ابن سلمان بين الرضوخ ومصير الملك فيصل
موقع العهد الإخباري-
محمد باقر ياسين:
فصل جديد من فصول العلاقة المتوترة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية. ومُستَجَد الأزمة بين البلدين قرارات منظمة “أوبك+” بخفض انتاج النفط الذي استدعى رداً أمريكياً واضحاً، مع توالي ردود الأفعال في الصحف وعلى ألسنة الشخصيات السياسية الأمريكية، في ظل التأكيد السعودي على الجانب التقني للقرار المتخذ بالإجماع حسب زعم الرياض. فهل القرار السعودي تقني بحت أم سياسي؟ وما هي الخطوات الأمريكية المتوقعة تجاه الرياض؟ وهل ستصر المملكة على موقفها أم سترضخ كالعادة؟
لتبيان طبيعة القرار التي اتخذته منظمة “أوبك +”، لا بد أن نعود أياماً إلى الوراء قبل اتخاذ القرار، حيث تحدثت صحيفة “وول ستريت جورنال” عن “مناشدة المسؤولين الأميركيين نظراءهم الخليجيين وعلى رأسهم السعودية إرجاء القرار شهراً آخر وكان الجواب السعودي بالرفض”. كما أن الصحيفة أشارت نقلًا عن مصادر من داخل الحكومة السعودية قولها إنّ “ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أبلغ مستشاريه أنّه ليس على استعداد للتضحية بالكثير من أجل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي تنتقد حرب السعودية في اليمن، وتحاول إبرام اتفاق نووي مع إيران تعارضه الرياض”. وإذا أضفنا إليهما قرار شركة الطاقة السعودية “أرامكو” برفع أسعار بيع النفط للولايات المتحدة لشهر تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، يتبين لنا أن القرار السعودي ظاهره اقتصادي وباطنه سياسي بحت؛ فابن سلمان لديه ثلاثة ملفات ضاغطة عليه من قبل أمريكا وهي (حرب اليمن والاتفاق النووي وقضية جمال خاشقجي)، وحاول من خلال خفض الإنتاج ابتزاز الإدارة الأمريكية كونها بهذه المرحلة الحساسة بحاجة إلى استقرار أسعار النفط وخاصة للإضرار بعدوتها روسيا، بغية الوصول إلى مآربها.
بعد السخط الأمريكي، أيقن ابن سلمان أن توقيت الخطوة كان متهوراً وغير محسوب وستكون له تبعات كبيرة. لذا أصر على التأكيد أن القرار تقني بحت ولا علاقة له بالسياسة، ولهذا الغرض تحدث عادل الجبير مرات عدة حول هذه النقطة بالتحديد، وبعده وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في حديث لـ”العربية”، أكد فيه أن “قرار أوبك + اقتصادي بحت، وتم اتخاذه بإجماع الدول الأعضاء”. وبعدما أخفقت هذه المحاولة اضطرت إلى حفظ ماء الوجه عبر بيان خارجيتها التي رفضت عبره ما أسمته بـ”الإملاءات والتصرفات أو المساعي التي تهدف لتحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية”، ومردفةً أنها “تنظر لعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من منظور استراتيجي يخدم المصالح المشتركة للبلدين”. ومؤخراً استجدت الرياض مواقف دول لدعم “موقفها التقني” في مواجهة التصريحات الأمريكية المستمرة بشأن قرار خفض إنتاج النفط، ومن هذه الدول (الكويت ـ قطر ـ العراق ـ الأردن ـ باكستان ـ تونس ـ ماليزيا ـ مصر ـ المغرب ـ الجزائر) حتى الآن.
فابتزاز ابن سلمان لواشنطن في هذا الظرف الصعب الذي تمر به، استدعى ردة الفعل القوية، التي عبرت عنها وسائل اعلام وشخصيات سياسية أمريكية بالمطالبة بإجراءات رادعة. ودفع هذا الابتزاز الرئيس الأمريكي جو بايدن للحديث عن عواقب وخيمة خلال مقابلته مع شبكة CNN، ولم يحدد ماهية القرارات التي يمكن أن تتخذها إدارته للرد على القرار السعودي، حيث قال إنه لن يخوض في التفاصيل، ونُقل عنه أن بلاده تتحدث عن مراجعتها للعلاقات.
ومن الإجراءات المتوقعة، التي تنضوي تحت شق الإجراءات العسكرية، خفض أو إلغاء الصفقات العسكرية بين واشنطن والرياض، كذلك سحب بطاريات الدفاعات الجوية. وإذا ذهبت الولايات المتحدة الأمريكية بعيداً بقرارها، فستسحب قواتها المتواجدة في المملكة. ومن الإجراءات المتوقعة عقوبات اقتصادية على الرياض، وخاصةً بعد تصنيفها الخطوة السعودية بأنها تندرج ضمن مساعدة روسيا. كما تقوم أمريكا بإقرار العقوبات على الدول والشركات المتعاونة مع روسيا، فستفرض عقوبات على السعودية، إذا أرادت المضي قدماً وإعطاء كلامها المفاعيل القانونية. فبذلك تريد أمريكا توجيه رسالة رادعة لابن سلمان تجعله يفكر ألف مرة قبل أن يتخذ أي إجراءات مماثلة مستقبلاً، ولكي يعلم ما هي حدوده التي يجب ان لا يتخطاها.
وبناءً على ما تقدم، فإن ابن سلمان يقف بين خيارين أحلاهما مر، الأول أن يرضخ مجدداً لإملاءات الولايات المتحدة الأمريكية، والخيار الثاني أن يستمر في موقفه المتصلب والمضي بالقرار إلى النهاية. الخيار الأول مهد له عندما حصر خطوة بلاده بالتقنية البحتة ونفى مساعدته لروسيا، وبذلك أراد أن يوصل رسالة بأنه ما زال ضمن مسار التبعية ولم يحد عنه. أما الخيار الثاني، فيعلم ابن سلمان علم اليقين بأن مصيره لن يكون بعيداً عن مصير الملك فيصل، ولن يكون بأعز منه لدى الإدارة الأمريكية.