إسرائيل وجدار ثقافة المقاومة
صحيفة الوطن السورية-
تحسين الحلبي:
يخطئ من يعتقد أن ما تفرضه المنظمات الصهيونية السياسية والحكومات الإسرائيلية من قوانين وسياسات تخدم سياسة الاحتلال وحماية مستقبل الوجود الإسرائيلي في المنطقة على الدول الأوروبية والولايات المتحدة الذين يعتبرون حلفاءها، لن تحاول فرضه على الدول العربية التي وقّعت معها على اتفاقات «سلام وتطبيع» ثنائية، ففي هذه الدول الغربية تنتشر منظمات إسرائيلية أميركية تطلق على نفسها «غير حكومية» تعمل على شكل مجموعات تتولى مهمة الضغط على سياسة حكومات هذه الدول لمصلحة ترسيخ الاحتلال وتوسيع النفوذ الإسرائيلي.
ولن تتورع إسرائيل وحركتها الصهيونية العالمية عن تأسيس هذا النوع من المنظمات للقيام بنشاطاتها في عدد من الدول العربية التي وقّعت معها على اتفاقات «سلام وتطبيع» واستخدامها لهذه الغاية، وخاصة لمنع انتشار أي أفكار أكاديمية أو سياسية تناقض مصالح الاحتلال الإسرائيلي، ففي بريطانيا نجحت إسرائيل عن طريق هذه المنظمات الإعلامية والأكاديمية بإقالة البروفيسور ديفيد ميللير من جامعة بريستول بتهمة «معاداة السامية» بموجب التعريف الإسرائيلي لها، وهو المتخصص بالدراسات حول العرب والإسلام لأنه تطرق إلى عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي، ولن تتورع إسرائيل عن تطبيق هذه السياسات ونشر أدوات تنفيذها المحلية والعالمية أو الإقليمية لفرض نفوذها وسياساتها على دول المنطقة، وتشير المعلومات الإسرائيلية الإعلامية إلى وجود مكثف في الجامعات ومراكز الأبحاث الإسرائيلية لكليات متخصصة بمتابعة مناهج التعليم الأكاديمية في العالم العربي والإسلامي وما تدرسه في الجامعات من علوم التاريخ والأدب والإسلام والسياسة بهدف وضع كل ما لا تقبل به إسرائيل ومشروعها الصهيوني تحت قانون «معاداة السامية».
بالمقابل تنشط منظمات دولية غير حكومية متعددة الجنسيات تطلق على نفسها أسماء تشجيع السلام والديمقراطية وتكون غالباً واجهة لنشاط إسرائيلي وصهيوني عالمي يحاول الاحتلال من خلاله تحقيق ما يسعى إليه من أهداف، وخير مثال على هذا النوع من المنظمات «مركز اتصالات السلام» الذي نجح في تجنيد عدد من الشخصيات المحلية في العراق لعقد مؤتمر في أيلول الماضي في أربيل دعا فيه إلى تطبيع العلاقات بين العراق وإسرائيل واختير له توقيت حساس قبيل الانتخابات العراقية البرلمانية التي جرت قبل أسبوع، وأحبط العراقيون هذا المؤتمر وأهدافه ونددوا بالمشاركين فيه وجرت ملاحقة عدد منهم بتهمة التطبيع.
هذه المنظمة الأميركية الإسرائيلية تضم في هيئتها القيادية، مؤسسها عن طريق «معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأوسط» جوزيف براودي، وهو يهودي أميركي من أصل يهودي عراقي هاجر إلى إسرائيل وتعلم العبرية إضافة إلى اللغة العربية ويحمل الجنسيتين الأميركية والإسرائيلية ويسافر إلى بعض الدول العربية بجواز سفره الأميركي وله كتاب شهير بعنوان: «الاسترداد.. السياسة الثقافية من أجل شراكة إسرائيلية عربية» صدر عن معهد واشنطن للسياسة في الشرق الأدنى، وأسس براودي منظمة تابعة «لمركز اتصالات السلام» أطلق عليها اسم «المجلس العربي للاندماج الإقليمي» بدعم مالي وسياسي من واشنطن وتل أبيب. ويتلوه بالمسؤولية ميخائيل ناحوم رئيس العمليات وهو يهودي يحمل الجنسيتين ويتقن العبرية والعربية وأشرف على تعليمه في إسرائيل «مركز هيرتسيليا الإسرائيلي للأبحاث والدراسات – قسم الشؤون الإسلامية»، ويضم «مركز اتصالات السلام» في هيئة عمله بموجب موقعه في الإنترنت عدداً من الأفراد العرب وعددا من اليهود الفرنسيين مثل ديفيد خالفا، وعدداً من الأكراد العراقيين ومنهم من يتولى متابعة إحياء التراث اليهودي في مدينة السليمانية، ويرأس مجلس إدارة هذا المركز المبعوث الخاص للإدارة الأميركية سابقاً في عملية المفاوضات بين السلطة الفلسطينية بعد اتفاقات أوسلو دينيس روس وكان مديراً لمجلس الأمن القومي الأميركي، وهو يهودي أميركي.
هذه المنظمة متعددة الجنسيات بقيادة عدد من الإسرائيليين مزدوجي الجنسية تعد نموذجاً لمنظمات تحمل اسم «السلام» وتعد نفسها غير حكومية وهي على صلة بتل أبيب وواشنطن لأنهما الطرفان اللذان يتبنيان تحقيق أهداف إسرائيل وتعزيز نفوذها عن طريق ترويج ثقافة عربية تستسلم للاحتلال وخطابه الفكري والسياسي في المنطقة بموجب ما يشير إليه عنوان كتاب براودي «السياسة الثقافية من أجل الشراكة الإسرائيلية العربية».
آخر نشاطات براودي ومنظمته هي عقد مؤتمر في أيلول الماضي لهذه الغاية في أربيل شمال العراق بمساعدة شخصيات من إقليم كردستان العراق وبعض الشخصيات الأخرى لتمهيد الطريق للتسلل الإسرائيلي إلى العراق، لكنه تلقى مع كل هيئته ضربة قاصمة جعلته يفقد صوابه ويعود إلى واشنطن وتل أبيب مدحوراً مهزوماً، لكن هذا لا يعني أن هذه المحاولات التي تجند لها منظمات إسرائيلية أميركية مشتركة بعض الأفراد العرب والمسلمين لاختراق ثقافة المقاومة العربية والإسلامية ستتوقف.