إلى أبطال عملية “نفق الحرية”
موقع العهد الإخباري-
إحسان عطايا:
الأسرى الأحرار رغم العزل: محمود عبد الله عارضة، محمد قاسم عارضة، يعقوب محمود قادري، أيهم فؤاد كممجي، مناضل يعقوب انفيعات، زكريا محمد الزبيدي.
تحية الجهاد والمقاومة، تحية البطولة والشجاعة، تحية العزة والكرامة، تحية الحرية الموعودة…
عام مضى على نجاحكم في انتزاع حريتكم، لأيام معدودة، من سجن “جلبوع” الذي يعتبر الأشد تحصينًا بين سجون الاحتلال. في السادس من شهر أيلول عام 2021، كان موعدكم مع نسائم الحرية، وعبق الزهور، وزقزقة الطيور، ومع سماء فلسطين وسهولها، وبساتينها ومساجدها…
لم يكن فعلكم الإبداعي في ذلك التاريخ مجرد إنجاز عابر، بل كان عملاً بطوليًّا يؤرخ به، وقد دُوّن بأحرف من نور على صفحات مشرقة في سجل فلسطين النضالي.
رسالتكم وصلت إلى كل العالم، وحكايتكم أصبحت على كل لسان، وقصتكم تحولت إلى أنموذج يحتذى. استطعتم أن تقدموا منهاجًا يُدرّس في مدرسة الجهاد والمقاومة، فقد تفوقتم على عدوكم، وعطلتم مفاعيل أجهزته الأمنية وتحصيناته العسكرية وإجراءاته البوليسية… ولن ينسى العدو هذه العملية وما فعلتموه به، ولن يستطيع أن يمحو آثارها مهما فعل بكم… فلا العزل، ولا التعذيب النفسي والجسدي، ولا الإرهاب، ولا كل أساليبه القمعية، يمكنها أن تفتّ من عضدكم، أو تكسر عزيمتكم وإرادتكم، أو تؤثر على معنوياتكم، أو تثنيكم عن تحقيق أهدافكم، أو تحرف بوصلتكم عن طريق القدس وفلسطين، درب الشهداء والمقاومين.
صدى بطولاتكم ما زال يتردد في أرجاء المعمورة، وغرسكم الذي زرعتموه قد أينعت ثماره سريعًا، فها هي كتائب الجهاد، في جنين ونابلس وطولكرم وطوباس… تتصدى لقوات الاحتلال وجنوده كل يوم، ومعركة الأسرى في سجون العدو لم تتوقف، والمواجهات في الضفة مستمرة…
أما ما ورد في رسالتي محمود ومحمد عارضة اللتين نشرتهما عائلتهما قبل عدة أيام، فيؤكد على مستوى الوعي لديكم أيها القادة الأبطال، ومدى ثباتكم في معركتكم المستمرة ضد عدوكم، وقدرتكم على تحمل العذابات نتيجة همجيته وعدوانيته.
فها هو القائد محمود عارضة، يتحدث في رسالته حول الإجراءات العقابية المفروضة على أبطال “نفق الحرية”، وظروف العزل الانفرادي القاسية داخل زنازين العدو، قائلاً: “نحن نسير على الجمر دون أن نخاف الحرق، قلوبنا تتألم لتحرير فلسطين، نطالب بالحرية وسنحصل عليها، رغم أنف العدو، عن قريب”.
وها هو صاحب العقل المبدع والفكر الثاقب القائد محمد عارضة، يتحدث في رسالته حول الدروس المستفادة من تجربة العزل الصعبة، بعد عملية “نفق الحرية”، قائلاً:
“الحقائق لا تدرك إلا بعد الصعاب والتجارب… كم كنت أظن أنني أعرف عن اليهود والصهاينة، أو حتى عن الناس بشكل عام، لكنني أدركت أشياء في هذه المحنة لم أكن أعلمها من قبل.
تجربة العزل تجربة شاقة، فأنت في التحام متواصل مع السجان وأعوانه، التحام نفسي وفكري وجسدي، ترى فيها وتسمع كل أصناف الأرض من البشر، وتسمع كل اللغات، تلتقي كل أصناف البشر، بمختلف اتجاهاتهم وأنماطهم، لم يكن لي أن أدرك الشرّ على حقيقته، وأعرفه من دون تمييز، لولا هذه التجربة.
هذه التجربة علمتني الكثير من الحقائق، أرى فيها الكره، وأساليب القهر، والإهمال المقصود والمتعمد والمخطط له، على وجه الحقيقة والخيال…
ربما تكون كلماتي هذه لا معنى لها بنظر البعض، ولكن الوحدة والفراغ تدعوني لأسجل بعض ما أشعر به وأحسّ، ولعل كلماتي تجد من يفهمها… لقد علمت أن الحقائق دائمًا تدرك في المهاوي والمحن”.
أمام هؤلاء القادة المبدعين، ماذا عسانا نقول؟!
إنهم وهم في زنازين العزل يعلموننا الدروس، ليس في الصبر والمقاومة والجهاد فحسب، بل في الحياة وفلسفتها، في إدراك الحقائق، في معرفة صنوف الناس وفهم النفس البشرية…
نعم، إن من يثق بأنه سينال الحرية قريبًا وهو في العزل، ومن لا تؤلمه ظروف العزل بقدر ما يتألم من أجل فلسطين ويتشوق لتحريرها، ومن يرتقي سلّم الصعاب وهو يستخلص العبر والدروس، ويسجلها لأجيال فلسطين… فإنه يؤكد لشعبنا ولأمتنا أن المقاومة بخير، وأن راية النصر والتحرير سترفرف فوق ربوع الوطن لا محالة، وأن باب الجهاد لن يوصد طالما عدونا يعبث بأرضنا ومقدساتنا، وأن تضحيات أبناء شعبنا لن تذهب سدى، وأن الطريق نحو تحرير فلسطين مفتوح “لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ”.