إسقاط أهداف معركة كسب
نور الدين الجمال –
صحيفة البناء اللبنانية:
سجّلت قوات الجيش العربي السوري ووحدات الدفاع الوطني تقدماً كبيراً في احتواء القوة الإرهابية التي عبرت الحدود التركية تحت غطاء مدفعي الجيش التركي، بعد التدخّل غير المسبوق لأردوغان منذ اليوم الأول للعمليات وإسقاط الطائرة السورية، فالمعارك التي يخوضها الجيش العربي السوري والوحدات الشعبية المشاركة في الدفاع عن سورية ضد عدوان أجنبي مكشوف يقوده أردوغان وحكومته، أعادت عدداً من المواقع وتحاصر بعض المجموعات التي مُنيت بخسائر كبيرة، في حين واصل الطيران الحربي السوري عملياته على امتداد الحدود الشمالية مع تركيا ضارباً خطوط الإمداد التي تعتمد عليها المجموعات المهاجمة عبر الحدود. ولفت في الأيام الثلاثة الأخيرة غياب التصدي لعمليات سلاح الجو السوري، ويردّ بعض المحللين العسكريين ذلك إلى تحرّك قطع الأسطول الروسي نحو نقاط مقابلة للحدود مع تركيا، في حين تقول معلومات دبلوماسية إن الجمهورية الإسلامية في إيران أبلغت المسؤولين الأتراك موقفاً شديد اللهجة واعتبرت التورّط التركي المباشر في العدوان على سورية انقلاباً على التعهدات التي قدّمها أردوغان خلال زيارته الأخيرة إلى طهران، إذ أصدر بعد ذلك بياناً اعتبر فيه مكافحة الإرهاب أولوية لا بد منها في التعامل مع الوضع السوري، فإذا به يقدّم الرعاية والمساندة لخليط إرهابي متعدد الجنسية يضم ألوف السعوديين والليبيين والشيشانيين واللبنانيين وغيرهم، إلى حد أن 18 جنسية من عناصر «جبهة النصرة» وفصائل أخرى تكفيرية وإرهابية شاركت في الهجوم على مدينة كسب.
شكّل الهجوم التركي عنصر استنهاض إضافياً للشارع السوري ضد العدوان، كما ساهم في فضح حقيقة القوى التي تستهدف سورية تنفيذاً لأجندات خارجية لا علاقة لها أصلاً وفصلاً بمفاهيم المعارضة والإصلاح، بل هي مجرد أدوات للخارج. ولفت المراقبون إلى أن تكوين الجماعات المهاجمة يشير بوضوح إلى مساهمة تركية ـ قطرية ـ سعودية في القرار، وفي التخطيط والتمويل، ما يعني أن الخطة والتوقيت وضعا في دوائر التخطيط الأميركي فواشنطن وحدها تستطيع تجاوز الخلافات المستحكمة بين الحكومات الثلاث وتوحيد جهودها في عمليات مشتركة ضد سورية.
الكلام الذي تكرّر في قمة الكويت على لسان بعض الخطباء حول تعديل التوازنات يكشف الأوهام والرهانات خلف هذا العدوان التركي، بعد الانتصارات الكبيرة التي حقّقها الجيش العربي السوري في القلمون وريف حمص الغربي، لكن بعض المتابعين يعتبرون أن حالة من الارتباك تسود أوساط الإدارة الأميركية حول سورية، عقب التخبط الكبير والإعلان أكثر من مرة عن مراجعة الأميركيين سياستهم في سورية، والعجز المتمادي عن معالجة حالة التشرذم والتناحر في صفوف الواجهات السياسية والمجموعات العسكرية المدعومة من الغرب وتركيا وبعض دول الخليج، ففي العديد من الدوائر المختصة ومراكز الأبحاث ساد شعور بأن الحرب على سورية باتت أمراً ميؤوساً منه، وذاك ما عبَّر عنه روبرت فورد السفير الأميركي السابق في دمشق متحدثاً عن قوة الرئيس بشار الأسد وشعبيته، وعن صلابة الدولة الوطنية السورية وتماسك الجيش العربي السوري وتفوّقه في الميدان.
يسأل كثر عن الهدف التالي بعد العدوان التركي ـ الإرهابي على كسب وريف اللاذقية الشمالي، فيما تتعثر محاولات تعزيز مواقع الفصائل المسلّحة في حلب وريفها، ويبدو في نظر المراقبين أن الغاية من هذه العمليات التي تُضخ أموال وأسلحة كثيرة لتنفيذها تكمن في هدفين أساسيين، الأول خلق حالة من الاستنزاف تؤثر في حركة الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني وحلفاء المقاومة لفرض الحسم الميداني سواء من خلال المصالحات وعمليات إلقاء السلاح، أو عبر الضربات العسكرية القاصمة لمواقع قيادة الجماعات المسلّحة ومعاقلها. أما الغاية الثانية فهي التأسيس لحالة من الاستنزاف المستمر التي تعوق نهوض الدولة السورية، وفي هذه المرحلة تحديداً اعتراض الحسم الدستوري عبر إجراء الانتخابات الرئاسية، فجميع التوقعات الأميركية والغربية تجزم بحصول الرئيس الأسد على تفويض شعبي كبير في أول انتخاب يتم على أساس دستور جديد وبمنافسة مفتوحة مع مرشحين آخرين وفقاً لأحكام الدستور، وتنبأت بهذه النتيجة معظم أجهزة الاستخبارات المغربية التي دعت صنّاع السياسة إلى التكيّف مع فكرة أن الرئيس الأسد باقٍ على رأس الدولة الوطنية السورية للسنوات المقبلة، وإذا كان الغرب يستطيع التكيّف مع هذه الحقيقة إذا فرض عليه الأمر ولم يستطع تبديل المعادلات مثلما يطمح، فإن أحقاد خصوم الرئيس الأسد في المنطقة تدفعهم إلى التصرّف بطريقة هستيرية في الفترة الفاصلة عن الاستحقاق الرئاسي السوري، وهذا يصلح أساساً لفهم التطورات التي ستشهدها سورية في الأشهر القليلة المقبلة.