ازدواجية الحكومة الاسرائيلية: شعارات متطرفة وتركيبة هشة
موقع العهد الإخباري-
سركيس ابوزيد:
نجح تحالف نفتالي بنيت ـ يائير لبيد في إزاحة نتنياهو. المفارقة هنا أن بنيت اليميني المتطرف يرأس حكومة ائتلافية تضم اليمين واليسار والوسط، ودخلت فيها “الحركة الاسلامية” شريكًا أساسيًا لمجرد أنها هي التي أعطت الأكثرية للحكومة، وهي التي تمسك بورقة بقائها أو سقوطها. وهذا وضع حكومي غير مسبوق في الكيان الصهيوني.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة هشة في تركيبتها وأكثريتها ومعرضة في أي وقت للتصدّع، وبنيامين نتنياهو يواصل تحيّن الفرص للانقضاض عليها وإسقاطها، فهو كما ترامب في أميركا، لم يصدق أنه خسر وخرج من الحكم، ولم يستوعب وضعه الجديد، ولا يتقبّل الهزيمة، ويخطط للعودة عبر أول انتخابات.
تغيير الجمهور
لم يكن أحد يتصور أن نفتالي بنيت قادر على التغيّر لدرجة يمكن معها أن يصبح قائدًا مقبولًا. فهو ينتمي إلى فئة تحتل زاوية في أقصى اليمين المتطرف. وعليه، إذا التزم بتصريحاته السياسية، سيدخل حتمًا في صدام مع الإدارة الأميركية ومع المجتمع الدولي، وسيقود كيانه الغاصب إلى صدامات حربية مع الفلسطينيين وعلى كل الجبهات. فالرجل يرفض فكرة الدولة الفلسطينية، ويعتبر “إسرائيل” دولة يهودية تمتد حدودها على الارض الواقعة ما بين البحر والنهر، وتفوه في الماضي بالقول إن الدولة الفلسطينية هي الاردن، رافضا خطة “صفقة القرن” التي طرحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
بنيت يرفض أيضًا صفقات تبادل أسرى مع الفلسطينيين، ويقول: “هؤلاء إرهابيون يجب قتلهم، لا إطلاق سراحهم”. وعندما تولى رئاسة المجلس العام للمستوطنات في الضفة الغربية (2010 – 2012)، قاد حملة ضد حكومة بنيامين نتنياهو بحجة أنها تجمد البناء في المستوطنات، وطالب بالاعتراف بالبؤر الاستيطانية العشوائية وتحويلها إلى قرى معترف بها. وعلى هذه الخلفية، أسس حركة سياسية تحت اسم “إسرائيليون”، وقصد بها أن المستوطنين إسرائيليون، ويستحقون الاعتراف بمكانتهم في الضفة الغربية عن طريق فرض السيادة الاسرائيلية على المنطقة. ونجح بنيت في تشكيل حزب، ثم تحالف أحزاب، حصل في الانتخابات على 12 مقعدًا.
في تشرين الثاني 2019، عيّنه نتنياهو وزيرًا للأمن، واعتبر تجربته في هذه الوزارة ذروة النجاح على الصعيد العسكري وعلى صعيد محاربة “كوفيد 19”. لم يتصرف في عمله السياسي كمن يسعى لازاحة نتنياهو. وظل يتحدث عن حكم اليمين وخطر اليسار ويهاجم الأحزاب العربية ويرفض محاولات نتنياهو التقرب إلى “الحركة الاسلامية” بقيادة النائب منصور عباس. كذلك حذر نتنياهو من التراجع عن “قانون القومية اليهودية” في سبيل إرضاء واستمالة عباس. وبفضل مواقفه هذه، حظي بتأييد 274 ألف صوت في الانتخابات الأخيرة، وكان الحزب الثالث في صفوف المستوطنين (بعد “الصهيونية الدينية” التي حصلت على 21 في المئة، و”الليكود” الذي حصل على 19 في المئة من أصواتهم). وكان الحزب الرابع في صفوف اليمين، خصوصًا في مناطق الريف. الا أن الاستطلاع الأخير الذي أجري بعد تشكيل الحكومة الجديدة، أشار إلى أنه خسر 40 في المئة من قوته بمجرد إسقاطه نتنياهو واختياره تشكيل حكومة مع اليسار و”الحركة الاسلامية”.
آخر ما كان يتخيّله نفتالي بنيت في حياته هو أن يطيح “معلمه” ومثله الأعلى بنيامين نتنياهو ويحل محله في رئاسة الحكومة. بنيت يدرك أنها معركة حياة أو موت سياسي، فإذا لم يحافظ على مقعده طيلة الفترة المخصصة له (27 شهرا)، وعلى تحالفه مع يائير لبيد، وحكومتهما المشتركة طيلة الفترة المقررة لها، حتى تشرين الثاني 2025، فإنه سيتحطم سياسيًا.
