إكتشاف حقل الليثيوم الضخم في ايران.. ماذا سيغيّر؟
موقع العهد الإخباري-
شارل ابي نادر:
يعاني كيان “العدو” بكثير من الحسرة والمرارة وبما يشبه العجز والاقتراب من الاستسلام، مما وصلت اليه ايران على مستوى قدراتها العسكرية النوعية ذات الطابع الاستراتيجي، من صواريخ باليستية وصواريح كروز بحرية وصواريخ فرط صوتية مؤخرًا، إلى المسيّرات المختلفة الاستعمالات والمهام والقدرات، والتي أثبتت فعاليتها على الصعيد العالمي ووضعت لها موقعًا متقدمًا بين مسيّرات الدول المتطورة عسكريًا وتكنولوجيًا. كما يعيش الكيان الصدمة على خلفية الاتفاق السعودي – الايراني وما نتج عنه من تفاهمات ايرانية – خليجية وعربية، وما رشح عنها من مشاريع أمنية وتحالفات بحرية أمنية ايرانية خليجية زعزعت أسس وأهداف “تل ابيب” من مشروع التطبيع الذي طالما راهنت عليه.
كذلك، يعاني الكيان من ضياع وفقدان للتوازن إزاء ما يراه أو ما يسمع عنه، حول خطوات متقدمة قد تحصل قريبًا على صعيد الملف النووي الايراني، وما رشح وبنسبة متقدمة جدًا، عن اقتراب انجاز اتفاق ايراني غربي في هذا الاطار، يحترم بنسبة كبيرة أغلب الشروط التي كانت وضعتها طهران وثبُتت عليها قبل وبعد توقف المفاوضات الأخيرة حول الاتفاق.
ومع كل ما تعيشه اليوم “اسرائيل” من ضغوط نتيجة ما ذكر أعلاه، يضاف إليه ما تعانيه على صعيد الخلافات الداخلية، على خلفيات سياسية أو على خلفية النزاع الحاد على التعديلات القضائية، جاء خبر اكتشاف حقل الليثيوم الضخم في إيران لينزل كالصاعقة على رأس المسؤولين والمتابعين الاسرائيليين، بما يمكن أن يحقق لطهران من امتيازات متقدمة جدًا وفي كافة المجالات، وبما يمكن أن يكون له من تأثيرات حاسمة ومصيرية على مستوى الصراع والمواجهة بينها وبين “اسرائيل”، وذلك بالاستناد إلى ما قالته في هذا المجال الخبيرة الإسرائيلية في الجغرافيا السياسية، عنات هوخبرغ ماروم لصحيفة “معاريف” الإسرائيلية من أنّ اكتشاف خزان الليثيوم الإيراني يمكن أن يؤدي إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي، ويمنح طهران وضعاً غير مسبوق، جيوسياسيًا واقتصاديًا.
فكيف يمكن مقاربة هذا الاكتشاف لناحية ما يقدمه لموقع ايران الاقليمي والدولي، وبالتالي، لناحية تأثيراته على مستوى البعد الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط حيث الصراع بين “اسرائيل” وبين محور المقاومة قد يكون المحور الاساسي والمحرك الرئيسي لاغلب ملفات المنطقة التي لها تأثيرات مهمة على الكثير من الملفات الدولية؟
لا شك أن اكتشاف ايران هذا الحقل الضخم من الليثيوم في أراضيها سيشكل نقطة تحول استراتيجية في موقعها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وقد تم الاعلان عن اكتشاف أول مخزون ضخم من معدن الليثيوم في سهل قهاوند، الواقع على بعد أكثر من 50 كيلومتراً شرقي مدينة همدان غربي البلاد. وقدّرت وزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية احتياطات الليثيوم المكتشف (صخور الليثيوم) بنحو 8.5 ملايين طن، وذلك من منجمين منفصلين بمساحة تبلغ نحو 11 كيلومتراً مربعاً، مقارنة مع ما قدرته هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2022، بأنّ احتياطات الليثيوم بلغت 89 مليون طن في جميع أنحاء العام، بذلك تصبح طهران في المركز الرابع على المستوى العالمي في احتياطات الليثيوم، وذلك بعد بوليفيا التي يُقدّر إجمالي مخزونها بـ21 مليون طن، والأرجنتين بـ19 مليون طن، ثم تشيلي التي تمتلك 9.8 ملايين طن، فإيران 8.5 مليون طن، وأستراليا 7.3 ملايين طن من الليثيوم. وبهذا يُقدّر احتياطي إيران من الليثيوم بنحو عُشر الاحتياطات عالمياً.
