إيران: حصاد المقاومة والصمود
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
أيا كانت حصيلة مفاوضات جنيف حول الملف النووي الإيراني فإن الحقيقة التي يكرسها احتشاد وزراء خارجية الدول الكبرى الذين توافدوا بعد تبلغهم مؤشرات التوصل إلى اتفاق مبدئي قد تعقبه فصول تفاوضية عديدة في المستقبل القريب هي أن الحصار الأميركي والغربي على إيران يسقط بعد أربعة وثلاثين عاما من الفشل والحروب والمؤمرات صمد فيها شعب وقيادة مصممان على المقاومة والتقدم في تحدي المشيئة الاستعمارية .
أولا توقيت الخضوع الأميركي لمبدأ الاعتراف بالقوة الإيرانية جاء بعد إسقاط قرار العدوان الأميركي على سوريا بفضل صلابة منظومة المقاومة في المنطقة ومعها حلفاؤها في العالم من القوى المناهضة للهيمنة الأميركية الأحادية وهذا ما ولدته إرادة المقاومة السورية ومعها ثبات إيران وحزب الله وسائر مكونات محور المقاومة في المنطقة في التصدي لأي عدوان استعماري يستهدف أيا من أطراف هذا التحالف وهي حقيقة استراتيجية رسخها الصمود السوري وقد شرعت تتبلور في فضاء الشرق منذ دحر الاحتلال الصهيوني عن أرض لبنان عام 2000 وهزيمة الغرب وإسرائيل وشركائهما في جميع الحروب الاستعمارية الخاسرة التي تبعت ذلك الإنجاز وبالتالي فانكسار الغطرسة الاستعمارية وسقوط الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم هو حاصل مجابهات بطولية وصمود أسطوري سطرته شعوب المنطقة ولعبت فيه إيران دورا محوريا ناهيك عن كونها القوة الحاضنة والداعمة لجميع حلفائها في محور المقاومة والتحرر وهذا ما يمثل الوجه الرئيسي للإنجاز الإيراني .
ثانيا استطاعت إيران بإرادة شعبها الاستقلالية الحرة وبتصميم قيادتها الكفؤة والمقدامة أن تتغلب على الحصار الاستعماري وأن تمتلك قدرات اقتصادية وتقنية وعلمية وعسكرية هائلة تؤهلها لدخول نادي القوى العظمى في العالم والاعتراف الأميركي بهذه القوة يتوج مسارا طويلا من الإنجازات الإيرانية وصمودا في مجابهة عقود من المخططات الاستعمارية الصهيونية لضرب القوة الإيرانية ولاستنزافها وتدميرها بتمويل سعودي خليجي انطلق مع حرب الخليج الأولى التي أعقبت انتصار الثورة الإيرانية وواجهت إيران كل ذلك بإرادة المقاومة وباحتضان جميع القوى المناهضة للحلف الاستعماري الصهيوني وهو ما كانت قاعدته المركزية التحالف بين سوريا العربية وإيران الإسلامية منذ اللقاء التاريخي بين الراحلين الكبيرين الرئيس حافظ الأسد والإمام آية الله الخميني ، ولعله من الدقة والواقعية بمكان تشبيه الاعتراف الأميركي بالقوة الإيرانية بالاعتراف بالصين الشعبية ومن وجوه الشبه أيضا علاقة ذلك التراجع الأميركي بالبيئة الإقليمية المجاورة والمتأثرة بالتحولات الكبرى التي فرضها توازن القوى وكما كان الاعتراف بالصين مقدمة لتغييرات شملت الهند الصينية وشرقي آسيا فإن ما سوف يعيشه الشرق العربي والخليج من تحولات بعد التقدم الإيراني سيكون مهما ومؤثرا أيضا.
ثالثا يكشف المتضررون والخائفون من نتائج الانكسار الأميركي عن وجوههم في تل أبيب والرياض وهم اعتاشوا وبنوا مصالحهم وحركتهم الإقليمية على عقود حكمتها الأولويات الأميركية والغربية التي تمحورت حول التصدي الهجومي بشتى الوسائل لمسار تبلور القدرات الإيرانية والمواجهة المفتوحة عسكريا واستخباراتيا وسياسيا واقتصاديا ضد محور المقاومة الذي تشكل إيران حاضنه الرئيسي بقدراتها وبدورها المباشر ودعمها المستمر وسوف يكتشف الخصوم أكثر فأكثر مقدار الحزم المبدئي الإيراني في الوقوف مع شركاء خيار المقاومة ورفض أي مساومة على ذلك فإيران الداعمة للمقاومة والمتمسكة بقضية فلسطين تضع رصيدها النوعي المتعاظم في العلاقات الدولية في حساب قوى المقاومة والتحرر في المنطقة من سوريا إلى المقاومة اللبنانية مرورا بالقوى الحرة التي تدافع عن حقوقها الطبيعية في منطقة الخليج من العراق إلى البحرين فاليمن وفي ذلك ما يضاعف من مخاوف القوى المهيمنة التي استندت طويلا إلى نهج الحروب والمغامرات الأميركية الإسرائيلية التي لم ينته زمانها بعد لكنها دخلت في مآزق مصيرية تجعل من الصعوبة مواصلتها بعدما تضاعفت الأثمان والتكاليف على المغامرين وهو ما تكفل بتظهيره وبقوة اختبار القوة حول سوريا بما يكرس الفشل الاستراتيجي للسياسة الاستعمارية في المنطقة .
رابعا العلاقة المقبلة بين إيران والولايات المتحدة ومن قلب المشهد التفاوضي ستكون جزءا من منظومة حرب باردة إقليمية وعالمية ومن الوهم افتراض انها ستنتج تسويات شاملة لجميع مشاكل المنطقة دفعة واحدة وثمة افتراق واضح في الأولويات فالهم الأميركي الأول هو التوصل إلى تفاهمات تسبق الانسحاب من أفغانستان بينما ستبقى فلسطين مركز الاهتمام الإيراني وقد برهنت جميع الفصول السابقة من الصراع على مدى صلابة الموقف الإيراني المبدئي في دعم سوريا ورفض المساومة على مرتكزاته الواضحة في ظل اضطرار الولايات المتحدة وحلفائها إلى الاعتراف الضمني بالفشل وسوف تظهر مؤشرات الشروع بالتراجع خلال الفترة القريبة القادمة بينما بدأت عواصم أوروبية حليفة لواشنطن تكثف من رحلات موفديها إلى دمشق .
في الحصيلة ومن سياق التراكم المستمر للإنجازات يحق لشعب إيران ولقيادتها ولسائر شعوب المنطقة الاحتفال بانتزاع ذلك الاعتراف الاستعماري بالقوة الإيرانية العظمى لأنه إقرار مبرم بانتصار إرادة المقاومة والصمود والاستقلال في هذا الشرق. في الحصيلة تبدل شكل الصراع و يستمر جوهر التناقض الأصلي بين ايران الحرة المستقلة و حلفائها في محور المقاومة من جهة و بين الحلف الاستعماري الصهيوني و الحكومات العميلة والتابعة من جهة اخرى وهو تناقض يحكمه توازن جديد يتحول لمصلحة ايران و شركائها.