إيران.. من دولة محاصرة إلى حلقة وصل ذهبيّة
موقع قناة الميادين-
زياد ناصر الدين:
في الوقت الذي تنظر إيران إلى أهمية الغرب، وتتعاطى بجدّية مع لحظات المفاوضات الحاسمة، فإنّها تسعى لتكون عامل توازن، إذ تُشدد على أهميّة الاتفاق مع الصين وروسيا.
سيطر مشهد تقدّم مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني على المشهد السياسي العالمي في الأيام الماضية، مع ارتفاع التوقعات بقرب انتهاء المحادثات بشكل إيجابي، في الوقت الذي أضحت إيران وثروتها النفطية والغازية حاجة ملحّة للغرب لتجنّب سقوط أوروبا، وخصوصاً بعد التطورات الإقليمية والعالمية، وآخرها الحرب في أوكرانيا وما تبعها من تداعيات اقتصادية ومالية ونفطية، وفي ظلّ فرض واقع جديد على مستوى مصادر الطاقة والاقتصاد السياسي والجغرافيا الاقتصادية.
إلى جانب ذلك، تعدّ الجمهورية الإسلامية حلقة الوصل الذهبية بين الشرق والغرب، والاتفاق معها يرجّح الدفّة بشكل كبير نحو الشرق، ليُشكّل توازناً بين قطبي العالم. كل هذا يدلّ على أنّ تنفيذ الاتفاق النووي أصبح ضرورة ومصلحة عالميّة.
بالنسبة إلى إيران التي خاضت مفاوضات دقيقة وحساسة أشهراً طويلة، فإنّها ترى في إحياء الاتفاق النووي، إذا حدث، نصراً مبيناً بعد 40 عاماً من الصمود في وجه العقوبات الأميركية التجارية والاقتصادية والمالية والإنسانية، وصولاً إلى العقوبات الذكية، وكلّها لم تستطع إسقاطها، بل باتت الولايات المتحدة تتعاطى مع إيران كحال وجودية لا يمكن هزيمتها.
وبالنظر إلى هذه الوقائع وغيرها، يبدو، بحسب مسودة الاتفاق التي يجري التفاوض عليها، أنّ التوجّه بات أقرب نحو رفع العقوبات عن الشركات التابعة لحرس الثورة، ورفعها أيضاً عن جميع القطاعات الاقتصادية والنقدية والمالية والمصرفية الإيرانية دفعة واحدة، بعد أن سقط مقترح رفع العقوبات تدريجياً، إضافةً إلى تعهّد الاتحاد الأوروبي دفع غرامة ماليّة كبيرة في حال الانسحاب من الاتفاق مجدداً. وبعد ذلك، توقف إيران خلال 24 ساعة عمليّة تخصيب اليورانيوم، وتعود إلى نسبة التخصيب المتفق عليها.
إضافة إلى ذلك، هناك مطلب أميركي بأن ترفع طهران نسبة إنتاج النفط ليصل إلى 5 أو 6 ملايين برميل يوميّاً. وللعلم، فإنّ إيران تمتلك 10% من احتياطي النفط في العالم، و15% من احتياطي الغاز، ولديها اكتفاء ذاتي على مستوى الإنتاج الصناعي والعلمي ومصادر الطاقة.
وقد وصل الناتج المحلي الإجمالي في البلاد إلى 337 مليار دولار عام 2015. ومن المقدّر أن يصل في السنة الأولى، إذا وُقّع الاتفاق، إلى 1300 مليار دولار، في حال وافقت طهران على زيادة نسبة إنتاج النفط والغاز، وبالتالي يصبح من النواتج المحليّة الكبيرة جداً على مستوى آسيا والمنطقة.
وفي الوقت الذي تنظر إيران إلى أهمية الغرب، وتتعاطى بجدّية مع لحظات المفاوضات الحاسمة، فإنّها تسعى لتكون عامل توازن، إذ تُشدد على أهميّة الاتفاق مع الصين وروسيا، إضافةً إلى انضمامها إلى منظمتي شنغهاي و”البريكس”.
إنّ الاتفاق مع الصّين مهمّ جداً على مستوى الاتفاقيات الاستراتيجية، إذ تبلغ مدّته 25 عاماً، وتصل قيمته إلى 500 مليار دولار، وهو يشكّل شراكة استراتيجية بين البلدين، فالصين تعتبر أنّ لإيران أهميّة كبرى كصلة وصل ذهبية بين الشرق والغرب، ولإنجاح مشروع “الحزام والطريق”، إذ تربط البلدان سكة حديد ضخمة عملت بكين على إنشائها منذ سنوات لخدمة مشروعها. كما تُعتبر إيران مركزاً أساسيّاً لتجمّع البضائع، وممرّاً آمناً لوصولها إلى أوروبا.
أما بخصوص الاتفاق مع روسيا، فهو عسكري بحري، إضافة إلى التطوير السلمي للبرنامج النووي وتطوير الجانب العسكري والاتفاقيات في القطاعات الإنتاجيّة والغاز.
والأهم أنّ العالم سيصبح أمام واقع جديد، إذ سترتبط حاجة الشرق والغرب إلى الغاز بالمخزن الأكبر الموجود في روسيا وإيران، وبالتالي فإنّهما سيتحكّمان لاحقاً في خطوط الإمداد والأنابيب إلى أوروبا والشرق والصين والهند.
وفي السياق نفسه، فإنّ عضوية إيران في منظمة شنغهاي التي تضمّ روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان والهند وباكستان مهمة جداً بالنسبة إليها، واعتبارها عضوية دائمة يعطي حصانة وأهمية كبرى للجمهورية الإسلامية في أيّ نموذج اقتصادي جديد في آسيا.
تنسحب هذه الأهميّة أيضاً على انضمام طهران إلى منظمة “البريكس”، التي تضمّ روسيا والصين والبرازيل والهند وجنوب أفريقيا، نظراً إلى الدور الكبير الذي سيؤديه هذا الكيان الاقتصادي مستقبلاً على مستوى الاقتصاديات الواعدة والصاعدة، ليكون بذلك عامل توازن مع صندوق النقد والبنك الدولي، وبالتالي تعتبر طهران وجودها في “البريكس” عاملاً مساعداً في أيِّ خطوة نحو نظام اقتصادي أو مالي خارج التبعيّة للولايات المتحدة.
إذاً، في حال إتمام الاتفاق النوويّ، ستتّجه إيران إلى واقع جديد يرتبط حكماً بموقعها الإستراتيجي وبالصمود في وجه العقوبات وحاجة أوروبا الملحّة إلى الغاز، وبالتالي تكون قد بدأت بتحويل ما فرض عليها خلال 40 عاماً إلى فرصة تُثبت فيها أهميّة وجودها كدولة محوريّة وإقليميّة لا يمكن تجاهلها على مستوى الاقتصاد السياسي واقتصاد الطاقة.
كما ستؤدي دوراً كبيراً في واقع اقتصادي جديد يزيد القوة الاقتصادية الواعدة في آسيا، فهي تمتلك مصادر الطاقة والمواد الأوليّة التي تؤهلها لتكون دولة صناعية إنتاجية بامتياز.