إقتصاديات شرق آسيا تقاوم فك الارتباط
صحيفة البعث السورية-
عناية ناصر:
كثيراً ما تثير وسائل الإعلام حول التجارة العالمية الرواية القائلة بأن المواجهة بين الولايات المتحدة والصين ستقسم العالم إلى قسمين، لكن للاقتصادات النامية في شرق آسيا وجهة نظر مختلفة حول فك ارتباط سلسلة التوريد منذ أن سجلت واردات وصادرات البضائع بين الولايات المتحدة والصين رقماً قياسياً في عام 2022 وتستمر شبكات الإنتاج في شرق آسيا في التحرك بنشاط.
من الصعوبة بمكان تحديد تأثير فك ارتباط سلسلة التوريد، حيث أصبحت ضوابط التجارة، ولا سيما ضوابط التصدير على منتجات التكنولوجيا الفائقة، أداة سياسية رئيسية لفك ارتباط الولايات المتحدة وبعض حلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك اليابان.
يتم تحديد العناصر الخاضعة لضوابط التصدير من حيث السلع المتداولة والتقنيات المستخدمة ووجهة التصدير والمستوردين والاستخدام النهائي، لكن التغطية واسعة للغاية، ولا يخضع في الواقع سوى جزء صغير من الصادرات لرقابة صارمة، إضافة إلى أن الحكومات لا تكشف عن معلومات حول المنتجات المحظورة أو قيد التحقيق، كما أنهم لا يكشفون عن المدة التي استغرقها التحقيق، حتى بعد ذلك. يجوز للشركات الخاصة الامتناع عن التصدير دون طلب قرار رسمي، وقد لا يتطابق تصنيف السلع التجارية الدولية مع بنود التصدير الحساسة مثل أشباه الموصلات المتطورة.
لا تُظهر بيانات التجارة الدولية الشهرية على مستوى الصناعة أي دليل واضح على فصل سلسلة التوريد أو إعادة تنظيم جذرية لشبكات الإنتاج حتى نهاية عام 2022. ومع ذلك، في آب 2020 أدت ضوابط التصدير الأمريكية التي استهدفت شركة “هواوي”إلى إبطاء إنتاج الشركة في الصين بشكل كبير، وبالتالي خفضت الصادرات اليابانية إلى الصين، خاصة بالنسبة للأجزاء والمكونات المستخدمة في معدات الاتصالات اللاسلكية لـ”هواوي”.
وجدت تحليلات الانحدار انخفاضاً ذا دلالة إحصائية في الصادرات اليابانية إلى الصين منذ آب 2020، لا سيما في الأجزاء كثيفة الموصلات، حيث تقدر بعض الدراسات انخفاضاً بنسبة 3.3 في المائة في الصادرات خلال هذه الفترة مقارنة ببيانات التجارة لعام 2019، وعلى الرغم من أن فصل سلسلة التوريد يعتبر أمراً حقيقياً، ولكن يبدو أن تأثير الحد من التجارة محدود النطاق حتى الآن.
دخل فصل سلسلة التوريد في المواجهة بين الولايات المتحدة والصين مرحلة جديدة عندما صادقت إدارة بايدن على قانون الرقائق والعلوم في آب 2022، وعززت ضوابط التصدير الأمريكية في تشرين الأول عام 2022. وعلى الرغم من أن تفاصيل تنفيذ هذه السياسات لم يتم الكشف عنها بعد، إلا أنها من المحتمل أن تزيد من تعطيل سلاسل التوريد من حيث الأجزاء والمواد وآلات الإنتاج والتقنيات المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر العملاقة.
لكن من المحتمل أن يكون فصل سلسلة التوريد جزئياً فقط، حيث ظلت شبكات الإنتاج الدولية نشطة بشكل عام، ولا سيما في شرق آسيا، كما أتاحت العولمة للعديد من الشركات الخاصة فرصاً اقتصادية عالمية. ومع الجدل الجيوسياسي الساخن الحالي بين الولايات المتحدة وحلفائها، فإن توسيع الضوابط التجارية أمر لا مفر منه. لكن لا ينبغي إهمال “بقية” الاقتصاد خارج الضوابط التجارية الفعالة في هذا النقاش، إذ يتوجب على العالم أن يحافظ على الديناميكية الاقتصادية.
وبالنسبة للقوى المتوسطة، يمكن للحكومة اتخاذ العديد من الإجراءات لضمان صحة وسلامة بقية الاقتصاد، حيث يجب رسم الحدود بين الاقتصاد، الذي يخضع لضوابط تجارية صارمة، وبقية الاقتصاد، الذي لا يخضع لرقابة صارمة، بأكبر قدر ممكن من الوضوح.
ومن المهم للمدنيين ألا يتم الجمع بين تقنيات الاستخدام العسكري والتقنيات العادية لتجنب التأثير السلبي على بقية الاقتصاد، وفي حال لم يتم توضيح الحدود، فسيواجه القطاع الخاص شكوكاً كبيرة قد تقلص التجارة والاستثمار. وليس فقط القوى الوسطى هي التي يجب أن ترسم حدوداً واضحة بين الاقتصاد الخاضع للضوابط التجارية وبقية الاقتصاد، ولكن أيضاً الولايات المتحدة.
يجب على القوى الوسطى مثل اليابان ممارسة الدبلوماسية الاقتصادية بالنسبة للجنوب العالمي، وخاصة الآسيان، وذلك من خلال تعميق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية ، بدلاً من إجبارها على اختيار جانب.
يهتم الجنوب بالترويج لأجندة جديدة بشأن التجارة والاستثمار الرقمي، فعلى سبيل المثال، يجب أن تعزز المفاوضات حول الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ العلاقات الاقتصادية متعددة الأطراف، بدلاً من مجرد دفع أجندة الأمن الاقتصادي.
كما يجب أن يلتزم باقي الاقتصاد بنظام التجارة القائم على القواعد، فمع فشل مجموعة الدول السبع في جعل سياسات الأمن القومي متسقة مع معايير التجارة الحالية، فإن الصوت القادم من جنوب الكرة الأرضية، وخاصة الآسيان، أمر بالغ الأهمية، حيث كانت مشاركة الآسيان في شبكات الإنتاج الدولية عميقة، ويجب أن تستمر في دعم النظام التجاري القائم على القواعد. وجنباً إلى جنب مع الجنوب العالمي، يجب الإبقاء على النظام التجاري القائم على القواعد على أوسع نطاق ممكن.