إسرائيل و«لعنة تموز»
صحيفة السفير اللبنانية ـ
حبيب فيّاض:
الى جانب بوادر الانتفاضة الشعبية في الضفة الغربية، أدخلت حرب غزّة إسرائيل في عنق زجاجة. الكيان الإسرائيلي على سكة انهيار معنوي يمهدّ لدخوله في انهيارات أخرى. لأول مرة منذ قيامها، تصل الدولة العبرية إلى هذا المستوى من الضعف برغم الدعم الإقليمي والدولي الذي تحظى به. إسرائيل التي لا تقهر، باتت عاجزة عن الفعل والمبادرة، وهي بانتظار الحلول السياسية للخروج من تورطها الميداني. المقاومة الفلسطينية وضعت الآلة العسكرية الإسرائيلية في خانة العجز عن حماية أمن الدولة العبرية. بعد هذه الحرب، ستكون إسرائيل غير تلك التي نعرفها. على الأرجح، سنكون أمام إسرائيل المصابة بـ«فوبيا» الحروب.
على غرار حرب لبنان 2006، يواصل العدوّ حربه على غزة لا لينجز ميدانياً، بل لأنه ليس لديه من خيار سوى الاستمرار بالعدوان.هذه المرّة، بدأ الإسرائيلي الحرب تحت عنوان: «الجرف الصامد» لينتهي الى انسداد الأفق وعقم الخيارات تحت وطأة «العصف المأكول». الاستمرار في العدوان سيكشف المزيد من الخيبات، فيما التراجع عنه سيضع إسرائيل أمام اعتراف ضمني بعدم التفوق والقدرة على المواجهة. الحرب على غزة كشفت عن تحول العدو من لاعب يكسب استراتيجياً بالضربة القاضية، إلى لاعب يريد الخروج من الحلبة.
إنها «لعنة تموز» تلاحق الإسرائيلي في غزة. فإسرائيل التي كانت دوماً توظف معاركها للكسب سياسياً، باتت اليوم بانتظار مبادرات الأصدقاء لإنزالها عن الشجرة. وهي التي كانت دوما ترفض وقف اطلاق النار قبل تلبية شروطها، تدرس جدياً وقف العدوان من جانب واحد. والنتيجة أننا أمام كيان تراجع من القدرة على التفوق في أي عدوان، إلى كيان بات مشكوكاً في قدرته على البقاء.
اذًا، غزة تنتصر والضفة تنتفض دعما لها، وإسرائيل على مشارف هزيمة مدوية. القبة الحديدية العسكرية لم تفعل فعلها، فيما القبة الديبلوماسية ما زالت تدور في حلقة مفرغة. الدولة العبرية لم تعد قادرة على توظيف قوتها بغير قتل المدنيين واستهداف المدارس والمستشفيات. إخفاق الاسرائيليين في غزة، واضطرابهم أمام الحراك الشعبي في الضفة، يفتحان الأبواب أمام انتصارات فلسطينية مقبلة. إسرائيل غير المنتصرة مهزومة، فكيف بإسرائيل المهزومة؟ الكثير الذي تمتلكه من قوة لم يعد يجدي في لجم اعدائها، بينما القليل الذي بحوزة هؤلاء، بات قادراً على وضعها قريبا من النهاية.
الفاجعة في غزة كبيرة لكن المنجز أكبر. ما يصيب غزّة من قتل، اعتاد عليه الفلسطينيون. ولكن ما يصيب كيان العدو من عجز، هو غير مألوف لدى الاسرائيليين. لم تكن الانتهاكات الإنسانية يوماً عاملاً رادعاً لإسرائيل عن الاستمرار في حروبها. كما لم يكن القتل والتشريد طوال مرحلة الصراع سبباً لهزيمة الفلسطينيين وتخليهم عن حقوقهم. انعدام المعايير الأخلاقية في الحروب سمة لا تنفك عن ممارسات إسرائيل العدوانية. والقدرة على تحمل الضحايا وتقبل القتل باتت من شيم الشعب الفلسطيني. بامكان اسرائيل أن تمارس عنفها، لكنها لا تستطيع الانتصار. وبإمكان الفلسطينيين المزيد من الصبر والمقاومة، ولكن ليس بإمكانهم الهزيمة والانكسار.
البعض يرى في العدوان الحالي مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية، على قاعدة التمهيد لإلحاق غزة بمصر والضفة الغربية بالأردن. والواقع ان هذه الحرب باتت، ولأول مرة، «مؤامرة» على إسرائيل تمهيداً لاسترجاع سائر فلسطين الى غزة.
قد لا تدوم انتفاضة الضفة فترة طويلة. وقد لا تستمر حرب غزة أكثر من أيام قليلة. لكن، بالمقابل، قد لا تطول المدة الفاصلة عن حرب أخرى… عسى تكون الأخيرة.