إيتمار بن غفير يقتحم المسجد الأقصى.. جس النبض لا يزال مستمراً
صحيفة الوطن السورية-
عبد المنعم علي عيسى:
مثلت الحكومة التي شكلها بنيامين نتنياهو مؤخراً في أعقاب الانتخابات التي شهدها كيان الاحتلال الإسرائيلي شهر تشرين ثاني الماضي، الائتلاف الأكثر تطرفاً في إسرائيل من بين الحكومات الـ37 التي تشكلت منذ قيامها أيار من العام 1948 حتى الآن، بل والأكثر تطرفاً من بين الحكومات الـ6 التي شكلها نتنياهو نفسه منذ وصوله إلى سدة السلطة شهر أيار من العام 1996، حيث الوصول هنا كان تعبيراً عن طي مرحلة من «الاعتدال» كان يقودها رئيس الوزراء السابق إسحق رابين الذي اغتيل شهر تشرين ثاني من العام 1995.
احتوى ائتلاف نتنياهو الجديد، الذي سيحكم من خلاله، على كل من حزب الليكود 32 مقعداً، وهو حزب يميني قومي يتبنى الصبغة الصهيونية، والحزب الديني الصهيوني 14 مقعداً، إلى جانب تكتل لأحزاب دينية ضمت كل من حركة «شاس» 11 مقعداً وتحالف «يهود التوراة» 7 مقاعد، مع لحظ أن القاعدة التي تستند إليها حركة شاس، هي في جلها من اليهود الشرقيين في حين أن التي تستند إليها «يهود التوراة» هي في جلها من اليهود الغربيين، وتلك ظاهرة مهمة تبرز، لربما للمرة الأولى، وهي تتمحور حول تثقيل الأثر الديني الذي يلعبه اليهود الشرقيون على نظيره عند الغربيين الذين لا يزالون ينظرون لهؤلاء نظرة دونية قياساً لأصولهم التي تعود جذورها إلى بلدان المشرق التي تشكل البلدان العربية أهمها.
تعتمد هذه المكونات الثلاثة، أو الأربعة، التي ضمها ائتلاف نتنياهو ذي الـ64 مقعداً، على إرث ديني متطرف، وأحزابه وحركاته كلها نشأت في أحضان نزعات دينية شديدة التطرف مثل حركة «الوطن الأم» التي أسسها الجنرال رحبعام زئيفي العام 1988 والتي نادت بتهجير العرب إلى شرق نهر الأردن، وحركة «كاخ» اليهودية التي أسسها الحاخام مائير كاهانا العام 1971 وشعارها الأبرز هو هدم المسجد الأقصى، واللافت هو أن هذه الأخيرة مضت في تطرفها حتى غدا إرث كاهانا لدى أجيالها الجديدة «معتدلاً» الأمر الذي يمكن لمسه في انشقاق عنها سيحمل اسم «العظمة اليهودية» الذي سيقوده المحامي ايتمار بن غفير العام 2013، وهذا الأخير سيبزغ نجمه ليصبح الأشهر إسرائيلياً في غضون العامين الماضيين وصولاً إلى تعيينه بمنصب وزير الأمن في حكومة نتنياهو الأخيرة.
هذه التوليفة التي سيحكم من خلالها نتنياهو ستجعل من هذا الأخير أسير تلك الحركات التي تمتلك نصف مقاعد ائتلافه، والراجح هو أنه لن يستطيع كبح جماحها الماضي نحو تثقيل فعل الأساطير اليهودية وصولاً إلى نسف إرث الفلسطينيين وتغيير هويتهم في منحى يقوم على فرضية أن الضعف العربي الماضي في مسار لا يبدو أن ثمة قيعان له، يمثل فرصة ذهبية للاستثمار فيه، ولعل تلك الفرضية تقوم أيضاً على أن ذلك الضعف هو مرحلي، بمعنى أنه ناجم عن ابتعاد الحكومات العربية عن شارعها، وهو لن يلبث أن يتغير فيما إذا استطاع هذا الأخير استبدال سطحه السياسي بآخر يكون أكثر انسجاماً مع ذاته الجمعية، وعندها قد يكون من الصعب إنجاز ما يمكن إنجازه الآن.
