إنتصارات أيار تشدّ خيوط العنكبوت نحو الخراب الثالث
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
في 25 أيار 2000 ألقى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله خطاب النصر في بنت جبيل، وقال فيه “إنّ “إسرائيل” أوهن من بيت العنكبوت”. ومنذ ذلك التاريخ تبدّلت الكثير من المعادلات السياسية والعسكرية، سواء منها في الإقليم او في لبنان. وقد أقرّ العدو الإسرئيلي بعد هزيمته في بنت جبيل التي أراد تأديبها وفشل في عدوان 2006، بالقدرات الهائلة التي باتت تمتلكها المقاومة معترفاً بمدى صعوبة قدرة الردع لديه التي لطالما تغنّى بها في ما مضى من عقود .
مفاهيم ومصطلحات أدخلتها قيادة المقاومة بلسان قائدها لم تكن موجودة في العلوم الحربية ولا في الأكاديميات الاستراتيجية ساهمت في كيّ الوعي لدى العدو وبنيته الاجتماعية التي استطاعت المقاومة عملياً أن ترسّخ لديه حقيقة شعار انّ الجيش الصهيوني قد تمّ قهره ولم يعد كما كان يروّج له بأنّ جيشه لا يُقهر، بل أكثر من ذلك فقد كان للشعار الذي رفعه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله حينما قال: ولى زمن الهزائم، الأثر الأكثر إيلاماً ووقعاً على الكيان “الإسرائيلي” الذي كان يطمح ان تستمرّ صورة هزائم الجيوش العربية راسخة في وجدان وأذهان الشعوب العربية لا سيما الجيل الجديد. وهذا ما جعل معلق الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة “هآرتس” يوسي ميلمان يقول “إنّ حزب الله انتصر بالضغط على الوعي الإسرائيلي وأصاب هيئة الأركان بالجنون التي كان هاجسها هو دحض ادّعاء (السيد) نصرالله بانّ المجتمع الإسرائيلي واهن كبيت العنكبوت.
وأرادت في حرب تموز 2006 أن تثبت العكس عبر احتلال مدينة بنت جبيل، واستعراض النصر يشارك فيه رتل من الدبابات يسير في الشارع الرئيسي بمحاذاة مكان الخطاب، إلا أنّ ضراوة المقاومين بحسب شهادات الضباط والجنود الصهاينة الذين شاركوا في محاولة احتلال بنت جبيل حالت دون وصولهم لمبتغاهم ومغادرة المكان يجرّون خلفهم أذيال الخيبة.
بعد مرور عقدين ونيّف على انتصار 2000 حصلت تغييرات وتحوّلات على مختلف الأصعدة بحيث استطاعت المقاومة ومحورها إعادة تفعيل بوصلة الصراع نحو القدس وفي الوقت الذي ظهر جلياً تشبيك الساحات المقاومة التي تراكم قدراتها عاماً بعد عام، نشهد في المقلب الآخر تآكل بيت العنكبوت الذي بدأ ينخره السوس من داخله كما عبّر عن ذلك الكاتب إلاسرائيلي شموئيل روزنر، في مقال له في صحيفة “معاريف” حيث قال “إنّ “إسرائيل” هي الدولة الأقلّ درجة في مستوى ثقة مواطنيها بالمؤسسات الأمنية وأنّ درجة التسامح بين الإسرائيليين تجاه المجموعات السكانية الأخرى معدومة، فهناك توترات داخلية مستمرة على خلفيات إثنية ودينية، وبين العلمانيين والمتدينين، وبين العرب واليهود، فضلاً عن أنّ الإسرائيليين هم شكاكون بطبعهم، ولا يثقون بأحد”.
وهنا يمكن إيجاز نقاط تعكس حالة الاهتراء المؤدي الى الخراب الثالث:
1 ـ حالة التشتت الداخلي والصراعات على السلطة والانقسامات الحادة وهذا أمر مخالف للأسس التي عمل عليها عتاة الصهاينة في القرن الماضي في توحيد المجتمع الاسرائيلي حول هدف محدّد يتداخل فيه الديني والقومي ونجحوا من خلاله في إنشاء كيانهم الغاصب.
2 ـ الهجرة المعاكسة: لم يكن الاندحار من مستوطنات قطاع غزة وبعض مستوطنات الضفة عام 2005 حدثاً عادياً، فإنه في الوقت الذي شكل فيه صدمة لقطاع كبير من المجتمع الصهيوني وخاصة للمستوطنين منهم الذين تملّكهم الخوف حول مستقبلهم الشخصي ومستقبل الاستيطان بشكل عام، فإنه في الوقت عينه شكل صفعة قوية للخطاب الديني بانهيار فكرتي: “إسرائيل الكبرى” و”أرض الميعاد”….
كلّ المؤشرات تشير انّ الذين يغادرون “إسرائيل” يفوق عددهم عدد الذين يفدون إليها. كما تشير التقديرات الإحصائية الإسرائيلية إلى أنّ مئات الآلاف من المستوطنين ممّن يحملون جواز سفر إسرائيلياً، يقيمون بصورة دائمة في دول متعدّدة حول العالم، ولا يرغبون بالعودة إليها. وأنّ أاكثر الإسرائيليين، لديهم نية في التوجه إلى الحصول على جواز سفر أجنبي احتياطي، نتيجة حالة القلق، التي تدور في عقول أذهانهم، وهذا ما يؤكد أنّ شبح الهجرة المعاكسة حاضر في وجدانهم على الدوام.
وتكشف دراسة متخصصة لـ “معهد تراث مناحيم بيغن”، في القدس المحتلة، أنّ أيّ مواجهة عسكرية محتدمة مقبلة مع “إسرائيل” ستجعل المستوطنين الإسرائيليين يغادرونها وينسلخون عنها نهائياً.
3 ـ هروب الأموال… طابخ السم آكله: أصاب الكيان الاسرائيلي ما دأبت على سلوكه راعيتها الولايات المتحدة الأميركية حينما تريد إسقاط دولة تعاديها باللجوء الى استعمال الأسلحة الاقتصادية القذرة من قبيل تهريب الرساميل الأجنبية وزيادة التضخم والتلاعب بالعملة الوطنية، مؤشرات يتحدّث عنها كبار المستثمرين الأجانب والصهاينة، إلا انّ تغيّر الدور الوظيفي لـ “إسرائيل” وتزايد المخاطر الأمنية الداخلية يجعل هروب الأموال والمستثمرين امراً قابلاً للازدياد في الآتي من الأيام.
متغيّرات بنيوية حقيقية مساعدة في مشروع إسقاط دولة الاحتلال الإسرائيلي وتصدّع الجبهة الداخلية وانعدام الثقة بين مكونات المجتمع الصهيوني الى فقدان دورها الوظيفي في المنطقة نوعاً ما، فضلاً عن بداية أفول وضعف في قدرات راعيها الأميركي، يُضاف الى ذلك كله فشل مشروع التطبيع وبروز تفاهمات إقليمية تعزز من الحالات الرافضة لكيانها الغاصب، وهذا ما زاد من وهن بيتها ولا يبعد ان تشدّ خيوط العنكبوت الخناق عليها مسرعة الطريق نحو الخراب الثالث.