استراتيجية السفارة الأميركية في وطن الشعوب اللبنانية
موقع العهد الإخباري-
جهاد أيوب:
لم يعد بالإمكان عودة وطن الشعوب اللبنانية إلى ما كان عليه سابقاً بكل تناقضاته، والاستقرار في كذبة وجوده من المحال، هو اليوم وطن الفراغات، واللا وطن، هو تلاشي الوجود، ودكاكين زعامات للبيع، وكل مرافقه غير صالحة. بإختصار هو وطن غير صالح للعيش مهما تم ترقيع الواقع السياسي والمعيشي والاجتماعي والطائفي فيه، وإذا أريد أن يبقى، ولا يزال دوره مطلباً، فإن ذلك يتطلب وبأسرع ما يمكن العمل على مؤتمر تأسيسي أهم بنوده لجم رجال الطوائف فيه، وتغييب المحاصصة والحصص لصالح بناء دولة مدنية مؤسساتية لكل أبنائه!
ولا مجال لبقاء خيارات تجمعات سياسية حزبية قديمة وجديدة فشلت، بل الخيارات والتحولات الحاصلة والمقبلة هي في يد السفارات، وتحديداً السفارة الأميركية، أما تحرك السفارة الفرنسية فهو سراب وسقوط، ونهاية مرحلة غاب عنها الشمس!
كل الفساد والانهيار الذي حصل والحاصل في لبنان أدير تحت عيون ومباركة أميركية وبأيدي لبنانية، وبحركة واقعية مسهلة من السفارة لأدواتها الداخلية من مرتزقة صنعتهم هي بكل وضوح، وبأوامر وخطط منها كي تتمكن من تسيير دفة الشؤون اللبنانية، وكي يبقى هذا البلد تابعاً، ومركزاً مخابراتياً، وباراً لإغتيالات شعوب وفكر المنطقة، وشجع على نجاح ذلك عدم قناعة المواطن بالوطن وبوطنية الشعوب اللبنانية!
إلا أن إزدياد فجور جماعات السفارة في ارتكاب فعل الخيانة إلى حدود الفشل والانكشاف الكلي لكثرة فسادهم وسرقاتهم، وتضخم ثرواتهم أحدث خلالاً في الاستمرارية، وفي السيطرة على مرافق ما تبقى من وطن الكذبة، وهكذا واقع تطلب التدخل السريع من السفارة الأميركية بشكل علني، وذلك من أجل تحديد مساحة زعامات ورجال دين تتحرك كالدمية في ظلها، وصولاً إلى سجن من لا يتوافق مع مطالبها وسياستها مثل حزب الله والمقاومة في دوامة المشاكل المعيشية اليومية والمخيفة!
وعمق هذه الأزمة غياب المواطنة في الشعوب اللبنانية، وعدم وجود مسؤولية وطنية عند زعامات الطوائف الحاكمة، ورجال دين لطوائف موظفة في الدولة دورها تدعيم الشرخ الوطني. واستطاعت السفارة الأميركية في لبنان استغلال كل شاردة وواردة في نظام المرتزقة، وكانت طرفاً شرساً بدعمها الواضح للتحركات المشبوهة في السياسة وفي الشارع، وأصبحت اليوم تتصرف بشكل علني وبفجور بعد انكشاف عورات ساسة البلد التي سلمت مفاتيح زعاماتها والوطن والمواطن إلى السفارة على أمل الوصاية الكلية!
وهذه السفارة كانت سبباً رئيسياً للأزمة السياسية والحياتية، وهي من راكمها، ومن استغلها، ومن قام ببناء ودعم زعامات ورجال طوائف، وتوظيف شخصيات في قيادة مرافق الدولة تابعة، ووجوه إعلامية فاسدة، والوقوف معها وبجانبها، دون أن ننسى مسؤولية غياب المواطنة في الشعوب اللبنانية، وهكذا حال، وبتشجيع وبطلب من السفارة الأميركية التي تتحرك ضمن استراتيجية مدروسة وعميقة في وطن الشعوب اللبنانية أوجدَ ما يلي:
– سوء الإدارة في كل مرافق الدولة.
– انهيار مالي متعمد وبقرار بعد سرقة أموال المودعين، وتهريبها خارج لبنان.
– نشر فوضى منظمة حسب القوى المسيطرة في كل منطقة، وفي كل مرفق.
– المساهمة في انقسام الشارع إعلامياً.
– فرض سيطرة السفارة وبحسم حتى مع من لا يوافقها الرأي.
– معرفة السفارة بأن مشكلتنا بنيوية، وزعاماتنا فاسدة وتاجرة أوطان، دفعتها للاصرار حالياً على إستغلال إدارة الأزمة.
– مباركة عدم وجود القرار السياسي الوطني، وكل ما هو حاصل ثرثرات في وطن.
– عدم تحمل أخذ القرار من النخب الحاكمة في الدويلة اللبنانية والتي تخاف زعل وانزعاج السفارة.
– انكشاف زعامات حاكمة من غير رؤية تسير من خلال السفارات.
– انتشار قيادات في مرافق الدولة وجودهم وظيفي لصالح السفارات.
– تسليم كل أوراق الدولة وإدارتها للسفارة الأميركية دون قيمة للسيادة والاستقلال.
– الاستخفاف بعقول اللبنانيين من خلال تصرفات بهلوانية تقوم بها السفيرة الأميركية من توزيع كمامات، وبرمجة ظهورها للتطاول عبر شاشات مستأجرة.
– السفارة الأميركية تعمدت شراكة أساسية في الفساد اللبناني حتى أصبح هذا الفساد دولة عميقة.
– تصر السفارة على إبراز مأزق وجود وطن وحكم، وتغييب كرامة وطنية عند الزعامات والشارع اللبناني.
وفي الطرف الثاني، نجد حركة مراقبة شرسة بردود بطيئة إلى حين أخذ قرار الرد الحاسم، ودراسة معمقة لواقع الحال يحكمها صبر الفعل، ولجم ردات الفعل، ومع ذلك عند حزب الله المعني الأول بكل ما يحدث (من باب الأكثر حرصا على الوطن) الكثير من الأوراق التي لم يلعبها بعد، الحزب يراقب، يعمل بصمت، وينثر خدماته الاجتماعية بذكاء في بيئة محصنة رغم وصول الأحوال المتعبة إليها.
والمقاومة تدرك ظروف بيئتها كلياً مع الضوضاء التي من حولها، والحراك المشبوه الذي يحيط بدائرة بيئتها، ووصول الأزمة الاقتصادية إلى شارعها، وهذا يزيد الأعباء، والحيادية هنا لم تعد تنفع بل تصبح تطرفاً وليست طرفاً في ظل غياب كلي للحكومة وتشتت دور الدولة، وما جاء في خيار الإعلان عن جلب البنزين من إيران يقصد منه أكثر من إشارة، أولها أن المقاومة جاهزة لمنع السقوط الكلي، ولملمة سقوط أخر احجار الدولة اللبنانية، ومحاربة بناء كنتونات معلنة وغير معلنة كان لها السبب الأول في ايصال المواطن إلى مستوى الجوع، وإبراز التباسات الوطن عند المواطن. هذا كله يتطلب التروي، والمزيد من أوجاع الصبر إلى حين الوثبة المنتظرة، ومن ثم إدراك أهمية المؤتمر التأسيسي الشامل للبنان قبل فوات الأوان!