إمتحانات السيادة وسباق التزلف: كثر الراسبون
موقع العهد الإخباري-
ليلى عماشا:
لعلّ شعار السيادة هو الشعار الأشهر لبنانيًا. فكلّ ذي لسان ينطق به ويردّده في كلّ مناسبة، وليس أفصح من العبيد في صياغة السيادة شعارًا مفرغًا حتى من مضامينه اللغوية. ولعل ما حدث في سياق الهجوم المحليّ على وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي خير مثال على الفارق بين من يفهم السيادة ويمارسها، وبين من يتخذها شعارًا يمارس خلفه كل مراسم الانبطاح والذلّ الطوعي تجاه أولياء أمره الممثّلين في السفارات، ونعني هنا السفارتين الأميركية والسعودية وتلك التي تدور في فلكهما.
منذ اللحظة الأولى التي تلت عرض مقابلة الوزير قرداحي، والتي كان قد أجراها قبل تكليفه بوزراة الإعلام في حكومة نجيب ميقاتي، تسابق اللبنانيون من ذوي الهوى السعودي إلى رجمه، وسبقوا السعوديين أنفسهم إلى ذلك. علمًا أن الرجل لم يتفوه بإساءة إلى أي دولة من دول الخليج ولم يقم سوى بالإجابة عن رأيه الخاص حول الحرب على اليمن، والذي يطابق آراء معظم الناطقين الرسميين من دول العالم باعتبار هذه الحرب حربًا عبثية، وحين وصف حال اليمنيين بالدفاع عن النفس، لم يقم سوى بنقل توصيف موضوعي يقرّ فيه كل ذي نظر في الدنيا. قامت قيامة متسعودي لبنان ولم تقعد. هذا يطالب باستقالة الوزير وذاك يدعوه إلى الاعتذار.. ومنهم من طالب السعوديين بمعاقبته، وكونهم أصحاب خبرة في الإنبطاح وخيمة البخاري تشهد، احتاروا في اقتراح صياغة اعتذارات وإقالة تراضي خاطر السعودي المهزوم، وترفع من معنوياته المحطّمة في اليمن وفي كلّ مكان تدخل فيه وهُزم.
اللافت أن هذا الجمع ينتمي إلى فئة المتبارين عادة في تكرار كلمة “سيادة” في كلّ مناسبة، حتى تلك المناسبات التي يشهرون فيها ذلّهم ويتفنّنون بإظهار تبعيتهم المدفوعة ولا سيّما تجاه السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، باعتبارها دولًا قادرة على تمويل حاجاتهم المتزايدة للرفاهية وعلى مدّهم بكلّ ما بحتاجونه لتمكين أنفسهم ولو على حساب كراماتهم..
تفاجأ جميع هؤلاء بأن الوزير يرفض الانبطاح الذي يطالبونه به. اشتدّ غضبهم وازدادت حيرتهم، أولًا في البحث عن سبل تجبره على التنازل، وثانيًا لأن متانة كرامته أظهرت ذلّهم، وثالثًا لأنه شكّل مثالًا حيًّا عن الحفاظ على السيادة بحقّ، ففضح ممارساتهم المقزّزة في فنون العبودية بحجّة أن لا مجال للاحتفاظ بمنصب ما دون اختبار كلّ صنوف الذلّ ولا سيّما تجاه آل سعود.
من ناحية أخرى، تفاعل الجوّ السعوديّ مع المسألة وكأنها مسألة داخلية لديه، فطالب البعض بإقالته وكأنه وزير في بلاطهم الملكي، وآخرون تساءلوا إن كان “يصدّق نفسه” كوزير إذ من المعروف أن السعوديين مسكونون بوهم قدرتهم على السيطرة على الشؤون اللبنانية، ناهيك عن حفلات السبّ والشتم التي يتميزون بها كونهم مبرمجين أصلًا على الهروب من مواجهة العقل بالعقل والتعويض عن عحزهم هذا بمواجهة الأفكار بالسباب، والنقد بالشتم.
فشلت السعودية في كلّ مكان ذهبت إليه، وانكشفت ككيان هشّ رغم نفطه وماله وعلاقاته.. كيان يهزّه أن يرفض وزير لبناني الاعتذار عن إساءة لم يرتكبها، ويهز معه فرقة السيادة الاستعراضية لفنون الذل والانبطاح!