إطلاق صفة الوسيط على هوكشتاين مسٌّ بالكرامة الوطنية
جريدة البناء اللبنانية-
خضر رسلان:
منذ ان اعترف الرئيس الأميركي ترومان بالكيان «الإسرائيلي» بعد دقائق من الإعلان عن إنشاء الدولة العبرية في فلسطين في الرابع عشر من أيار/ مايو العام 1948، تواصل التحالف الأميركي ـ الصهيوني بل وقعت اتفاقية ملزمة لجميع رؤساء الولايات المتحدة تنصّ على الالتزام الأميركي بالدفاع عن (إسرائيل)، وهي اتفاقية استمرّ معها الانحياز الواضح للكيان «الإسرائيلي»…
وفي كلّ الحروب التي خاضتها (إسرائيل) ضدّ الدول العربية ومنها لبنان كانت أميركا الداعم الأساسي لـ (إسرائيل) عسكرياً ولوجستياً وحتى خلال رعايتها لاتفاقيات السلام كوسيط (بين قوسين) لم تبادر كجهة راعية الى إلزام (إسرائيل) على تنفيذ تعهّداتها بل كانت هي السباقة بخرق مندرجات ما رعته كحال اتفاقية أوسلو حيث بادرت الخارجية الأميركية الى شطب اسم أراضي السلطة الفلسطينية من مواقعها، وقبل ذلك نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالقدس عاصمة ابدية لـ (إسرائيل).
البروفيسور جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو الذي تعرّض لانتقادات واتهامات واعتبر معادياً للسامية على اثر نشره لدراسة في جامعة هارفارد بعنوان
»The Israeli Lobby» «اللوبي الإسرائيلي»
حيث أشار فيها إلى أنّ إعطاء الضوء الأخضر لـ «إسرائيل» لتشُـنّ حربها على لبنان والمساندة الأميركية لها، لم يصُـبّ في المصلحة الاستراتيجية للولايات المتحدة، واستشهد بمقولة لمساعد المنسِّـق الأميركي لعملية السلام في الشرق الأوسط، السفير آرون ميللر، تلخِّـص خطورة التحيُّـز الأعمى إلى (إسرائيل) حين قال: «هناك خطر كامِـن في انتهاج سياسة لا تفرّق بين كونها سياسة حكومة أميركية أو سياسة حكومة إسرائيلية».
وفي قراءة تاريخية للتعاطي الأميركي مع لبنان في كلّ ما يتعلق بالمصالح «الإسرائيلية» نجد الانحياز الفاضح والفج الى جانب دولة الاحتلال، والشواهد على ذلك كثيرة جداً بحيث انّ سردها ينزع عنها بشكل تلقائي صفة الدولة الراعية لسلام او اتفاقات مزعومة، فقد أشهرت الولايات المتحدة بإشهار حق النقض الفيتو ضدّ مشاريع قرارات مرشحة للصدور عن مجلس الأمن لإدانة الكيان «الإسرائيلي» ضدّ الاعتداءات والمجازر التي طالت اللبنانيين، ومنها ما حصل ضمن مقرات الأمم المتحدة كحال مجزرة قانا المروّعة، الى رفض الموافقة على قرارات مجلس الأمن القاضية بانسحاب الكيان «الإسرائيلي» من لبنان، بل لقد عمد آنذاك مندوبها فيليب حبيب الى إرغام لبنان على توقيع اتفاقية 17 أيار 1983 التي تسلخ لبنان عن محيطه العربي وتجعله مسلوب الإرادة والسيادة، وفضلاً عن ذلك عملت الولايات المتحدة التي تطرح نفسها صديقة للدولة اللبنانية الى فرض إجراءات خدمة للكيان «الإسرائيلي» أبرزها منع الجيش اللبناني من امتلاك أسباب القوة وتشديد العقوبات والحصار الاقتصادي على الشعب اللبناني من أجل إخضاعه وإجباره على أخذ خيارات متوافقة مع سياساته ومخالفة ومتعارضة مع المصلحة اللبنانية.
بناء على ما تقدّم وفي قراءة موضوعية للسلوك الأميركي المنحاز بشكل دائم وتلقائي الى جانب الكيان «الإسرائيلي» فإنّ الصاق صفة الوسيط لدورها ودور مندوبها اوكشتاين إنما هو أمر مجافٍ لمنطق الحق والتاريخ والحقيقة، بل هو أكثر من ذلك انه انتقاص وامتهان و مسٌّ بالكرامة الوطنية… إذ كيف يقبل السياسيون إطلاق صفة الدولة الراعية والوسيطة على الجهة التي تعمل في الليل والنهار على تدمير هيكلية الدولة اللبنانية وتجويع شعبها، وتمنع عنه كلّ أسباب الحياة الكريمة، لا سيما استيراد النفط واستجرار الغاز والكهرباء بما ينسجم مع مصلحة الدولة اللبنانية…
نعم لا يوجد وسيط اسمه آموس هوكشتاين مكلف بإيجاد حلول لترسيم الحدود بين لبنان والكيان المحتلّ للأراضي الفلسطينية بل يوجد مندوب سامٍ يمثل دولة متسلطة تعمل على مخالفة القوانين الدولية وتهدف بشكل سافر الى نزع حقوق لبنان الواضحة كرمى للكيان الغاصب مع سبات عميق وصمت مطبق مسيطر على أدعياء السيادة الذين يجهدون الى عدم خدش او إزعاج أولياء نعمتهم في عوكر…!