والسبب أنه بمجرد إسقاط نتنياهو عن الحكم وتشكيل حكومة “المحرمات”، خسر معظم المصوّتين التقليديين من اليمين. وبالتالي، إذا أراد أن يصمد في الحلبة السياسية، عليه أن يغيّر جمهور المصوتين، ويذهب إلى اتجاهات أخرى في اليمين الليبرالي واليمين الوسط. ولكي يغيّر جمهور ناخبيه، عليه أن يتغيّر بنفسه. وهذه هي القضية، وهذا هو السؤال: هل يستطيع بنيت أن يتغيّر؟
نتنياهو بالمرصاد
في أعقاب تجاوب الحكومة الاسرائيلية مع مطالب “الحركة الاسلامية”، خرج نواب المعارضة اليمينية، بقيادة رئيس “الليكود” بنيامين نتنياهو، بهجوم شديد على رئيس الوزراء نفتالي بنيت، واتهموه بالرضوخ لعملية الابتزاز التي قامت بها هذه الحركة. وقال نتنياهو، خلال كلمة له أمام اجتماع كتلة “الليكود” في الكنيست إن “بنيت سارع إلى إرضاء “الحركة الاسلامية” لانه عديم المبدئية فاقد القيم”. وأضاف: “لو طلب منصور عباس من بنيت أن يقف على ساق واحدة في الشارع، فإنه سيفعل ذلك. بنيت رئيس وزراء ضعيف.. إنه في الواقع رئيس وزراء دمية، ولكي يبقى في منصبه يجعل الحكومة حكومة لدولة فلسطينية ـ إسرائيلية”.
يُذكر أن نتنياهو هاجم بنيت أيضًا على خلفية مبادرته لتحسين العلاقات مع الاردن، الذي يعطي وقودًا لايران، وإيران تخطط لكسب هذه الدول، وتنجح في إبعادها عن “إسرائيل”. وزعم أن سلطنة عمان أوقفت خطوات التطبيع بسبب الضغط الايراني.
إذا كان نتنياهو يريد إسقاط حكومة بنيت ويعود ليحتل مكانه في رئاسة الحكومة، فإن “جيشًا من نشطاء اليمين المناصر لنتنياهو يدير حرب شوارع بهدف تصفية بنيت سياسيًا، حتى جسديًا، ولذا يحظى بحراسة مشددة، وتلقى تهديدات بالقتل بعد نعته بـ”الخائن” مما يذكر باغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين.
المشاركة العربية وتغيير المعادلة
“فلسطينيو 48” يصعدون موقفهم من حكومة بنيت. فبعد سلسلة اجتماعات تخللتها صراعات وخلافات، خرجت “لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية” في كيان العدو، بموقف حاد ضد الحكومة الاسرائيلية ورفضت فكرة مشاركة أحد مركباتها في الائتلاف الحاكم، وانتقدت اللجنة بشكل عيني عدم التطرق لقانون القومية العنصري.
أما الحركة الاسلامية، فإنها الشريك في الحكومة ومصدر الخطر عليها في آن. النائب مازن غنايم، أحد النواب الأربعة عن “القائمة العربية الموحدة”، هدد بإسقاط حكومة نفتالي بنيت التي تشارك فيها القائمة، إذا أقدمت على شن حرب على قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، أعلن نائب آخر من هذه الكتلة، وليد طه، عن مقاطعة النشاط البرلماني ودعم نشاط المعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو. وخرج النائب المتطرف إيتمار بن غفير، رئيس حزب “عوتسما يهودت”، بتصريح يقول فيه: “لدينا الآن برهان على أن الرجل القوى في حكومة بنيت هو منصور عباس”، مضيفا إن “تصريح مازن غنايم بأن كتلته ستطيح بالحكومة إذا قررت مهاجمة قطاع غزة، هو دليل آخر على أن بنيت وشريكه يائير لبيد، لا يتمتعان بتفويض شرعي من شعب “إسرائيل””.
رئيس القائمة الموحدة منصور عباس، يؤكد أنه ورفاقه يختبرون الحكومة الجديدة في كل يوم لمعرفة طبيعتها وإمكانيات صمودها. وقال خلال لقاء مع وفد من لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الاميركي، إن القائمة الموحدة مهتمة بالتأثير على سياسة الحكومة وقراراتها من خلال المشاركة السياسية.
باختصار حكومة العدو في مأزق فهي غير قادرة على تنفيذ شعاراتها المتطرفة وفي الوقت نفسه عاجزة عن خوض حرب تخرجها من أزماتها وهي معرضة دوما الى السقوط.. انها أزمة وجودية قد تؤدي الى نهايتها.