إعادة تموضع وقواعد عسكرية أمريكية جديدة في سورية.. ماذا بعد؟
تحركت اليوم، الجمعة، دورية ثانية لقوات الاحتلال الأمريكي في المنطقة الممتدة بين مدينتي “المالكية”، و “رميلان”، بريف الحسكة الشمالي الشرقي، وهي الدورية الثانية خلال ٢٤ ساعة وبالتزامن مع إعادة تموضع للقوات الأمريكية في منطقة “صرين”، الواقعة في منطقة تتداخل جغرافيا بين ريف الرقة الغربي وريف حلب الشرقي، وهي قاعدة تعرف إعلاميا باسم “مطار السبت”، لقربها من قريتي” سبت فوقاني – سبت تحتاني”، الواقعتين بدورهما جنوب الطريق الدولية المعروفة باسم M4 والتي تربط بين محافظتي الحسكة وحلب، ومن هذا الموقع الجغرافي الهام، يفهم أن “واشنطن”، أعادت التفكير بأهمية الإبقاء على وجود مؤثر على الطريق الحيوية، فالطرق واحدة من أهم جواهر الحرب الدائرة في سورية.
بالعودة إلى الدوريات الأمريكية التي تدخل مناطق شرق مدينة القامشلي، فإن التركيز يأتي على منطقتين هامتين نفطيا، هما حقول رميلان، وحقل السويدية، والأخير يعد من أكبر حقول الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط، ويتكامل هذا التحرك مع توجه الولايات المتحدة الأمريكية نحو بناء قاعدة عسكرية غير شرعية جديدة لها في منطقة “الرويشد”، بريف دير الزور الشمالي، وهي منطقة تقع على رأس مثلث البادية الواقع بين محافظات “الحسكة – دير الزور – الرقة”، وهي منطقة تبعد المسافة ذاتها تقريبا عن “حقول الجبسة” ومدينة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي من جهة، وعن حقول النفط الأساسية في دير الزور كحقول” العمر – كونيكو – التنك”، ونظرا لنقل مصفحات عسكرية من نوع “برادلي”، إلى هذه المنطقة، يؤكد الأمريكيون أنهم جادون فيما يخص ملف النفط، والذي أكد الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، بأنه سيستخدم القوة المفرطة إن اضطر الأمر للحفاظ على مصالح بلاده النفطية في الشرق السوري.
وإن كانت السيطرة على منابع النفط اساس البقاء في الداخل السوري عسكريا بالنسبة لأمريكة، فإن عودتها إلى قاعدة “صرين”، برغم أن قرار الانسحاب منها كان قطعيا على ما يبدو من عملية تدمير الجزء الأكبر منها قبل الانسحاب الذي حدث قبل عشرة ايام من الان، بأن “واشنطن”، مصرة على إبقاء الطرق الأساسية بين سورية والعراق مقطوعة او تحت الرقابة، فمن “صرين”، يتم الإشراف على الطريق M4، الذي يبدأ من منطقة “اليعربية”، وينتهي في مدينة “اللاذقية”، بعد مروره بمحافظات “الحسكة – حلب – إدلب”، ما يعني أن الطريق التي تربط مدينة “الموصل”، العراقية بحلب التي تعد عاصمة الصناعة السورية، من جهة، وباللاذقية التي تعد واحدة من بوابات الاستيراد العراقي من أوروبا، ستبقى خارج الحسابات التجارية بين البلدين، ومع النظر إلى الجدوى العسكرية من بقاء الأمريكيين في منطقة “التنف”، يظهر أن حجة قتال تنظيم “داعش”، غير حقيقة لجهة أن التنظيم في مناطق البادية ينتشر على شكل خلايا صغيرة متباعدة التمركز وضمن منطقة خفض التصعيد المحيطة بالتنف والتي تعرف باسم “منطقة الـ 55 كم”، وعلى الرغم من كونها منطقة عمليات للقوات الامريكية والفصائل السورية الموالية لها، إلا أنها تعتبر من اكثر المناطق أمناً بالنسبة لداعش لعدم وجود اي عمل عسكري مضاد له، وبالتالي، فإن الأمريكيون يتواجدون في هذه المنطقة بهجف الحفاظ على طريق “دمشق – بغداد”، مقطوعا بوجه اي عملية تجارية سلسة بين البلدين، خاصة وان العراق يعد اكبر الاسواق القريبة استهلاكا للمنتجات السورية، وهذا الوجود يخدم المصالحة الاسرائيلية المتمثلة بمنع وصول القوافل الايرانية لسورية، خوفا من وصول السلاح عبر هذه القوافل الى المقاومة في لبنان.
يمكن تلخيص استراتيجية واشنطن في الملف السوري بالنفط والطرق، واي حديث عن إحداث تغيير سياسي او حماية لحلفاء واشنطن مثل “قوات سورية الديمقراطية”، او الفصائل المسلحة المنتشرة في محيط التنف كجيش مغاوير الثورة، لم يعد يحضر في التصريحات الرسمية لدونالد ترامب، كما إن الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم “داعش”، المدعو “ابو بكر البغدادي”، وفر على الرئيس الامريكي الوقت الذي يستهلك في الحديث عن محاربة اخطر تنظيم تكفيري وجد حتى الآن، ولم يعذ لدى “ترامب”، سوى الحديث عن النفط والارباح المالية التي سيحققها الوجود العسكري في سورية.