إهتمام فرنسي بمنظمات المجتمع المدني في لبنان!
موقع الخنادق:
يبدو من المقرر بحسب المشروع الغربي ان يعيش لبنان فوضى في الدولة والحكم من خلال اختلاق الازمات وإلهاء المسؤولين بتوترات سياسية داخلية وخارجية لإقصاء دور الدولة بكافة أجهزتها في تنظيم الشؤون المعيشية والإنسانية للمواطنين اللبنانيين، ما يسمح بدخول “منظمات” غير واضحة الهوى والهوية، وتفتقر الى رؤية طويلة الأمد في التعامل مع الأزمات، وتحويل المجتمع اللبناني الى “منظمات غير حكومية”، وكما ان الهدف الأهم والأبعد هو استهداف حزب الله وبيئته بشكل مباشر، وتصويره كجزء من النظام الحاكم الذي “فشل” طيلة عقود.
ان هذه المنظمات غير الحكومية التي ارتفع عددها وزاد نشاطها خاصة السنين الخمس الأخيرة والتي استثمرت في حدثين مهمين في البلد (حراك 17 تشرين عام 2019، وانفجار مرفأ بيروت عام 2020) كانت بتمويل مباشر من واشنطن وبتنظيم وتنسيق مع سفارتها في عوكر، لكن اللافت اليوم أيضاً الدور المتزايد لفرنسا بدعم مثل هذه المنظمات كما اهتمامها بالتصويب على حزب الله.
كيف يهمش الاميركيون الدولة ودورها من خلال دعم المنظمات غير الحكومية؟
قال جيفيري فيلتمان في حزيران 2010 عندما كان سفيراً في لبنان، أن الولايات المتحدة تقدم المساعدة والدعم في كل الدول العربية، والى مؤسساتها التي تعمل على إيجاد بدائل “للتطرف”، من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي) في تونس والجزائر والمغرب والأردن ولبنان ومصر…
وبعد عشر سنوات من استغلال واشنطن لهذه المنظمات، قال جون بارسا مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (تعنى بإدارة المساعدات الخارجية المقدمة للمدنيين)، في التاسع من آب لعام 2020 سألتقي شركاء الوكالة الذين يستلمون المساعدات الإنسانية والصحيّة في بيروت. واستغلّت الولايات المتحدة هذه المنظمات في حشد الناس في الشارع أيام حراك 17 تشرين، بحسب ما قاله ديفيد شينكر في أيلول 2020.
وبعد انفجار المرفأ قال جون بارسا إن الوكالة قدمت حتى الآن أكثر من 15 مليون دولار كمساعدات إنسانية لدعم جهود الرد على هذه الكارثة، والمساعدات الأميركية لن تصل حتما إلى الحكومة اللبنانية، ولكنها ستذهب إلى الشعب اللبناني عبر الجامعة الأميركية في بيروت والجامعة اللبنانية الأميركية، ما يؤكد على المحالات الأمريكية لاستبعاد الدور الفعلي للدولة اللبنانية وابقاءها رهينة بيد ما يسمى المجتمع المدني!
أمّا السفيرة الأميركية، دوروثي شيا فكانت قد قالت في لقاء بتاريخ 13 تشرين الثاني 2020، مع مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية إن واشنطن “ترى حاجة للمساعدة في تعزيز المجتمع المدني هنا، وتقوية مؤسسات الدولة، ومكافحة التأثير المدمر للجهات الفاعلة الخبيثة مثل حزب الله”.
المنظمات غير الحكومية تقوض العقد الاجتماعي؟
في مقال للباحثة الفرنسية كلوثيلد فاكون في صحيفة “مفاتيح الشرق الأوسط” تشير فيه الى التأثير المباشر لعمل هذه المنظمات بعيداً عن الدولة والتنسيق معها، وتطرح تساؤلات عن المكانة المهمة للمنظمات غير الحكومية باعتبارها عقبة أمام تطوير النظام السياسي الى نظام أكثر ديمقراطية؟ لتجيب بالقول انه في لبنان، يتم مناقشة دور هذه المنظمات غير الحكومية، وجودها لا نقاش فيه، لكن تحويل المجتمع اللبناني إلى منظمات غير حكومية يهدد بتقويض ظهور جماعة عامة وعقد اجتماعي، وتعمل هذه المنظمات من خلال “المساعدة ” التي تقدمها على تهميش الجهات الفاعلة العامة.
وتضيف ان قطاع المنظمات غير الحكومية يُتهم أحيانًا باحتكار الشباب اللبنانيين المتخرجين، من خلال الرواتب التي تستطيع هذه المنظمات غير الحكومية تقديمها في سياق الأزمة الاقتصادية، مما يؤدي إلى تشتيت انتباههم عن المشاركة السياسية، لكن هذا القطاع لا يسبب التغيير السياسي، إنما في النهاية يبقى الوضع الراهن على ما هو عليه، لأن التغيير السياسي يأتي من المنظمات السياسية.
خلفيات الدور الفرنسي في منظمات الNGOs
كلودين فالكونل المنتسبة الى المعهد الفرنسي للشرق الأوسط، تعمل على سياسات المساعدة التي تنفذها الجهات الدولية الفاعلة في لبنان، ولا سيما فيما يتعلق باللاجئين السوريين، حول تسييس المساعدات الإنسانية، وكذلك التفاعلات بين الأجندات الإنسانية والأمنية
وفي المعهد الفرنسي للشرق الأوسط ثمة توجه واضح منذ حوالي الثلاث الى خمس سنوات للاهتمام بحزب الله وبيئته، بالإضافة الى مراكز بحثية فرنسية أخرى، منها مجموعة ENS في مدينة ليون (Leon) الفرنسية.
هذا التوجه الفرنسي في لبنان كما في دول عربية عديدة، يعتبر جديداً لكنه يتبع التقليد الإنجليزي-لأمريكي الذي يسبقه بسنوات كثيرة والذي أنشأ مراكز بحوث داخل جامعات مهمة، لعل من أبرزها المجموعة التي تديرها منى حرب.
ومنى حرب هي أستاذة الدراسات الحضرية والسياسة في الجامعة الأمريكية في بيروت، لديها أبحاث مستمرة في مسائل الحوكمة في سياقات الدولة المحدودة والنزوح، وتكوينات الحياة الجماعية في المدن المتنازع عليها، وفي اهتمامها الخاص والبارز بحزب الله ألّفت كتاباً تحت عنوان: “حزب الله في بيروت: من الضاحية الى المدينة”، ومن مواقفها، في برنامج “عشرين 30” على القناة اللبنانية “ال بي سي” تقول إن ” الجمعيات غير الحكومية هي اليوم التي تدير عملية إعادة الإعمار بشكل أساسي الى جانب الجهات المانحة”.
يبدو واضحاً أن دوراً فرنسياً بدأ يظهر نشطاً في الساحة اللبنانية التي تُترك للنزاعات الدولية في ظل أصعب الازمات السياسية والأمنية والاقتصادية ومع قرب الاستحقاق الانتخابي في آذار 2022، لكن يبقى السؤال ماذا ستكشف الأيام القادمة عن حجم الدور والتدخلات الفرنسية والأميركية من بوابة المجموعات غير الحكومية!