اليوم، يتقدم الطلب عالميًا على الليثيوم الذي يطلق عليه “نفط القرن الحادي والعشرين”، لأنّه يستخدم مادةً رئيسة في الصناعات النووية والعسكرية والفضائية والتكنولوجية، ويستخدم في صناعة الهواتف المحمولة ورقائق الحواسيب العملاقة وإنتاج الطاقة الشمسية، وأيضًا في إنتاج بطاريات السيارات العاملة على الطاقة الكهربائية، والتي تسمح بالاستغناء عن الوقود الذي يبعث غاز ثاني أكسيد الكربون، وحيث يُطلق على معدن الليثيوم اسم “الذهب الأبيض”، لأهميته البالغة في الصناعات الحديثة من جهة، تضاعف من أهميته ومن حاجة الدول الماسة اليه احتمالاتُ نفاد المناجم المكتشفة بعد فترة، حيث لا معطيات تؤكد امكانية اعادة تكوّنه في بواطن الارض، مما يجعل الدول المُنتجة لهذا المعدن تراه اليوم مادة استراتيجية بدرجة أولى.
من الناحية الاقتصادية ما يؤمنه حقل الليثيوم لايران من ايرادات ومن مصادر مالية ضخمة بالتأكيد، سوف ينقل الاقتصاد الايراني الى مستوى متقدم جدًا، وحتمًا، سوف يعزل تداعيات الحصار الغربي والعقوبات الأميركية تحديدًا، وحيث ستكون كل من الصين وروسيا المستوردين الرئيسيين لمادة الليثيوم الايرانية، ستكون خارطة التعاملات التجارية بين ايران وبين هذه الدول وحلفائها غير المنخرطين سياسيًا واقتصاديًا تحت العباءة الأميركية، خارج مسار التأثيرات النقدية والمالية الأميركية.
من الناحية العسكرية، يمكن هنا أن نتكلم عن اتجاهين، الأول يتعلق بتطور الصناعات العسكرية الايرانية التي هي متطورة أساسًا رغم الحصار، استنادًا لما يمكن أن تستفيد من ايران مباشرة من هذه المادة، في مجالات تكنولوجية وعلمية، تخدم التصنيع العسكري النوعي، والاتجاه الثاني، يدخل من ضمن ما يمكن أن تستفيد منه ايران من تمويل مباشر بالعملات الأجنبية بعد تصدير الليثيوم، وما يمكن أن يحققه هذا التمويل لتغطية تكاليف وأثمان استيراد مروحة واسعة من التجهيزات التقنية والعلمية الخارجية المتطورة، والتي سترفع حتمًا من مستوى الصناعات العسكرية الايرانية.
من ناحية العلاقات الدولية، سوف تصبح ايران مع هذه الثروة الاستثنائية بمادة الليثيوم المطلوبة بدرجة اولى عالميا اليوم رقمًا صعبًا على الساحة الدولية، حيث حتمًا، وبنتيجة الحاجة الدولية لهذه المادة، سوف تتغير علاقة ونظرة الدول الغربية نحو ايران، وخاصة نظرة وعلاقة الدول التي غيّرت مؤخرًا من استراتيجية استعمالها للطاقة نحو الطاقة البديلة، حيث الليثيوم يشكل مادة رئيسية للبطاريات التي هي من أساسيات مصادر هذه الطاقة البديلة.
وأخيرًا، وفي البعد الاستراتيجي، يمكن أن نستنتج أهمية هذا الاكتشاف لايران، بمجرد أن نقارن بين حاجة العالم الغربي اليوم إلى تايوان واهتمام المحاور والتحالفات المناهضة للصين بها، والعمل على حمايتها، على أساس أنها مصدر رئيسي دولي لأشباه الموصلات المطلوبة عالميًا بقوة للصناعات الذكية، وبين ما يمكن أن تصبح عليه ايران على الساحة الدولية كمصدر رئيسي لمادة الليثيوم، والتي هي (مادة الليثيوم)، مع أهميتها لمروحة واسعة من الصناعات النووية والعسكرية والفضائية والتكنولوجية، ولصناعة الهواتف المحمولة ورقائق الحواسيب العملاقة وإنتاج الطاقة الشمسية، وأيضًا لإنتاج بطاريات السيارات العاملة على الطاقة الكهربائية، هي أيضًا مادة أساسية لصناعة أشباه الموصّلات، والتي جعلت من تايوان رقمًا صعبًا على الصعيد العالمي.