استضافة الصهاينة إعلاميًا.. انهزامٌ وأَنْسنَة للقاتل
موقع العهد الإخباري-
لطيفة الحسيني:
لم تعد تقتصر فوضى الإعلام على الدُخلاء على مِهنة المتاعب ولا على العاملين فيها ولا حتى على مستوى الثقافة المعدوم. المسألة تتجاوز أصول الصحافة وقواعدها الأولى. المفاهيم القومية للإعلام العربي أضحت اليوم مَخفية، وكأنها ضميرٌ مُستتر. ويبدو واضحًا الجُهد الذي تبذله المحطات الإخبارية الكبرى في العالم العربي لتجميل التطبيع الإعلامي مع الصهاينة.
قبل سنوات، كانت “الجزيرة” فاتحةَ القنوات التي تستضيف شخصيات اسرائيلية وتسمح لهم بعرض ما يودّون من دفاع عن جرائمهم وتبريراتها. اليوم، هذه “الفعلة” تنسحب على مؤسّسات إعلامية أخرى تتسلّح بالمنطق نفسه: علينا مُقابلتهم حتى لو كانوا أعداءً علّنا ننتصر عليهم.
هل يستوي هذا الرأي مع من هو مُقتنع بالقضية الفلسطينية وعدم الاعتراف بالصهاينة ووجودهم تحت أيّ ظرف كان وفي أيّ قالب وُضع؟ هل يجب أن نتقبّل المشهد الذي يجمع مذيعًا أو مُحاورًا عربيًا، من دول التطبيع أو غيرها، مع مسؤول صهيوني؟
أنسنة العدو وكَيُّ الوعي
الصحافي والناقد الإعلامي بيار أبي صعب يرى أن “صفقات الاستسلام والعار يجري التحضير لها على المدى الطويل عبر إعداد الرأي العام ورسم صورة في المُجتمعات العربية على أن الصهاينة ليسوا أعداءً أي أَنسنَتِهم”، ويقول لموقع “العهد” الإخباري “شخصٌ يتحدّث عبر شاشة عربية ويطرح وُجهة نظر القاتل ويُحلّل كأنّه من دولة مجاورة طبيعية، وهذا بشكل غير مباشر كيٌّ للوعي وتقديم المجرم بصورة مقبولة ليكون حضوره عاديًا وشرعيًا”.
يُشير أبي صعب الى أن “هذا الأسلوب برز في الإعلام الخليجي منذ سنوات ويرتبط بمشروع كامل”، ويتابع “المُقاومات المُتتالية في العالم العربي من المقاومة الفلسطينية الى المقاومة الاسلامية وغيرها عملت على رصد إعلام العدو وترجمة أَدَبِه وكُتبِه السياسية لمحاولة فهمه، وبهذه الطريقة يُقدّم الى الجمهور العربي ليفهم المُتلقّي والقارئ بمُختلف مُستوياته الثقافية نوايا العدو”.
بحسب أبي صعب، ما يحصل اليوم أن الحجر تدحرج بشكل فظيع ولا سيّما خلال السنوات الأخيرة مع موضة اتفاقات “أبراهام” وتمويل الدول المُطبّعة للإعلام العربي. الإعلام اللبناني مُموّل بجزءٍ كبير منه بالأموال الخليجية ومليارات الولايات المتحدة والمنظّمات غير الحكومية التي تصبّ في مصلحة الاستعمار الأمريكي. لذلك نرى آلةً ضخمةً منهجيًا تعمل على التطبيع الإعلامي، بهدف واضح هو أَنسنَة القاتل عبر تظهيره كإنسان لديه وجهة نظر مُعادية منذ 75 سنة يرتكب المجازر لكنّه يطرحها. هنا لسنا أمام نقل لمعلومات من إعلام وصحافة العدو، بل أمام شخصيات تتحدّث وتطرح منطقها ومواقفها.
محو جرائم العدو
وإذ يلفت الى مُساهمة إعلام الأنظمة الغربية الاستعمارية الذي يبثّ باللغة العربية بموازاة القنوات الاسرائيلية الناطقة باللغة العربية في مخاطبة الجمهور العربي، يُشدّد على أن الإعلام المُموّل خليجيًا وغربيًا بمجرّد منح القاتل حضورًا فهو يمحو خطاياه ويتجاوز جرائمه ويتعاطى معه كأنه لم يفعل شيئًا.
يعلق أبي صعب على موقف من يطرح فكرة مُساجلة الاسرائيلي عبر استضافته على الشاشات العربية للانتصار عليه وكسره في الإعلام، ويرى أنه لا يفهم بالإعلام ولا بالسياسة وهو ساذج أو متورّط ومتواطئ مع القاتل.
لا حوار.. إمّا بارودة أو صاروخ
يدعو أبي صعب لحصر المعركة مع العدو في الميدان العسكري، ويجزم بـ”أننا يجب أن ننتصر فكريًا على العدو عبر خلق إعلام مستقلّ تعدّدي متوازن يخاطب جميع شرائح المجتمع، عصري، قائم على الابتكار مع سقف حريات عالٍ في القضايا الاجتماعية”، ويضيف “نتغلّب على العدو عندما نوصل خطابًا مُتماسكًا عقلانيًا، نساجله بفكرنا وليس بالحوار معه. اللغة التي يجب أن أستخدمها معه إمّا البارودة أو الصاروخ”.
المُقابلات الصحافية مع العدو ليست معارك، الأمر محسوم. وفق أبي صعب “لا مجال لوجود فكر يُقاوم خطاب تبريرات القاتل وجرائمه عبر اللقاءات المباشرة.. ليست ديمقراطية والقول إن هذا رأيٌ ويجب عرضه غير صحيح.. هذا انهزامٌ وقلّة نضج سياسي”.
القانون اللبناني سلاحٌ للمذيعين اللبنانيين اذا أُجبروا على مُقابلة اسرائيليين
من وُجهة نظر أبي صعب، صحيح أن المؤسّسة الإعلامية وخطّها السياسي يتحمّلان مسؤولية التطبيع الإعلامي، غير أن المُذيعين اللبنانيين الذين يُحاورون مُتحدّثين صهاينة أو شخصيات اسرائيلية يمكنهم التسلّح بالقانون اللبناني الذي يجرّم التواصل مع العدو، اذا كان التبرير أنهم مُجبرون على إجراء المقابلات مع الصهاينة، فهم يتحمّلون جزءًا من المسؤولية أيضًا.
الإعلام أخطر أشكال التطبيع
التطبيع الإعلامي يعتبره أبي صعب الأخطر من بين كلّ أشكال التطبيع مع العدو (أكاديميًا وعلميًا وتجاريًا وثقافيًا) لقُدرته على الانتشار والتأثير على الناس وخلْط المفاهيم لديها، وهذا المشروع يقوم على جعْل الاسرائيلي ضيفًا عاديًا على الشاشات العربية يُسمع رأيه بكلّ سهولة، بدلًا من حصر الاشتباك معه في المعركة العسكرية.
وعليه، يخلص أبي صعب الى أهمية منع الصهاينة من الظهور على المحطات العربية وحظر التواصل معهم حتى عبر الحسابات الشخصية على مواقع التواصل حتى لو كان من باب مُهاجمتهم وشتمهم، حتى لا يُعطوا مجالًا للانتشار، أي سياسة تهميشهم وتجاهلهم ومقاطعتهم هي التي يجب أن تغلِب.