنّ عدد الضباط والجنود المنخرطين في الحركة الاحتجاجية في تزايد ومن كلّ الفروع وأهمها سلاح الجو والاستخبارات، ليصبح عدد العسكريين الرافضين للخدمة أكثر من 20 ألفًا. كلّ ذلك وسط وقوع اشتباكات مع الشرطة التي تستخدم العنف وفرق الخيّالة وخراطيم المياه والقنابل الغازية والدخانية محاولةً إعادة بثّ الحياة في أرجاء الكيان شبه المعطّل.
على وقع الاحتجاجات، تذهب أحزاب اليمين نحو “الكنيست” متمسّكة بالتعديلات القضائية، في المقابل شرح مدير “شبكة الهدهد” المتخصصة في الشأن الإسرائيلي سعيد بشارات لموقع “الخنادق” أنّ ” المعارضة عبر نظام الحكم العميق والمؤسسات التي هي متوغلة فيها، تعمل على إحداث انقلاب ضد نتنياهو، وهذا الانقلاب يشمل المال والعسكر. وهي تعوّل على ظاهرة الرفض من أجل ثني نتنياهو عن استكمال هذه التشريعات”.
الضغط عبر الجيش: سيف ذو حدّين!
أشار “بشارات” الى أنّ “ورقة القوّة الرئيسية التي تملكها المعارضة، هي الجيش، بالإضافة الى العلاقة مع الولايات المتحدّة، وورقة الاقتصاد وتأثّر الاستثمارات وضعف الشيكل”.
تتغلغل الانقسامات الى صفوف الجيش. وهنا، وصف المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، يوسي يهوشع، أنّ “السّم انتشر في كلّ مكان… الوضع صعب في شعبة الاستخبارات والوحدات الميدانية وليس في سلاح الجو فقط. ليس المقصود الضباط برتب متدنية في وحدات غولاني والمظليين، وإنما في أوساط الضباط في الخدمة الدائمة في هذه الوحدات وغيرها”، لافتًا الى أنّ “رئيس الأركان هرتسي هاليفي يشعر بالوحدة لأنه لا يتمكن من التشاور مع غالبية أسلافه في المنصب، وبينهم إيهود باراك وموشيه يعالون ودان حالوتس الذين يشاركون بشكل نشط في الاحتجاجات ضد الخطة القضائية”.
فيما يقدّر المحلّل والكاتب في الشؤون الإسرائيلية علي حيدر في حديثه “للخنادق” أنّه “حتّى الآن لم يصل الجيش الى نقطة فقدان القدرة القتالية والكفاءة العملياتية، وإن كانت المعطيات تشير الى أن حالة الاحتجاج داخل الجيش تتزايد، وتبقى هذه المعطيات موضع مراقبة للقيادة العسكرية للاحتلال”. لكن إذ ما ذهبت المعارضة أكثر في اللعب بصفوف الجيش فإنّ ذلك سيكون سيفًا ذا حدين أو حسب ما رأى رئيس شعبة “أمان” السابق تامير هايمن أنّ ” استخدام الجيش كأداة للضغط الشعبي هو “سلاح يوم القيامة”، وكما في حالة الأسلحة النووية، في النهاية يخسر الجميع”، فإلى أيّ مدى قد تتمادى المعارضة بتحريك ورقة الجيش وتهديد قدراته في ظل توترات تشهدها الجبهة الشمالية وجبهة الضفة الغربية المحتلّة.
نتنياهو لا يملك خيارًا الا التنازل لليمين الديني!
إنّ المناورة واللعب على الوقت لـ “تنفيس الشارع” هي سياسة نتنياهو لتنفيذ خطته القضائية، اذ شرح “بشارات” أنّه “حتى لو لم تمرر كلّ التشريعات القضائية، فإنّ جزءًا منها سيُقر، وباقي الأجزاء سيُتعامل معها ببطء ليتم إقرارها في السنوات القادمة” على اعتبار أنّ “حكومة نتنياهو الى حدّ الآن غير مكترثة بحالة الرفض”.
أو أنّ نتنياهو لا يملك فعليًا خيارات أخرى سوى إقرار التشريعات، يعزو الباحث في الشأن الإسرائيلي أيمن الرفاتي في حديثه مع موقع “الخنادق”، السبب الى أنّ “نتنياهو يتعامل مع الملف السياسي منذ الأعوام الأربعة الماضية حين وجهت له اتهامات بالفساد ورفعت ضده قضايا في المحاكم، كمسألة لحل أموره الشخصية، أي للتخلّص من المحاكمات التي قد تنهي مستقبله السياسي. بالتالي أصبح اهتمامه على أساس شخصي، فكان حريصًا على البقاء في رئاسة الحكومة وتشكيلها وضحّى بعدد من حلفائه في السنوات الماضية ليبقى هو في الحكومة”.
