إنتخاب مكارثي: فوضى الانتخابات الرئاسية تتراكم
موقع الخنادق-
مريم السبلاني:
عام 1856، لم يستطع مجلس النواب الأميركي انتخاب رئيس له، إلا بعد شهرين و133 دورة اقتراع. حينها، كان النزال محتدم بين عضو في الحزب الأميركي من ماساتشوستس، المناهض للعبودية، ناثانيال بانكس، ضد المرشحين الذين كانوا منفتحين على توسيع العبودية إلى ولايات وأقاليم جديدة، في الوقت الذي كانت الولايات تشهد نزيفاً دموياً، الذي بدأ أولاً فيما سُمي بـ “نزيف كانساس”. اليوم، بعد 100 عام، أعيد السيناريو نفسه، حيث احتاج المجلس لـ 15 دورة لانتخاب رئيسه، لكن هذه المرة بصراع سياسي واقتصادي من نوع آخر.
انتخب مجلس النواب الأمركي، في 8 كانون الثاني/يناير، زعيم الحزب الجمهوري كيفن مكارثي، من كاليفورنيا، رئيساً، بعد 4أيام مثيرة للجدل و15 دورة اقتراع، بعد مواجهة متوترة خاضها مكارثي ضد نواب الحزب الجمهوري مات غايتس من فلوريدا ولورين بويبرت من كولورادو.
على الرغم من تقديم العديد من التنازلات لكسب التأييد منهم ومن الجمهوريين اليمينيين المتطرفين على مدار الأسبوع، إلا أنهم رفضوا دعم مكارثي بشكل صريح (أطلق على المعارضين له تجمع “إلا كيفن”، وهم من الجناح اليميني من الحزب الجمهوري). وبدلاً من ذلك، انضموا إلى أربعة جمهوريين آخرين في التصويت الـ 15 والأخير من خلال التصويت “بالحاضرين”، مما ساعده على انتزاع الفوز، عن طريق تقليل عدد الأصوات التي يحتاجها للحصول على الأغلبية. فاز بـ 216 من أصل 428 صوتاً محتملاً.
خلال الأيام الثلاثة الأولى من التصويت، تضاءل التأييد لمكارثي من 203 أصوات يوم الثلاثاء إلى 200 صوتًا بالتصويت الـ 11 يوم الخميس. بالمقابل، أيد جميع الديمقراطيين البالغ عددهم 212 بالإجماع زعيم الأقلية في مجلس النواب، حكيم جيفريز، في كل تصويت، باستثناء التصويت الـ 12، الذي خرج فيه عضو واحد لإجراء عملية جراحية.
وعن اسباب معارضة بعض النواب الجمهوريين لمكارثي، فيعود إلى اعتبارهم ان الأخير يتحالف مع ما أسموه “مستنقع السياسة الاميركية في واشنطن”. وهي الاتهامات نفسها التي كان الرئيس الاميركي السابق، دونالد ترامب، قد أطلقها ضدهم من قبل. فيما يطالب هؤلاء بأن يتم تعديل بعض القوانين في الكونغرس، خاصة تلك التي ترتبط بأمن الحدود، وآلية طلب التصويت لحجب الثقة عن رئيس مجلس النواب، وشؤون الميزانية والمخصصات المالية الفيدرالية.
ويقول المدير التنفيذي لمعهد الدراسات الأمريكية، ومعاهد الصين للعلاقات الدولية المعاصرة، تشين وينشين، في هذا الصدد إلى ان “الفوضى التي خلفتها انتخابات رئاسة مجلس النواب المطولة التي شلت الكونغرس الجديد، كشفت عن سلسلة من العيوب الراسخة في النظام الديمقراطي الأميركي، مما يجعل من الصعب كسر الجمود السياسي في البلاد لبعض الوقت”.
فيما أشارت صحيفة وول ستريت جورنال في تقريرها، إلى ان ” الولايات المتحدة تشعر بالحرج من انتخابات رئاسة مجلس النواب المطولة التي أصابت الكونغرس الجديد بالشلل مع ندوب خلفتها أعمال الشغب في الكابيتول والتي تلوح أكثر في الذكرى الثانية”.
بدورها، علّقت، الكاتبة في ذي أتلانتيك، جيميل هيل، بأن ما تم مشاهدته “في السياسة الأميركية هو مجرد لائحة اتهام وحشية أخرى لهذا النظام السياسي المختل”.
بعيد الأزمات السياسية الأخيرة التي عصفت بالولايات المتحدة، خاصة بعد وصول الرئيس السابق، دونالد ترامب، إلى البيت الابيض، ثم اقتحام مبنى الكابيتل كونترول مع وصول الرئيس جو بايدن، وما خلّفته العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وأزمة النفط العالمية الأخيرة، يسود الولايات الخمسين جو مسموم من الانقسامات التي تزداد بشكل مطرد. وعلى ما يبدو ان الانتخابات الرئاسية القادمة، لن تكون أقل سخونة مما شهده مجلس النواب أخيراً، فيما يبقى الترقب ان يمر هذا المخاض بأقل نسبة من الدماء التي توسم مختلف المراحل السياسية العصيبة التي مرت بها واشنطن منذ عقود.