وكان في النتائج التي أفضت إليها الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، الكثير مما يجب التوقف عنده، لكن الأبرز منها هو أن الحركات والأحزاب «العلمانية» قد تلاشى تأثيرها تقريباً، فـ«حزب العمل» المؤسس للكيان، توارى وراء نسبة 3.69 بالمئة، وهي نسبة لا تزيد سوى قليلا عن «حافة التمثيل» التي تقف عند 3.25 بالمئة، أما حزب «إسرائيل بيتنا» فقد حظي بستة مقاعد فقط، في حين لم تستطع حركة «ميرتس» الوصول إلى العتبة التي تمكنها من التواجد تحت قبة «الكنيست»، واللافت هو أن ذلك الانزياح في المزاج العام كان قد حصل لمصلحة تيارات دينية متشددة يشكل عنصر الشباب ممن تتراوح أعمارهم بين 20 – 30 سنة عصبها الأقوى، وبمعنى آخر فإن هذه الأجيال التي ولدت ما بين 1990 – 2000 شبت وتكونت قناعاتها في مرحلة الضعف العربي التي كانت محطة 2 آب 1990 ممثلة بغزو العراق للكويت، حجر الأساس الذي بنيت عليه تلك المرحلة التي لم تبلغ ذراها بعد كما يبدو، واللافت أكثر هو أن المحطة السابقة كانت قد استولدت مساراً عربياً بدأ بمؤتمر «مدريد للسلام» عام 1991 ثم توالت محطاته في «أوسلو» عام 1993 و«وادي عربة» في عام 1994 قبل أن تلحق ثلاث دول عربية أخرى بذلك الركب.
ايتمار بن غفير، وزير الأمن في حكومة نتنياهو الذي يضع في منزله صورة لبارون غولدشتاين الذي قَتل عام 1994 عشرات المصلين في المسجد الإبراهيمي بالخليل، اقتحم المسجد الأقصى فجر يوم الثلاثاء 3 كانون ثاني الجاري بالتوافق مع «العاشر من تيفيت» التي تؤرخ لحصار الملك نبوخذ نصر للقدس حسب الزعم التوراتي، الخطوة التي قامت بتزكيتها المؤسستان الأمنية والسياسية، وإن كانت تلك التزكية «مشروطة»، حيث كان فعل التأييد يقع ضمن ضوابط من بينها أن يكون الاقتحام باكراً، وألا يستمر لفترة طويلة، واستمر لمدة 12 دقيقة فقط، ثم ألا يتخلله ممارسة لطقوس «التلمود» التي يظهر بن غفير تعلقاً كبيراً بها.
ما تشير إليه السياقات السابقة، إضافة للمقارنة ما بينها وبين اقتحام ارييل شارون للأقصى شهر أيلول عام 2000 الذي استولد انتفاضة دامت لخمس سنوات، يشي بأن الخطوة هي أقرب لعملية «جس نبض» يراد من خلالها تحديد الدرجة التي وصلت إليها الحروق في نسيج الهوية والانتماء الفلسطينيين، لكن فعل «الاستطلاع» الذي مر هادئاً لاعتبارات عدة أبرزها التوقيت، يوم الثلاثاء، وعدم الإفصاح عن موعد محدد، ناهيك عن قصر المدة، ثم جدار الفصل الذي أقيم العام 2002، كلها عوامل تجعل من الركون إلى النتائج أمراً خادعاً، فالحروق على الرغم من أنها قائمة بل وبادية للعيان لكنها لم ولن تصل لدرجة «موات» الخلايا الحية المسؤولة عن دوام النبض فيها.
سؤال كبير تطرحه هذه السيناريوهات وهو يلقي بظلاله علينا: لماذا كلما اتجهنا صوب «الاعتدال» مال المزاج العام في إسرائيل نحو التطرف؟