يظهر نتنياهو استعدادًا كبيرًا لتقديم التنازلات للأحزاب اليمينية المتطرّفة للحفاظ على الحكومة التي “لن تتكرّر”، اذ أشار “الرفاتي” الى أنّ استجابة نتنياهو للأحزاب المعارضة ستؤدي الى انهيار الحكومة. وهو يدرك، بالنظر الى نتائج استطلاعات الرأي العبرية أنه لن يستطيع أن يشكّل حكومة مماثلة وأنّ هذه الحكومة الحالية هي الذهبية لليمين”.
التشريعات القضائية الخيار لتحقيق “الحلم اليميني”
إنّ تمرير التعديلات القضائية يعدّ جزءًا رئيسيًا، أولًا من صورة الأحزاب اليمينية الدينية لدى جمهورها، فإنّ “هذه التعديلات ترتبط “بمصالح شخصية لكل طرف أو زعيم للأحزاب الدينية ومنهم نتنياهو وبن غفير وسموتريتش والأحزاب الحريدية التي لكل منها ما تريده من هذه التعديلات، ستصبح هذه الأحزاب كما لو أن لا مشروع سياسي أو أنها فشلت أمام جمهورها في تنفيذ المشروع السياسي الداخلي التي طالما حلمت به”، وفق “حيدر”.
في هذا الإطار، شرح المحلل والكاتب في الشأن الإسرائيلي حسن لافي لموقع “الخنادق”، ما يُعتبر “حلم اليمين” في السيطرة على كلّ مفاصل الكيان، وبدأت “محاولات السيطرة منذ العام 1977، أي منذ أن اعتلى حزب “الليكود” بزعامة مناحيم بيغان الحكم لأوّل المرّة”. لافتًا الى أنّ “المحكمة العليا التي يسيطر عليها التيار العلماني بشكل كبير، قد تكون آخر المعاقل التي يريد اليمين إسقاطها”.
“لذا فلا بديل أمام أحزاب اليمين الديني سوى النزول الى الشوارع وإحداث الفوضى ونوع من أنواع الحرب الأهلية”، حسب “لافي”. فيما أوضح “حيدر” أنّ اليمين ومن خلال حشد شارعه يظهر للرأي العام الداخلي والخارجي بأن المعارضين وإن كانوا يتظاهرون دائمًا، فإن في إسرائيل كتلة كبيرة مؤيدة للإصلاحات. وبالتالي وإن كان صوت المعارضة عاليًا فإن الحكومة ماضية في التعديلات وتستند في ذلك الى صناديق الاقتراع التي عكست وجود أغلبية مؤيدة للأحزاب اليمينية وخياراتها”.
الى أين وصل الكيان الإسرائيلي؟
شدّد “بشارات” على أنّ “الكيان وصل الى نقطة اللاعودة من ناحية التمزّق الاجتماعي، الذي هو بالأساس موجود منذ تأسيس هذا الكيان، لكنه أخذ مناحٍ متقدّمة: هناك انفصال بين جميع الطبقات، أي مكوّن ليس قادرًا على استيعاب الآخر. هناك نظامي حكم، نظام حكم الدولة العميقة التي يقودها اليسار، ونظام حكم آخر يسيطر عليه اليمين لكنه لا يملك الى الآن المؤسسات الرئيسيّة والمال والجيش التي تسمح له بإحكام القبضة على الكيان”.
لذا، أوضح “لافي” أنّ الأزمة الداخلية “لن تنتهي بسقوط التعديلات القضائية، لأنها أزمة بنيوية داخل المجتمع والهوية والثقافة اليهودية، لم تقم تلك التعديلات الا بتفجيرها، هناك فئات تطالب بإعادة الهوية الدينية الى الكيان… وبالتالي هناك اصطدام حقيقي ما بين العلمانية والدينية في إسرائيل بعيدًا عن موضوع اليمين واليسار، وهذا جوهر الأزمة”.
في النتيجة، وصل الكيان الاسرائيلي الى مرحلة تطفو فيها النزاعات العميقة الكامنة الى السطح. وأن أحدًا من الأطراف لا يملك خيارات سوى مزيد من شدّ الحبال لصالحه دون التراجع الا “قهرًا” وأمام ضغوط كبيرة، فيما تتأرجح “إسرائيل” ووجودها و”أمنها” بفعل التشرذم الداخلي، ناهيك عن التهديدات الخارجية المتمثّلة بتعاظم قدرات محور المقاومة في كلّ ساحات.